من الأرشيف

زمن الحرب زمن الفجايع

الحرب في اليمن فجيعتنا الكبرى. وكأنه لا يكفيها أن نفجع كل يوم بجديد الفجايع. في حمى المصيبة الكبيرة (الحرب المدمرة) نفجع برحيل كوكبة مضيئة من أروع وأزهى أبناء اليمن البررة والمبدعين، ممن تركوا بصماتهم على حياتنا الفكرية والسياسية والأدبية.

عبد الواحد سعيد هواش

من مؤسسي الشركة اليمنية للتجارة الخارجية. كان مسئولاً مالياً فيها منتصف الستينات. انتمى باكراً لحزب البعث العربي الاشتراكي، وانخرط في كتائب المقاومة للدفاع عن الثورة والجمهورية، وفي الدفاع عن صنعاء المحاصرة 1968.

عبد الواحد هواش من كوادر الثورة اليمنية منذ مطلع الستينات. شارك في المظاهرات في عدن ضد المجلس التشريعي الذي أراده الاستعمار البريطاني؛ لقطع الطريق على الوحدة اليمنية، ووعد الثورة القادم.كان من قيادات التبغ والكبريت، والمدير العام في تسعينيات القرن الماضي. كان يرحمه الله مثالاً في الكفاءة والنزاهة والتواضع كقيادي في حزب البعث العربي القومي. تولى مسئولية صحيفة (الجماهير) الناطقة بلسان الحزب، وتولى مسئوليات في الحوارات الوطنية. تعرض للمحاكمة أثناء رئاسة الصحيفة. ظل ابن هواش مثالاً حياً، وقدوة حسنة لكل أبناء الثورة اليمنية. في رحلته للأردن، لم يجد وسيلة لسداد قيمة العلاج غير بيع منزله الوحيد! مات -يرحمه الله -تاركاً لأبنائه ومن يعول الرصيد الكفاحي المجيد، والسمعة الحسنة والذكر الحسن الذي لا يبلى ولا يفنى.

عزاؤنا لأسرته الكريمة، ولرفاقه في الحزب، ولكل محبيه وما أكثرهم!

الفنان العربي الكبير أبو بكر سالم بلفقيه

بلفقيه صوت اليمن والعروبة الداوي الرائع والبديع. رحيل هذا الفنان الكبير خسارة لا تعوض. فمنذ ستينيات القرن الماضي وحضور بلفقيه في الحياة اليمنية والعربية الفني والإبداعي يملأ السمع والبصر والوجدان.

منبته الزاكي من مدرسة تريم (مدرسة الإشعاع الحضاري في اليمن وإفريقيا وشرق آسيا)- له أثر عميق في فنه وأدبه وإبداعه. شاعر متميز؛ فهو ابن مدرسة الشاعر المجدد الكبير أبي بكر بن شهاب. وابن شهاب مجدد له تواصل شعري وأدبي مع شوقي وحافظ. والمدرسة الثانية التي نهل منها: مدرسة حداد بن حسن الكاف. وهو –أيضاً- شاعر متميز ترك آثاراً عميقة في الأغنية الحمينية والدان الحضرمي، وله حضور كبير في الفن والإبداع.

درس أبو بكر على شيوخ حضرموت الفقه والنحو والتجويد.أغرم بالأدب والشعر والفن منذ الطفولة. تخرج من معهد المعلمين. دراسة النحو قوت ملكته الشعرية، وأكسبته سلامة النطق وحسن الأداء. أما التجويد فأثره عميق في ضبط مخارج الحروف؛ وهو ما صقل موهبته، وتكوينه الصوتي. تجويده وإتقانه وطبقاته المتعددة المتنوعة جعلت منه فنانا متميزاً. فبلفقيه مدرسة فنية إبداعية لها حضور قل نظيرها.

غنى اليمن وخلدها فخلدته. غنى: أروى، وصنعاء، وعدن، والحضارة، والتاريخ، وغنى العروبة؛ فارتفع إلى سماء العالمية، فغنى له وليد توفيق، وراغب علامة، وطلال مداح، وكاظم الساهر، وراشد الماجد.

شكل - منذ البداية- ثنائياً مع رائد الفن الحضرمي حسين المحضار، وقدما أروع وأجمل وأغنى الروائع. ليلة في الطويل، وخذ من الهاشمي، وتمنيت للحب. غنى لكبار الشعراء اليمنيين والعرب. غنى للطفي أمان: وصفوا لي الحب ، وكانت لنا أيام، وأعيش لك. كما غنى لمحمد عبده غانم، وللشابي، ولجده أبي بكر بن شهاب، وللحداد .

كانت بيروت إحدى مدن الفن والثقافة والتعددية السياسية والفكرية العربية -بداية مشوار الشهرة عربياً وعالمياً. كانت له صلات عميقة، ومشاركات عديدة مع كبار الأدباء والفنان اليمنيين والعرب: لطفي جعفر أمان، وجرادة، وأحمد بن أحمد قاسم، ومحمد سعد عبد الله، ومحمد مرشد ناجي، وأحمد فتحي، وفضل النقيب، ومحمود الحاج.

الفنان الكبير - منذ البداية- بنى نفسه بناءً أدبياً وفنياً سليماً. ألم باللغة والحياة والإبداع، وكان مثلاً أعلى في الالتزام الأدبي والأخلاقي، وجسد في سلوكه وممارساته الحب للحياة والناس، وقضايا وطنه اليمن وأمته العربية والإسلامية.

هشام علي بن علي

إنسان بسيط ومتواضع حد إشعارك بعظمته وعلو مكانته. ارتبط بالعلم والمعرفة منذ أيامه الأولى في الحياة. انصرف للعلم والمعرفة. تخصصه العلمي لم يصرفه عن الهم الثقافي العام. عندما عمل في تحرير (الثقافة الجديدة) في عدن خرج بها عن الصبغة الأيديولوجية والسياسية. فتح صفحاتها أمام التنوع الثقافي والتعدد الفكري والسياسي- حسب ظروف الجنوب في تلكم الفترة-. غطى الثلاثة العقود من التسعينات حتى رحيله فكراً وأدباً وثقافة وعطاءً. فقد عمل مدرساً في جامعة عدن، ووكيلاً للإعلام والثقافة، وعضواً في مجلس النواب. كان قوي الحضور في الإدارة، وحقول الثقافة والإبداع. ترك إرثاً ثقافياً وأدبياً زاكياً وعظيماً، ورأس تحرير مجلة (الثقافة) لبضعة أعوام.

من إصداراته:

- الثقافة في مجتمع متغير.

- فكرة المغايرة.

- الخطاب الروائي في اليمن.

- السرد والتاريخ في رواية زيد مطيع دماج.

- عبد الله محيرز وثلاثية عدن.

- المثقفون اليمنيون والنهضة.

للفقيد الكثير من دراسات وأبحاث عديدة، ومقالات أدبية، وإسهامات متنوعة؛ فهو -يرحمه الله- غزير الإنتاج. انغمس في الهم الثقافي والأدبي، وكان مثالاً للاستقامة والاتزان والتواضع.

عبد الرحمن عبد الخالق

نجم لامع من نجوم الإبداع والثقافة في اليمن، وعضو قيادي في اتحاد الأدباء والكتاب. يعتبر عبد الرحمن عبد الخالق من القيادات الأدبية الكبيرة. فهو أكاديمي أعد دراسته عن الخصائص التفصيلية لمجلة(الحكمة اليمانية). أما رسالته للماجستير فعن رائد القصة القصيرة محمد عبد الولي.

يعتبر عبد الرحمن عبد الخالق من رواد مبدعي القصة القصيرة في اليمن. كان يدرس الصحافة والإعلام في جامعة عدن. دفع عبد الرحمن عبد الخالق ثمناً باهضاً بالحرمان من الدرجة الأكاديمية التي يستحقها بجدارة، وتعرض للمعاناة القاسية بسبب التزامه الأدبي والأخلاقي بالدفاع المجيد عن حرية الرأي والتعبير، وعن المبدعين الشباب، وتعرض للملاحقة وتهديد زوجته حنان مدرم، وأهمل إهمالاً شديد القسوة في مرضه. فقد كان يعاني من متاعب في القلب والكلى ومتاعب أخرى.

لم يرضخ الدكتور عبد الرحمن عبد الخالق للمساومات والابتزاز، وواجه التعسف والقمع بإباء وصدق. وكان - يرحمه الله- محباً ودوداً ومخلصاً في عمله وقريباً من قلوب كل الناس الطيبين.

عبد الرحمن عبد الخالق علم من أعلام اليمن الأدبي والفكري. أرسى قيماً وتقاليد في جيل شباب الثورة اليمنية التي كان واحداً من نباتها الطيب، وابناً صالحا من أبنائها. عاش كعابر سبيل. ترك ثروة في القصة القصيرة للأطفال منها :

– كيف نصبح أبطالاً.

- هل استفاد حجر من الدرس؟

- عندما حلمت مريم بالعيد.

- ياسمين وعيد المحبة.

وله في النقد الأدبي العديد من الأبحاث والدراسات.

من مؤلفاته:

- دور القصة القصيرة في تنمية الطفل. صدر عن سلسلة مجلة (الرافد).

عبد الرحمن عبد الخالق أنموذج نادر من البشر. فقد أعطى هذا المبدع والإنسان للطفل جل إبداعه، وقدم للحياة وللأدباء والمبدعين والشباب وطلابه في الجامعة عصارة فكره.

رحيل عبد الرحمن- كمثقف وأديب على جانب عظيم من الخلق والوعي والنبل- خسارة كبيرة للحياة الثقافية والأدبية، وللإنسان اليمني والعربي.

زر الذهاب إلى الأعلى