[esi views ttl="1"]
أرشيف محلي

الشيخ كمال بامخرمة يصدر توضيحاً حول مقاله السابق

وذكر بامخرمه في توضيح له حصل "نشوان نيوز" على نسخة منه بأن بعض المواقع الالكترونية تناقلت المقال وعلقت عليه وأعدته بأنه بياناً رسمياً.

وأشار إلى صدمته بسبب "تصويت أغلبية أعضاء فريق بناء الدولة على أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الرئيس للتشريع فقط وليس الوحيد"،حد وصفه.

وقال بامخرمه: "هذه القضية قد تمّ حسمها في دستور 1994م بعد معركة دستورية مريرة، وكنّا نودُّ ألا تُعاد هذه المعركة جذعة من جديد."

نص التوضيح:

توضيح لما أشكل في مقالة نداء عاجل لكل مسلم يمني
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فقد حدث أني كتبت مقالاً على صفحة الفيسبوك وهو مجرد "مقالة فيسبوك" وليس بياناً؛ ولذا لم أعتن عناية كبيرة بالتدقيق في ألفاظه وعباراته كما هو شأن أيّ بيان رسمي؛ وذلك إثر صدمتي بالتصويت من أغلبية أعضاء فريق بناء الدولة الحضور على اختيار أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع فقط وليس الوحيد؛ لأن هذه القضية قد تمّ حسمها في دستور 1994م بعد معركة دستورية مريرة, وكنّا نودُّ ألا تُعاد هذه المعركة جذعة من جديد؛ فنجنِّب الوطن كثيراً من الأزمات التي تكلفه مزيداً من الخسائر؛ ولأن النص على اعتبار الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ليست سبباً في مشاكل اليمن, بل السبب الحقيقي هو في تنحيتها عن العمل بها والاستئثار بالسلطة والظلم والفساد المستشري.
وقد تداول هذا المقال بعض المواقع الالكترونية وعلقت عليه وعدته بياناً رسمياً؛ فلاقى هذا المقال ردة فعل قوية من كثير من أعضاء فريق بناء الدولة, وفهم منه البعض أنني كفرتهم فيه, وقد استغرق الفريق معظم يوم الخميس في مناقشة المقال, وقد تباينت المناقشات الموجهة إلي من القسوة والغلظة إلى العتاب الشديد، وآخر رفيق وبعضُها مال إلى النُّصح، والبعض الآخر تفهم ما في المقال والتمس العذر, وبعضهم وقف عند حدود ما يدل عليه المقال، ولم ير فيه أيَّ تكفير. وقد طُولبت بالاعتذار شفهياً وكتابياً في الموضع الذي نشرت فيه المقال.
ولأن المقال قد أخذ بعداً لم أكن أتوقعه من التأذى الشديد من قبل ثلةٍ من أعضاء فريق بناء الدولة, وكذا تلك الوقفة التي قام بها بضعُ أفرادٍ من أعضاء المؤتمر اتهموني فيها بالتكفير والتحريض على القتل, بصورة مسيئة ومشوِّهةٍ وتحريضيةٍ وكاذبةٍ ضدَّ زميلٍ لهم في عضو الحوار الوطني قبل الاستفسار منه ومعرفة حقيقة الخبر, وفي الوقت الذي ما زال النقاش دائراً حول الموضوع في الفريق المختص, ولم ينتظروا عن ما يسفر عنه النقاش, أردت في هذه العجالة بيان وتوضيح ما احتواه المقال وتحليل نقاطه الرئيسة, وتحديدَ محلِّ الإشكال والنزاع.
فالمقال اشتمل على ثلاث نقاط رئيسة:
الأولى: توصيف لقرار التصويت ورأيٌ سياسي.
وثانياً: حكم شرعي مجرّد لا علاقة له بالأفراد والأشخاص, كأن يقال: ما حكم شرب الخمر؟ فيجاب بأنه حرام, وما حكم الربا؟ فيجاب بأنه حرام, ومثله وهو الحكم الذي تضمنه المقال: ما حكم اتخاذ شريك لله في التشريع والحكم؟ فيجاب بأنه شركٌ بالله ونقضٌ لكلمة التوحيد.
وثالثاً: الإيحاء برؤية بنيت على أساس هذا الحكم, أرى أنها الطريق لحل أزمات اليمن وتشكيل مستقبلها الجديد.
وهناك أمر رابع: فُهِم من المقال، ولم أنص عليه ولم أقصده ولم أرده, وهو القول بتكفير من صوَّت على أن الشريعة المصدر الرئيس للتشريع فقط بأعيانهم وذواتهم وأسمائهم.
ونقطة خامسة: الأسلوب وبعض الألفاظ التي تضمنها المقال.
وإليك بيان هذه النقاط الخمس؛ ليتم التعرُّف على موضع الإشكال ومحل سوء الفهم الذي سبّب هذا الغضب والانزعاج من قبل بعض زملائي في الفريق والذين أكنّ لهم الاحترام كما يَكنونه لي.
أما الأمر الأول وهو توصيف القرار بأنه أسوأ قرار أو غير ذلك, فهذا رأيٌ سياسي يمكن أن يوافقني فيه البعض أو يختلف معي فيه, وهو أمرٌ مكفول ولا يحق بحال تجريدي أو منعي منه من أي جهة كانت. وكذا رأيي بأن بعض الأحزاب شريكةٌ في صناعة واقع اليمن الحالي, هو أيضاً رأي سياسي, ومع ذلك اجتمع الجميع لمراجعة الذات ومعالجة أخطاء الماضي والاستعداد للتنازل من خلال حوار جاد يشكل مستقبلاً زاهراً لليمن .
ورسم هذا المستقبل لا يمكن أن يكون إلا من خلال المحافظة على ثوابت المجتمع وقيمه وهويته, والتي على رأسها جعلُ الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لكل التشريعات تعبداً لله وخضوعاً لربوبيته, وهو شأنٌ فوق المواقف الحزبية, وليس محلاً للمقايضات السياسية لأنها ثوابت شعب وأمة.
ومطالبتي بالاعتذار عن هذا الرأي السياسي أمر لا أظن أنه يرتضيه أيُّ حزب أو فرد من زملائي؛ لأنه يدخل ضمن حرية الرأي والتعبير؛ واليمنيون لم يعقدوا هذا الحوار إلا لاختلاف آرائهم السياسية؛ سعياً في التقريب بين وجهات النظر.
ثانياً: الحكم الشرعي الذي تضمنه المقال وهو عدم جواز اتخاذ شريك لله في الحكم والتشريع, وبالتالي فإن الذي يقتضيه الإيمان أن تكون شريعة الله -التي هي الإسلام- المصدر الوحيد للتشريع, وعليه فجعل الشريعة مصدر رئيس يعني إشراك مصادر أخرى معها للتشريع يتنافى مع مثل قوله تعالى: ((إن الحكم إلا لله)).
فهذا الحكم هو حكم مجرّدٌ لا علاقة له بتكفير شخص بعينه, وقد تضمنت رؤيتي التي عرضتها على الفريق -ومع الجميع نسخة منها- هذه القضية، وشرحتهاً شرحاً أكثر مما هو موجود في هذا المقال, وقد قلت عندما عرضتها على الفريق مقدّماً لها, إن هذه الرؤية تتضمن قواعد وأحكاماً مجردة, يقيس كلُّ امرئٍ نفسه عليها وهو خبير بها, لا أقصد بها تكفير أحدٍ ولا لمزُه ولا الطعنُ في دينه, وقد تقبل الجميع ذلك واتضح لهم ما أقصده؛ لأن لكلِّ عضوٍ الحقَّ في عرض رؤيته دون تثريبٍ عليه, وهذا ما سار الفريق عليه طيلة الأشهر الماضية, وأوجد أجواء إيجابية بين أعضائه, رغم ما يقع من نقاشات حادّة في بعض الأحيان.
ومطالبتي بالاعتذار عن بيان هذا الحكم الشرعي لا أعتقد أنه مناسب؛ لأنني لا أملك أصلاً حق هذا الاعتذار؛ لأن الحكم الشرعي هو حكم الله, ومن يجرؤ على الاعتذار عن حكم الله؟! إنما في مثل هذا تتم فيه المناقشة العلمية المبنية على الأدلة الشرعية؛ فإن كان أحدٌ يرى أنني مخطئ في هذا الحكم يبيِّن لي ذلك بالأدلةِ وفهمِ علماء الأمة, وأنا مستعدٌّ للتراجع عن الخطأ إذا تبين لي.
وأما الأمر الثالث: فالمقال يشير بمجمله إلى رؤيتي في الحل وقد سبق تقديمها للفريق, وهو ابتناؤه على أمرين:
الأول: الاستقلال في التشريع لله وحده, وألا يعطى حق التشريع لغير الله سواء كان شخصاً أو مجلساً أو شعباً.
الثاني: استقلالُ الإرادة ونفيٌ الوصاية الأجنبية أياً كانت, وهي تقوم على أساس سيادة تشريعاتها الإسلامية وهوية الأمة.
وبطبيعة الحال لا أعتقد أن أحداً من أعضاء المؤتمر يجيز لنفسه أو يوجب على غيره أن يعتذر عن رؤيته, لكن يمكن أثناء الحوار أن يناقَش في هذه الرؤية ويراجع, وعلى هذا الأساس يسير الحوار.
وأما الأمر الرابع فهو بيت القصيد ومحل الإشكال في المقال:
فهو ما فهِمه البعض من المقال أنني أكفِّر من اختار من أعضاء الفريق أن تكون الشريعة المصدر الرئيس للتشريع بأعيانهم وذواتهم وأسمائهم, وهذا ما أنفيه نفياً قاطعاً, ولم يدل عليه المقال لا تصريحاً ولا تلميحاً, إنما كان تركيز المقال على حكم الفعل الذي هو "جعل الشريعة مصدر رئيس فقط للتشريع"، ولم يتحدث عن حكم الأعضاء المصوّتين لها لا من قريب ولا من بعيد؛ وذلك لأن هناك فرقاً بين الحكم على الفعل وبين الحكم على الفاعل, فالحكم على فعل ما أنه كفرٌ لا يلزم منه تكفير الفاعل المعيّن؛ لأن تكفير المعين في الشريعة الإسلامية له شروط يجب أن تتوفر مثل العلم وإقامة الحجة, وموانعٌ يجب أن تنتفي مثل ألا يكون جاهلاً ولا متأولاً ولا مكرهاً, وبالتالي الأمر يحتاج لدراسةٍ خاصةٍ لحال الشخص المعيّن من جميع هذه الجهات, وعليه فالمقال لا علاقة له بهذا الموضوع البتة؛ بل إن فيه إشارات لالتماس العذر, فمما ورد فيه: "هذا المنكر العظيم الذي يساوي الشرك بالله بل هو شرك بالله علِم من علِم وجهِل من جهِل", فالعبارة الأخيرة تدل أنه يمكن أن يكون نحى البعض إلى اختيار أن تكون الشريعة مصدر رئيس جهلاً بكونه كفراً, وهذا عذرٌ يعذر به عن التكفير.
ومن غير الإنصاف حصرُ رأي اتجاه معين بأنه يكفر أو يخون أو يضلل الآخرين.. فهناك من يطرح رؤية وحدوية فهل يلزم من ذلك أنه يخون المطالبين بالانفصال ويستبيح قتلهم؟! وهناك من يطرح رؤية الدولة المدنية فهل يتهم بأنه يجهل ويضلل من يخالفه في ذلك؟! وهناك من يطرح قضايا يراها وطنية فهل يلزم ذلك أن من يخالفه يكون عميلا وغير وطني؟!
ولماذا يستخدم البعض عبارات الرجعية والتخلف والعمالة والتخوين والإرهاب على مخالفيه ويكون مبرّءاً من أي لوازم؟؟ في حين أن الذي يتحدث بعبارات شرعية تقوم عليه القائمة وتثور عليه الاتهامات؟؟!
هذا على الرغم من أني أوضحت ولا زلت أوضح أنني لم أقصد تكفير أيَّ شخصٍ من أعضاء الفريق, وأبرأ إلى الله من ذلك, ومن فهم من المقال شيء من ذلك فإنني أعتذر منه.
وأضيف هنا بأني أحذر أيّ شخصٍ قرأ مقالي من أن يتخذه تكأة في تكفير أحدٍ معين من المسلمين بمجرد الاستناد إلى ما تضمنه المقال. كما أحذر من استخدام أيِّ عنف أو قوةٍ في الإنكار الذي أشرت إلى القيام به, فإني أقصد بالإنكار الإنكار بالوسائل السلمية التي أشرت إلى أمثلتها في المقال, وأيُّ شخص توجه نحو العنف للإنكار سيتحمل كامل مسئوليته في ذلك, ولا علاقة للمقال به, وكلُّ إنسانٍ حسيبُ نفسه.
وأما الأمر الخامس الذي تضمنه المقال فلفظةٌ أسفت لاستعمالها وأعتذر ممن تأذى منها.
وبهذا أرجو أن يكون هذا التوضيح قد أزال الإشكال, ومساعداً على تجاوز الأمر, والعودة من جديد بقلوب مفتوحة إلى طاولة الحوار, يتحمّل بعضنا بعضاً, ويبيِّن بعضُنا لبعض وجهةَ نظره وحُجتَه ودليله فيما ذهب إليه, آخذين جميعاً في الاعتبار مصلحة الشعب اليمني في اتخاذ الحلول التي نذهب إليها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

زر الذهاب إلى الأعلى