الحرب والشتاء يقسوان على أيتام اليمن
مع اشتداد موجة البرد، يلجأ طلاب دار رعاية الأيتام بصنعاء لفناء الدار كل صباح بحثاً عن الدفء تحت أشعة الشمس بعد أن عجزت بطانياتهم المهترئة عن تدفئة أجسادهم النحيلة.
محمد اليماني، خمسة أعوام، يتحدث بعفوية وهو يلعب مع زملائه مرتدياً سُترته الرثة: "الجري ما يخلينيش أحس بالبرد".
طارق أبو صلاح، (13 عاماً) ينتظر تحت أشعة الشمس إلى أن تجف سترته الوحيدة التي غسلها صباحاً. ويضطر طارق مثل بقية مرتادي الدار لغسل ملابسه في باحة المسجد في عز برد الشتاء. "الماء صباحاً بارد جداً، وأكثر شي يحسسني بالبرد عندما نغسل ملابسنا حتى السطل اللي نغسل داخله مش متوفر".
ويعيش طلاب دار رعاية الأيتام بصنعاء وضعاً مأساوياً، منذ سنوات، غير أنه ازداد سوء خلال السنوات الأخيرة، جراء الأزمة المالية، وغياب الدعم الحكومي منذ اندلاع الأزمة الراهنة في اليمن.
"قبل هذه الأزمة، كنا نستطيع توفير الاحتياجات الأساسية للمأكل والملبس والتعليم لكن خلال الثلاث سنوات الماضية، تدهور الوضع ولم يعد بإمكاننا توفير الاحتياجات الأساسية للطلاب". يقول مرزاح هاشم، نائب مدير دار رعاية الأيتام بصنعاء. ويضيف: "حتى الداعمون السابقون للدار لم يعد لهم وجود بسبب هذه الحرب، فالوضع المادي في البلاد أثّر على الجميع".
ويوضح هاشم، الذي يتولى أيضاً مسؤولية الشؤون النفسية والاجتماعية في الدار: "لم تؤثر الحرب على الطلاب مادياً فقط، بل كان أثرها النفسي أشد وطأة بسبب موقع الدار من بعض المعسكرات والمناطق المستهدفة. الطلاب يشعرون بالخوف الشديد ولا يستطيعون النوم أحياناً، الشعور بالأمان داخل الدار هو ما فقده بعض الطلاب واضطررنا إلى إعادتهم إلى أقربائهم لفترة".
وإلى جانب خدمات التعليم والتغذية والصحة والتأهيل النفسي، توفر الدار "أمهات بديلة" لرعاية الطلبة الصغار.
أشواق محمد، إحدى الأمهات البديلة، تعمل، منذ عام، في الدار براتب شهري زهيد لا يتجاوز 15 ألف ريال (حو إلى 40 دولاراً). وتقوم أشواق برعاية احتياجات الطلاب من تنظيف ومراجعة دروسهم وتربية وتوجيه فهي مقيمة في الدار وتقضي معظم وقتها مع الطلاب.
وعن الصعوبات التي التي تواجهها يومياً، تقول أشواق: "نحن بحاجة إلى التدريب والتأهيل حول طرق التعامل مع الطلاب والأساليب التي ينبغي اتباعها. كما أن الطلاب أيضاً بحاجة للتدريب والتوجيه".
وتضيف: "مع دخول فصل الشتاء نواجه مشاكل مثل التبول اللاإرادي في الليل عند بعض الطلاب لأن المبنى بارد جداً، إضافة إلى نزلات البرد وغيرها من الأمراض".
ولم يعد الراتب الزهيد الذي تتقاضاه أشواق محفزاً لاستمرارها في العمل، لكنها تشعر أنها باتت أمّاً للطلاب، وتناشد "الجميع التعاون مع هؤلاء الأطفال لإعادة الحياة لمن فقدوا معناها بفقد والديهم".
ولم يكن الوضع الصحي أفضل حالاً في الدار، فالغبار سيد رفوف الصيدلية التي تحتوي على القليل من الأدوية الأساسية، كما أن أجهزة المختبر متقادمة.
وتعثر عمل الوحدة الصحية بسبب شحّ الأدوية والمستلزمات الأساسية للقيام حتى بالعمليات الجراحية البسيطة، حيث تضطر إدارة الدار أحياناً إلى إسعاف الطلاب للمستشفيات. ويقول العاملون في الوحدة الصحية، إن العديد من الصيدليات وشركات الأدوية والمختبرات التي اعتادت دعم الدار سابقاً امتنعت عن مواصلة ذلك.
ولم يكن اليأس بادياً على أحمد الخزان، مدير عام دار رعاية الأيتام، الذي تحدث عن أمله في المنظمات والجمعيات الخيرية وفاعلي الخير للوقوف مع الدار "في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بشكل عام والدار بشكل خاص"، على حد قوله.
ويكشف أن الدار "تستمر بالحد المعيشي الأدنى منذ ثلاث سنوات؛ وكل اعتمادنا على فاعلي الخير وبعض المنظمات والمبادرات. نحن الآن في فصل الشتاء وغرف الدار كبيرة ومفتوحة ونحتاج إلى بطانيات وملابس شتوية وسخانات وديزل".
ويضيف: "الدار تمر بمعاناة حقيقية حتى في ما يتعلق بتوفير أبسط الاحتياجات. ونحن نحرص على بقاء الدار مفتوحة أمام الأطفال كي لا يكونوا ضحية للتشرد والضياع".