آراء

العرب والدول الكبرى

يقال إن عالم اليوم صار متعدد الأقطاب، لكنه بالنسبة لنا نحن، العرب، يكاد يكون قطباً واحداً باستثناءات لا تكاد تذكر. فمازالت القطبية الواحدة مهيمنة، وبقية الأقطاب الفاعلين لاتزال مواقفهم من العرب وقضاياهم مراوغة، ابتداء من القضية المركزية والأزلية قضية فلسطين، إلى أحدث القضايا وأكثرها سخونة في أكثر من قطر عربي. ويمكن القول بكامل الوضوح إن الأقطاب أو الدول الكبرى الفاعلة في الساحة الدولية، قد يختلفون ويتفقون في قضايا وشؤون عديدة، لكن موقفهم من قضايانا يكاد يكون موضع وفاق تام، مع اتفاق على تبادل بعض الأدوار في أمور لا تقدم ولا تؤخر ولا تحدد موقفاً واضحاً، سواء في ما يحدث في العراق أو سوريا أو ليبيا أو في أماكن أخرى، وكأن ما يحدث في الوطن العربي هو محل رضا وإجماع، لأن من شأنه أن يُضعف المنطقة ويجعلها باستمرار في حالة غليان وعدم استقرار.
وهناك ما يشبه الإجماع لدى المتابعين لقضايانا العربية وأغلبهم من غير العرب، يرون أن الدول الكبرى لو كانت مواقفها صادقة ونواياها حسنة، ما سارت الأمور في الوطن العربي، ولا في الأقطار الإسلامية على هذا النحو المثير للحزن والقلق. وأياً كان الأمر، فقد كان علينا أن ندرك هذه الحقيقة منذ وقت مبكر، وأن نعتمد على أنفسنا ونتناسى خلافاتنا الصغيرة، وحينئذٍ سيكون وضعنا مختلفاً وموقف الآخرين مختلفاً، وليس مستبعداً أن يشكل الوطن العربي بإمكاناته البشرية وبثروته وموقعه الاستراتيجي قطباً في دائرة الأقطاب، التي بدأت تتكون وتأخذ مكانها في قيادة العالم الجديد، وهو حلم قديم وصل في منتصف الستينات من القرن المنصرم إلى مشارف التحقق، من خلال المشاركات الفاعلة في دول عدم الانحياز، وفي المؤتمرات الدولية التي كان للعرب فيها صوت مسموع ورؤية وطنية وقومية واضحة.
لقد اعتدنا الشكوى من الآخرين وبالغنا في خطابات التنديد بمواقفهم، ولم نعتد الشكوى من أنفسنا وإدانة ضعفنا، وما تركه هذا الضعف من ثغرات وثقوب في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكلها ثغرات وثقوب لم ينفذ منها أعداؤنا ومن كنا نتوهم أنهم أصدقاؤنا فحسب، بل أنتجت سلسلة من الخلافات تصاعدت إلى أن وصلت إلى هذه الحروب البشعة، التي يقتل فيها الأخ أخاه، ويدمّر فيها المواطن وطنه. وكان علينا قبل أن تصل الأمور إلى هذا المنعطف الأسوأ في تاريخنا أن نتذكر أن الآخر، سواء كان هذا الآخر دولة كبرى أو صغرى يراعي مصالحه، وأن هذه المصالح هي التي تملي عليه المواقف، فإذا كانت مصالحه بالأمس مرتبطة بنا، فإنها اليوم أو غداً ستكون مرتبطة بغيرنا، فليست السياسات هي المتغيرة وإنما المصالح، وهذا ما يفسر التغيرات المريبة التي طرأت على بعض الدول الكبرى في الآونة الأخيرة.
وأعود لأكرر هنا ما سبقت الإشارة إليه، من أنه مازال في الوقت متسع لدى بعض الأقطار العربية لتصحيح مساراتها، وإعادة النظر في تحالفاتها وفقاً لما تحكيه التجربة الطويلة مع كل من كنا ولانزال نسميهم بالأصدقاء، حتى لا تفاجئنا الأيام المقبلة بما لم نكن نتوقع أو ننتظر، وحبذا لو انطلقنا جميعاً - ولو من الصفر- في بناء مواقفنا السياسية المستقبلية، في ضوء ما تقتضيه وتتطلبه مصالحنا الوطنية والقومية، وبما يبتعد بنا عن المخاطر التي تُعدّ، وصار بعضها جاهزاً للتنفيذ في أكثر من عاصمة من عواصم الدول الكبرى.

زر الذهاب إلى الأعلى