[esi views ttl="1"]
arpo28

المؤامرة الكبرى تدق أبواب اليمن

في ذروة مواجهاته مع الجيش اليمني خرج “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” من مخابئه بكابوس الطرود الناسفة التي أجمعت صنعاء وواشنطن على أنها انطلقت من اليمن باتجاه الولايات المتحدة بصورة غامضة ،

وأثارت قلقا طاول حكومات دول العالم في ست قارات غير أن هذه الهجمات لم تخل من نظريات مؤامرة عبرت عنها العديد من الأوساط السياسية اليمنية التي صرحت علنا بتعرض هذا البلد الفقير والغارق بالأزمات ل “مؤامرة كبيرة” غير بعيدة عن سباق التنافس في الانتخابات النصفية الأمريكية .

التعاطي اليمني مع “هجمات الطرود الناسفة” بما اتسمت به من تعقيد وغموض ولا سيما مع تضارب المعلومات وغياب الروايات المقنعة بشأن سيناريو خروجها من اليمن لم يخل من الحديث عن نظرية المؤامرة على اليمن مع الإقرار بخطوة التطورات الهائلة في أساليب الهاجمات التي يشنها التنظيم الأصولي والتي أعادت اليمن مجددا إلى بؤرة التركيز الدولي بوصفه من أكثر البلدان خطرا على الأمن العالمي .

ومع الساعات الأولى لإعلان واشنطن اعتراض طردين ناسفين في لندن ودبي كانا معدين للتفجير في معابد يهودية بولاية شيكاغو الأمريكية باشرت صنعاء إجراء تحقيقات واسعة للبحث عن مصدر الطرود وشنت أجهزة الأمن حملات دهم واعتقال طاولت العديد من المشتبهين ناهيك عن إجراءات أمنية مشددة في المنافذ والمطارات ونشر واسع لقوات الجيش في المدن .

وتزامن ذلك مع موجة جدل واسعة أثارتها الدوائر السياسية اليمنية في حديثها المتكرر عن نظرية مؤامرة استهدفت اليمن ولا سيما في ظل المعطيات المتداخلة للعملية واشتراك أطراف عدة فيها إلى وجود أطراف أمريكية في معادلة الأزمة ممثلة بشركات الشحن الأمريكية العاملة في اليمن التي تولت عملية نقل الطرود من اليمن باتجاه واشنطن وأغلقتها النيابة العامة اليمنية في إطار إجراءات التحقيق .

وعلى مدى الأيام الماضية أثارت العديد من الدوائر السياسية وفي مقدمها البرلمان كثيراً من الأسئلة عن توقيت العملية التي جاءت بالتزامن مع جولة الانتخابات النصفية الأمريكية والتحضيرات التي يجريها اليمن لاستضافة بطولة “خليجي 20” والتي تحولت مؤخراً إلى هاجس سياسي أكثر منه رياضي .

وكان مثيراً بالنسبة لهؤلاء تسارع الاتهامات التي وجهت لليمن مع الدقائق الأولى للعملية وظهور الرئيس باراك أوباما بعد ساعات قليلة على شبكات التلفزة متحدثاً عن هجمات خطيرة خطط لها تنظيم القاعدة في اليمن إلى إعلانهم السريع بأن مصدر الطرود كان اليمن وعدم الاكتراث بالمحطات التي حطت فيها الطائرات قبل أن يجري اعتراض الطرود في لندن ودبي .

هذه المحاور وغيرها عززت من الشكوك اليمنية التي تحدثت علنا عن نظرية مؤامرة غير بعيدة عن المنافسات المحمومة في الانتخابات النصفية الأمريكية ونيات بعض الأطراف العربية والغربية في تحويل اليمن إلى وجه ثانية في الحرب الدولية التي تقودها واشنطن في الحرب على الإرهاب بعد أفغانستان وباكستان .

تعاطٍ متوازن

قياساً بحال الإرباك الذي اكتنف عواصم دول العالم بلا استثناء حيال “هجمات الطرود الناسفة” بدت السلطات اليمنية مطمئنة كثيراً رغم الحديث عن الفشل الأمني اليمني والتهديدات الضمنية التي حملها تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالقضاء على قاعدة اليمن، وكذا إبلاغ مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب وشؤون الأمن الداخلي جون بيرينان الرئيس علي عبدالله صالح بأن واشنطن تقف على أهبة الاستعداد لمساعدة اليمن في الحرب على القاعدة في الخطوة التي قالت دوائر سياسية يمنية إنها انطوت على رسالة بوجود نيات مبيتة لدى واشنطن للتدخل في الشأن اليمني عسكرياً تحت مظلة الحرب على “القاعدة” .

وثمة من يرى أن التعامل اليمني مع الأزمة كان متوازنا من النواحي السياسية والأمنية وانعكس ذلك في تصريحات الرئيس صالح الذي عقد في اليوم التالي مؤتمر صحافياً قصيراً اكتفى فيه بالتأكيد على أن الإرادة السياسية لدى اليمن كفيلة بالحرب على الإرهاب وتعهده الاستمرار في التعاون مع الأسرة الدولية في مواجهة خطر تنظيم “القاعدة” إلى تأكيده رفض اليمن التدخل في الشأن اليمني الداخلي “لا نريد من أحد التدخل في الشأن اليمني لمطاردة تنظيم القاعدة، نحن سنقوم بطائراتنا وآلياتنا بمطاردة عناصر التنظيم أينما وجدوا وقد تم اعتقال أكبر عدد منهم في الأسابيع الماضية . . . ولن نسمح لأحد التدخل في شؤوننا الداخلية لكننا سنكون ممنونين لأي جهة تزودنا بالمعلومات سواء من دول شقيقة أو صديقة في هذا المجال” .

وكان لافتاً أن الرئيس صالح عرض مقارنات بين جهود اليمن والمجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب، عندما أكد أن بلاده قدمت أكثر من سبعين شهيداً من أفراد القوات المسلحة والأمن خلال شهر واحد في إشارة إلى عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا خلال العام الجاري في باكستان وأفغانستان .

وفضلاً عن ذلك بدا الرئيس اليمني أكثر ثقة عندما أكد أن أجهزة الأمن اليمنية لم يكن لديها أي معلومات بشأن الطرود الناسفة كما حال مكتب ال “سي أي أيه” العامل في السفارة الأمريكية بصنعاء فضلا عن حديثه عن التضارب المتكرر في المعلومات من جانب سائر الأطراف .

والمحور الثاني اللافت للانتباه كان في استمرار اليمن في وصف العملية بأنها “شائعات” وضجة إعلامية “رغم مضي أيام على العملية الإرهابية التي استقرت فيها الاتهامات على الجناح اليمني لتنظيم القاعدة” بتنفيذها وهو ما عبّر عنه الرئيس صالح وكثير من المسؤولين وافتتاحيات الصحف الرسمية التي تحدثت عن مؤامرة مخابراتية استهدفت اليمن إلى انتقادها “إصرار البعض التجني على اليمن ومحاولة إيجاد المبررات لقصور الدعم والمساندة التي كان من المفترض أن يتلقاه اليمن الذي يخوض حرباً نيابة عن الآخرين ضد تنظيم القاعدة” .

هذا الأمر عبر عنه تالياً أعضاء في مجلس النواب اليمني الذين حذروا من “مؤامرة ضد اليمن” واتهموا أجهزة مخابرات عربية وأجنبية باستهداف اليمن لدعم دول كبرى تبحث عن ذرائع للعدوان على اليمن، الذي قال إنه يخوض منذ سنوات حربا بالنيابة عن دول كثيرة مع تنظيم “القاعدة” وتسببت في خسائر اقتصادية وأمنية كبيرة لليمن .

نظرية المؤامرة

التضارب في المعلومات كان محوراً مهماً في التشكيك اليمني بالرواية الأمريكية والأوروبية حيال مصدر الطرود الناسفة ومدى خطورتها التفجيرية لا سيما وأن الإعلان عن العملية بدأ باشتباه السلطات البريطانية بوجود قنبلة مخبأة في شكل محبرة طابعة في طائرة شحن أمريكية مغادرة من اليمن ومتجهة إلى شيكاغو في الولايات المتحدة وتوقفت مؤقتاً في لندن، تلاها تصريحات نسبت إلى مصدر في مكتب التحقيقات الاتحادي أشار فيها إلى أن الفحوصات الأولية أظهرت عدم وجود متفجرات .

ويشير أنصار هذه النظرية إلى نبأ أذاعته “سي ان ان” الأمريكية تحدثت فيه عن أن أجهزة السلامة والأمن عثرت بداية على قنبلةٍ على مَتن طائرة “يو بي اس” الأمريكية حطت في لندن وكانت في رحلة باتجاه شيكاغو مقبلة من اليمن، ثم اتضح أن ما وُصف بالقنبلة كان طرداً مشبوهاً ثم عادت الشبكة لتعلن أن نتائج الاختبارات التي أجريت لكشف وجود متفجرات جاءت سلبية ثم نقلها عن مسؤول آخر أن الإنذار أطلق بسبب شكل المحبرة التي بدت وكأن أحداً تلاعب بها فضلا عن إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أكد أنه “ لا يعتقد بوجود هجوم وشيك على صلة بهذه الطرود” . من جانب آخر كانت تصريحات السلطات الأمريكية بشأن الطرد الذي عثر عليه في دبي متضاربة كذلك إذ قيل بداية إن الطرد كان بداخل طائرة متوجهة إلى الولايات المتحدة في حين أكدت شركة فيديكس الأمريكية وهي أكبر شركة للشحن الجوي في العالم أنها عثرت على طرد مشتبه به في منشأتها في دبي وأنه جاء من اليمن .

نظرية الهجمات

قياساً إلى الفريق المؤيد لنظرية المؤامرة ثمة فريق آخر يرجح أن العملية كانت من تخطيط الجناح اليمني لتنظيم “القاعدة” الذي كان توعد في بياناته الأخيرة بعمليات كبيرة في خارج اليمن ومواصلة “حرب المدن مع الجيش اليمني” وتأليف “جيش عدن لمواجهة أكبر حملة صليبية في جزيرة العرب تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والأنظمة المرتدة” .

ويرى هؤلاء أن هذه القضايا كانت محاور أساسية في بيانات التنظيم الأخيرة وبرزت إلى الواجهة كإستراتيجية بعيدة المدى شرع فيها التنظيم غداة إعلانه تأسيس كيانه الموحد قبل عامين تحت مسمى “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” وضم خلاياه في اليمن والمملكة العربية السعودية والعشرات من عناصره الهاربين من باكستان وأفغانستان وظهرت ملامحه عملياً منذ انتقال قيادة هذا الجناح من اليمني ناصر الوحيشي إلى السعودي سعيد الشهري الذي يعتقد أنه قاد عملية التفجير التي استهدفت طائرة ركاب أمريكية ليلة عيد الميلاد .

ويشير هؤلاء إلى أن الضربات القوية التي وجهتها صنعاء لخلايا التنظيم منذ مطلع العام الجاري وخصوصاً في محافظات مأرب وشبوة وأبين حيث دارت مواجهات عنيفة مع مسلحي التنظيم أسفرت بحسب السلطات اليمنية عن مقتل واعتقال العشرات منهم إلا أن التنظيم شهد توسعاً كبيراً نتيجة استمرار تسلل عشرات المطلوبين من السعودية وباكستان ودول أخرى إلى اليمن وهو ما حال دون نجاح السلطات في القضاء على خلاياه نهائيا ليبقى خطر التنظيم قائماً .

ويؤكد ذلك أن التنظيم الأصولي نفذ العديد من الهجمات

عام “القاعدة”

يرى كثيرون أن العام 2010 كان “عام القاعدة” بامتياز بالنظر إلى التغيرات الجذرية في بنية التنظيم والعمليات والهجمات المتعددة والمتكررة التي نفذها واستهدفت بصورة مركزة جهاز المخابرات اليمني وتنفيذ اغتيالات إلى شن هجمات على دبلوماسيين أجانب فضلاً عن نجاح هذا الفرع في التخطيط لهجمات كبيرة استهدفت الولايات المتحدة في عملية التفجير الفاشلة لطائرة الركاب، وبينت التحقيقات أن منفذها الشاب النيجيري عمر الفاروق تلقى تدريباته في اليمن .

وطبقا للمسؤولين اليمنيين فقد اتبعت الحكومة اليمنية منذ مطلع العام الجاري إستراتيجية شاملة لمواجهة تدفق عناصر التنظيم “وشملت مراقبة العناصر العائدة من أفغانستان وترحيل عناصر من جنسيات مختلفة مشتبه بعلاقتها بالتيارات الدينية المتطرفة وتعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى اتخاذ إجراءات وقائية لحماية السفارات والقنصليات والملحقيات والمراكز الثقافية الأجنبية ومقار المنظمات والشركات الدولية العاملة في اليمن فضلاً عن حماية الموانئ التجارية والنفطية والتدابير الأمنية في المنافذ الجوية والبرية والبحرية وحصر القوارب وتنظيم تصنيعها واستيرادها وعمليات تحركاتها على مستوى المحافظات الساحلية اليمنية” .

ويضاف إلى ذلك العمليات الاستباقية التي نفذها الجيش اليمني على أوكار التنظيم خلال العام الجاري والتي أسهمت في الحد من خطر التنظيم وأسفرت عن مقتل عناصر قيادية والقبض على آخرين بينهم أجانب وأكد “استمرار العماليات التي يشنها الجيش ضد أوكار القاعدة في العديد من المناطق .

وأكثر من ذلك فإن صنعاء التي استغرقت الكثير من الوقت للتأثير في قيادات الجيل الأول من القاعدة وجدت نفسها أمام مواجهات محمومة معهم .

ثغرات أمنية

قياساً على الحرب المخابراتية التي شنتها صنعاء على خلايا التنظيم والتي نجحت في تفكيك الكثير من خلاياه وقادت أجهزة الأمن إلى خلايا جديدة وإحباط هجمات فقد اعتمد التنظيم تالياً نظاماً سرياً شديد الصرامة ساعده في حماية خلاياه التي توسعت بصورة كبيرة .

ويؤكد المسؤولون اليمنيون أن الإستراتيجية التي اتبعتها صنعاء لمواجهة خطر “القاعدة” نجحت في التأثير في نشاط خلايا التنظيم والذي شهد نشاطه تراجعاً ملموساً رغم محاولاتها تطوير أساليبها وممارسته أنشطة إرهابية .

لكن البعض يرى أن هذه النجاحات ترافقت مع إخفاقات كانت أشبه بثغرات قوية استفاد منها التنظيم الإرهابي في بناء كيانه الجديد المدعم بجيش عدن أبين، ومن ذلك جولات الحروب الستة مع المسلحين الحوثيين في الشمال وعدم قدرة صنعاء على تجاوز مشكلة ضعف إجراءات حماية حدودها البرية وشريطها الساحلي ناهيك عن فشل أجهزة الأمن في السيطرة على مصادر تمويل خلايا التنظيم في اليمن .

حالة ضبابية

الحال اليوم يبدو ضبابياً كثيراً في المحافظات الجنوبية التي تصدرت المشهد العام مؤخراً بوصفها أوكاراً رئيسية لخلايا تنظيم القاعدة في اليمن فالتأكيدات الحكومية تشير إلى عدد محدود من مطلوبي القاعدة الذين تلاحقهم السلطات في محافظات أبين، شبوة ، مأرب والتوقعات تشير إلى وجود 400 من أعضاء التنظيم في حين أنه يؤكد أن عدد أنصاره يصل إلى 12 ألف عضو وهو العدد الذي أفصح عنه التنظيم أخيراً عندما أعلن تأليف جيش عدن أبين .

ويتفق كثيرون أن السلطات اليمنية تطارد هلاماً اسمه تنظيم “القاعدة” الذي صار اليوم يتحصن في سياج من السرية، ويشيرون في ذلك إلى الحالة الحاصلة في أبين وشبوة إذ إن السلطات عندما تتحدث عن عشرات المطلوبين فإن ما يظهر على السطح عدد محدود من المطلوبين الذي يرتبطون بالقيادات العتيقة للتنظيم في حال لا يعلم أحد هوية أو نشاط أو مصادر الخلايا الجديدة .

ويقول علي عبدالكريم، وهو باحث اجتماعي في مدينة زنجبار بمحافظة أبين، إن أكثر عناصر التنظيم الأصولي في محافظة أبين حالياً معروفون للأجهزة الأمنية وجميعهم ممن عادوا من أفغانستان بعيد الحرب الأمريكية على نظام طالبان ولم يعد لهم نشاط يذكر في هيكلية التنظيم التي تغيرت تماماً، أما اليوم فهم ليس سوى شكلٍ ديكوري صار يستخدم في المعارك السياسة أكثر من كونه تهديدات إرهابية” .

ويقول عبدالكريم: “لو فتشت في أرجاء محافظة أبين لن تجد من يقودك إلى تنظيم “القاعدة” وحتى في مدينتي لودر وجعار اللتين توصفان بأنهما مركز تجمع إرهابيي التنظيم عدا القيادات القديمة التي لم تعد لها روابط تنظيمية حقيقية لكنها على ما يبدو استغلت ما يحدث لإثبات وجودها في دائرة الفعل المؤثر وكذلك إثبات فاعليتها بعد غياب طال أكثر مما يجب .

زر الذهاب إلى الأعلى