تقارير ووثائق

في صنعاء... لم تنج الأشجار والمساحات الخضراء من الحرب

في الحروب، كلّ الكائنات معرّضة إلى الموت والهلاك، دونما تمييز أو استثناء، أكانت بشراً أم حتّى شجراً، كحال الأشجار والمساحات الخضراء في العاصمة اليمنيّة صنعاء التي فقدت حتّى الآن 40% من الأشجار والمساحات الخضراء والأزهار، منذ بدء الحرب الدائرة، في آذار/مارس 2015.

في العاصمة اليمنيّة صنعاء البالغة مساحتها 390 كيلومتراً مربّعاً، يعيش مليونا نسمة بحسب آخر تقديرات عام 2010، لكنّ مؤشّرات عدد السكّان تشير إلى تزايد مستمرّ، بسبب الكثافة السكّانيّة، وأخيراً بسبب عمليّة النزوح الداخليّة، نتيجة الحرب. فوفق تقرير لفريق العمل المعنيّ بالتحرّكات السكّانيّة صادر في تمّوز/يوليو 2017، إنّ عدد السكّان النازحين داخليّاً، وصل إلى 1.98 مليون شخص، 25% منهم يقطنون في العاصمة صنعاء.

يقول وكيل أمانة العاصمة لشؤون البلديّات والحدائق محمّد النمري لموقع "المونيتور": "إنّ إجمالي المساحات الخضراء والأشجار في أمانة العاصمة صنعاء، لا يتعدّى الـ8%، وهو مستوى متدنٍّ مقارنة بالمساحة والكثافة السكّانيّة، والمؤسف أنّنا فقدنا ما يصل إلى 40% من تلك المساحة، منذ بدء الحرب حتّى الآن".

ويضيف: " في حدائق مدينة صنعاء الرئيسيّة والفرعية وحدها، فقدنا منذ بدء الحرب حتّى الآن ما يقارب الـ248343 متراً مربّعاً من إجمالي المساحة المزروعة من الأشجار والمسطّحات الخضراء والأزهار".

الحال لم يبد مختلفاً عن الأشجار والمساحات الخضراء في أرصفة الشوارع والجزر الوسطيّة والمنشآت العامّة، ويقول نائب مدير عامّ مكتب الزراعة في أمانة صنعاء عبد العزيز الجنيد في حديث إلى "المونيتور": "يشير آخر إحصاء قام به المكتب هذا العام للأشجار والأزهار والشجيرات، التي تتوزّع على الشوارع والأرصفة والجزر الوسطى، عن فقدان الأمانة صنعاء عدد 13 ألف شجرة، و20 ألف شجيرة، وأكثر من 70 ألف زهرة، كانت منتشرة في مختلف أحيائها".

عن الأسباب المؤدّية إلى ذلك، يعتبر وكيل العاصمة النمري أنّ "انخفاض الموارد الماليّة لدى الأمانة، نتيجة الحرب والحصار، وانخفاض نفقات الكثير من الأعمال كهذا النوع، إضافة إلى شحّ مستمرّ في المشتقّات النفطيّة، المشغّلة للآبار الأرتوازيّة في الحدائق وغيرها، وشبه انعدام مبيدات الرشّ الزراعيّة، هي أبرز الأسباب التي أدّت إلى جفاف تلك النسبة الكبيرة من المساحات المزروعة من الأشجار والأزهار".

يشرح مدير الإدارة الفنّيّة لحدائق أمانة العاصمة المهندس عبده محمّد القاضي لـ"المونيتور" حال جفاف بعض الأشجار المعمّرة، فيقول: "هناك ما يزيد عن 400 شجرة في حديقة الثورة وحدها وهي من الأشجار التي يصل عمرها إلى ما يقارب الـ40 عاماً ، تآكلت جذروها بسبب الجفاف، ويتطلّب منّا حاليّاً كإدارة للحدائق إزالتها، كونها مهدّدة بالسقوط، وأصبحت تمثّل خطراً على الزائرين".

وتخضع العاصمة صنعاء لسيطرة جماعة الحوثيين منذ استولت على السلطة في أيلول / سبتمبر 2014 الماضي، وتبدو خالية من أي صراع داخلي أو اقتتال ، عدا ضربات جوية يقوم بها طيران التحالف العربي بقيادة السعودية في حرب مستمرة منذ مارس آذار 2015.

وتفقد صنعاء التي ترتفع (2150) متر عن سطح البحر، بفقدان تلك النسبة من الأشجار والمساحات الخضراء 40%، كمية عالية من الأكسجين ، فحسب المهندس عبدالعزيز الجنيد للمونيتور " فقدت صنعاء، ثلث التبادل الغازي "،

وتشير الدراسات إلى أن يمكن للشجرة الناضجة أن تمتص ما يصل إلى 150 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون سنويا. ونتيجة لذلك، تلعب الأشجار دورا هاما في التخفيف من آثار تغير المناخ، وتحسين نوعية الهواء، وخاصة في المدن التي ترتفع فيها مستويات التلوث .

تشهد اليمن حرباً منذ آذار/مارس 2015، نجم عنها، حسب إحصاءات الأمم المتّحدة، مقتل أكثر من 8530 شخصاً معظمهم من المدنيّين، وجرح 48800 شخص، في الضربات الجويّة والقتال على الأرض.

ويعاني 17 مليون يمنيّ من انعدام الأمن الغذائيّ، فيما يواجه 7 ملايين خطر حدوث المجاعة. ويقول وكيل الأمين العامّ للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانيّة ستيفن أوبراين في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن: "يواجه ملايين الأشخاص في اليمن مأساة ثلاثيّة: شبح المجاعة، وأكبر تفشٍّ للكوليرا في عام واحد في العالم، والحرمان اليوميّ والظلم بسبب صراع وحشيّ يسمح العالم باستمراره".

ويستعرض الجنيد في حديثه إل "المونيتور" أسباب أخرى لفقدان هذا الكمّ الكبير من الأشجار، فيقول: "وجدنا أنّ من أهمّ أسباب فقدان الأشجار في الشوارع على وجه التحديد، ليس الجفاف وعدم العناية فقط، بل اقتلاع الكثير من الأشجار من قبل المواطنين، لاستخدامها كوقود للطهي، عوضاً عن الغاز المنزليّ، الذي ينعدم في أوقات كثيرة، ولم يعد يتوافر إلّا بأسعار مرتفعة لا يستطيع الكثير من المواطنين دفعها".

ويتابع: "تشهد مادّة الغاز المنزليّ أزمات متلاحقة، وارتفاعاً مستمرّاً في أسعارها، حيث ارتفع سعر الأسطوانة سعة 20 لتراً من 1200 ريال يمنيّ (4,8 دولارات) إلى 4300 ريال، خلال العامين الماضيين".

ويضيف الجنيد: "أمّا في خصوص المنشآت، وعلى سبيل المثال المدارس، فمنها ما تعرّض إلى التوقّف، ومنها إلى الدمار، نتيجة قصف الطيران والحرب، ممّا أدّى إلى فقدان الكثير من الأشجار والمساحات الخضراء فيها".

ووفقاً لتقارير منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة اليونيسف، واعتباراً من تمّوز/يوليو 2017، فقد دمّرت في اليمن، 1600 مدرسة جزئيّاً أو كلّيّاً، واستخدمت 170 مدرسة لأغراض عسكريّة أو كمأوى للعائلات النازحة، وهناك ما يقدّر بمليوني طفل خارج المدرسة.

عن المعالجات لهذه المشكلة، يتحدّث النمري لـ"المونيتور" عن خطّة أعدّتها الإدارات المختصّة في أمانة العاصمة، تتركّز على محورين، الأوّل: كيفيّة الحفاظ على ما تبقّى، والثاني: معالجات عاجلة لتعويض ما فقد من الأشجار والأزهار والمساحات الخضراء في الحدائق والشوارع في الأمانة، إضافة إلى محور خاصّ، حسب قوله، بالتوعية والإعلام يوجّه إلى المواطنين.

يستدرك النمري، قائلاً: "هذه المعالجات لن ترى النور، ما لم تتبنّ المنظّمات الدوليّة العاملة في اليمن والمختصّة في هذه المجال كمنظّمة الأغذية والزراعة الفاو وغيرها، دعم هذه الخطّة التي سنحرص على تقديمها إليها وتمويلها، نظراً إلى صعوبة تنفيذها جرّاء الظروف الماليّة الصعبة، التي تمرّ بها أمانة العاصمة صنعاء، جرّاء الحرب والحصار".

زر الذهاب إلى الأعلى