رئيسية
كواليس موسم الحج الماضي: انتهازية وكالات التفويج بمرحلة اللادولة باليمن .. كيف؟
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كتبت تقريراً صحفياً، كشفت فيه المستور عن موسمي الحج الماضيين 1436ه و 1437ه، تناولت فيه تأثير مجريات الأحداث على تفويج الحجاج اليمنيين إلى الأراضي المقدسة، وتأثر أعمال الحج والعمرة نتيجة تدخل القائمين على وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء في اختصاصات ومهام قطاع الحج والعمرة، وعدم النأي بهذه الشعيرة الدينية عن الصراعات الدائرة..
وفي هذا التقرير سأتناول فيه بعضاً من الوقائع والأحداث التي رافقت موسم الحج الماضي 1438ه، رغم إدراكي أن هذا التقرير الصحفي قد يكون سبباً في تأليب المعنيين بشؤون الحج في وزارة الأوقاف ضدي من قبل الهوامير من أصحاب الوكالات ومنعي من المشاركة في أعمال التفويج لموسم الحج القادم، إلا أن ذلك لن يثنيني عن قول الحقيقة وكشف ما اعتمل في كواليس مواسم الحج السابقة منها وما سيعتمل في المواسم اللاحقة، انطلاقاً من تحمل أمانة الكلمة في نقل الحقيقة لا سواها بشفافية ومهنية ومصداقية، وإيماناً بضرورة تفعيل دور السلطة الرابعة لتقويم اعوجاج السلطات الثلاث.
***
البداية كانت من إعلان تدشين موسم الحج 1438ه، وفتح باب التسجيل لليمنيين الراغبين بأداء فريضة الحج، بزيادة 850 ريالاً سعودياً عن رسوم موسم الحج السابق، لتبلغ التكلفة الإجمالية لرسوم حج الموسم الماضي 6650 ريالاً سعودياً.. ومع ذلك لم تلتزم بعض وكالات التفويج بالتسعيرة المحددة، وقاموا بأخذ زيادة على الرسوم المقررة، في مخالفة صريحة وتحدٍ صارخٍ للمعايير والضوابط المعلنة من قبل وزارة الأوقاف والإرشاد، ليجد الحاج اليمني نفسه فريسة سهلة بيد وكالات التفويج، الأمر الذي أغضب وزير الأوقاف والإرشاد وتوعد، حينها، بمحاسبة تلك الوكالات وإعادة المبالغ التي أخذت دون وجه حق للحجاج اليمنيين.
***
ما إن تم الانتهاء من تسجيل اليمنيين الراغبين بأداء فريضة الحج للموسم الماضي، ودنا موعد تفويج الحجاج اليمنيين للأراضي المقدسة، حتى جاءت الموافقة من وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة الشرعية الدكتور/ احمد عطية، لحوالي 35 موظفاً فقط من إجمالي 80 موظفاً، إجمالي الكادر الوظيفي لقطاع الحج والعمرة، وحوالي 12 موظفاً في بقية قطاعات الوزارة، للمشاركة في أعمال التفويج لموسم الحج الماضي.. فبعد أن منع القائمون على وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء موظفي قطاع الحج والعمرة من المشاركة في أعمال التفويج لموسم الحج 1437ه، وقاموا بحجز جوازاتهم.. جاء موسم الحج 1438ه وهم على أتم الإستعداد للسفر إلى الأراضي المقدسة للمشاركة في أعمال التفويج، في مغامرة غير محمودة العواقب، أرغمتهم الظروف المعيشية الصعبة على خوضها.
* * *
الخبرة التي اكتسبها موظفو قطاع الحج والعمرة، خلال مشاركتهم في اللجان الفنية المرافقة لبعثات الحج اليمنية في مواسم الحج السابقة، جعلت وزير الأوقاف احمد عطية يوجه المعنيين باستيعابهم للمشاركة في أعمال التفويج، فتم استيعاب حوالي نصف موظفي قطاع الحج، رغم اعتراض أصحاب وكالات التفويج ومحاولة الضغط على قيادة وزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية بعدم استدعاء أيٍ من موظفي قطاع الحج والعمرة، كي يخلو لهم الجو في إدارة موسم الحج 1438ه بعيداً عن الرقابة الحكومية، كما حصل خلال موسمي حج 1436ه، 1437ه، اللذين تفردوا بأعمال التفويج فيهما، حيث تم نهب نحو مليون ونصف المليون ريال سعودي، موزعة كفوارق مخصصة لتسكين الحجاج في فنادق (العنيبر- الملتزم- برج الفضيلة)، لعدد 507 أسرة بمبلغ وقدره 40924 ألف ريال سعودي، ومثلها 766000 ألف ريال سعودي، فوارق مقاعد النقل بين المشاعر، إضافة إلى عهد نقدية تقدر بعشرة الآلاف بالريال سعودي، ومثلها استمارات الصرف العبثية بمئات الآلاف بالريال السعودي التي تمت في عهد وزير الأوقاف السابق فؤاد عمر بن الشيخ أبوبكر خلال موسم الحج 1437ه، مستغلين معاً مرحلة اللادولة.. ولازال الحلم يراودهم في الاستيلاء على أعمال التفويج بعيداً عن وزارة الأوقاف والإرشاد، كحلمٍ لطالما تمنوا تحقيقه، ولا زالوا يبذلون كل غالٍ ورخيصٍ في سبيل الحصول عليه، مدركين في قرارة أنفسهم أنهم إذا لم يحققوه في هذه المرحلة، مرحلة اللادولة، فلن يحققوه بعد ذلك..
ولا أدل على امتعاض الهوامير في وكالات التفويج من مشاركة موظفي القطاع في إدارة موسم الحج الماضي ضمن اللجان الفنية المتخصصة.. لا أدل على ذلك من امتعاضهم من نجاح اللجنة الإعلامية المرافقة لبعثة الحج اليمنية للموسم الماضي برئاسة صاحب القلب الطيب والوجه البشوش، نبيل شجاع الدين؛ الأمر الذي جعل بعضاً من مراكز النفوذ وأصحاب رؤوس الأموال من مالكي الوكالات يقومون بإنشاء صفحات بأسماء مستعارة، ليهاجموا من خلالها الوزير عطية وطارق القرشي، ثم لينسبوها زوراً وبهتاناً لـ«يونس الشجاع»، خصوصاً بعد فشل بيانهم الذي أصدروه أثناء تصعيد الحجاج اليمنيين لمشعر منى، لوجود قصور في عددٍ من باصات النقل المخصصة لنقل الحجاج بين المشاعر، والتي لم تكن وفقاً للمواصفات المتفق بشأنها بين وزارة الأوقاف والإرشاد والنقابة العامة للسيارات.. الأمر الذي وجدت من خلاله قيادة الإتحاد اليمني للسياحة فرصة سانحة لتأليب الرأي العام على قيادة وزارة الأوقاف، وقاموا بإصدار بيانهم الذي تصدره رئيس الإتحاد اليمني للسياحة حسين الصباحي ، لكنه أخفق إعلامياً، ووصل حد مطالبتهم رئيس الجمهورية بالتدخل، لا لشيء سوى ترجمة للانتهازية الجامحة التي تتملكهم للحصول على قرارٍ جمهوري بسحب صلاحيات وزارة الأوقاف والإرشاد في الرقابة والإشراف على وكالات التفويج، ونقلها للإتحاد اليمني للسياحة.. وعندما لم يفلحوا في ذلك قاموا عقب انتهاء موسم الحج مباشرة بإنشاء تلك الصفحات بأسماء مستعارة لتأليب قيادة وزارة الأوقاف تجاه اللجنة الإعلامية المرافقة لبعثة الحج اليمنية، التي كنت عضواً فيها.
* * *
يخبرني مسؤول العمرة بالاتحاد اليمني للسياحة وصاحب وكالة الملتقى، عبدالرحمن غالب، بتلك الصفحات، فأتفاجأ بأنه تم حظري من الدخول إليها، فأكدت له بأني لست بحاجة للتخفي وراء الأسماء المستعارة في كشف الحقائق وإطلاع الرأي العام على حجم المعاناة التي يلاقيها الحاج اليمني خلال مواسم الحج السابقة منها واللاحقة، ولن أخاف أي كائنٍ كان..
بعدها بحوالي أسبوعين يخبرني بذات الأمر نائب مدير عام الحج والعمرة، عبدالجليل البركاني، وأنهم نجحوا إلى حدٍ ما بايغار صدر الوزير عطية ناحيتي، ليكونوا بذلك قد تمكنوا من التخلص مني كإعلامي يرون أنه يعمل على «تشطين الوكالات»، حسب وصف رئيس قطاع الحج والعمرة بالاتحاد اليمني للسياحة حسين الخولاني في شكواه التي رفعها للوزير عطية، والتي كشفت مدى سخطهم من نجاح اللجنة الإعلامية المرافقة لبعثة الحج اليمنية.. نجاحٌ رأوا بأنه يتعارض جملةً وتفصيلاً مع مساعيهم الرامية للسيطرة على عملية التفويج ونزع صلاحيات وزارة الأوقاف والإرشاد كاملة ونقلها للاتحاد اليمني للسياحة.. ليقصني لاحقاً الوزير عطية من إدارة الإعلام بوزارة الأوقاف التي كلفت بإدارتها عام 2008 أثناء تولي القاضي حمود الهتار منصب وزير الأوقاف والإرشاد.. فبرغم قيامي بتغطية أخبار معاليه ونقل تصريحاته لوسائل الإعلام أولاً بأول منذ لحظة تسلمه زمام الوزارة وأدائه اليمين الدستورية، إلا أن ذلك لم يشفع لي عنده، حيث طلب من مدير مكتبه ووكيله المساعد، طارق القرشي، أن يرشح له شخصاً بدلاً عني، فاتفق طارق القرشي مع أخيه عمر القرشي أن يقوم بتغطية أخبار الوزير عن طريق عبدالرحمن الحمراني، كزميل مقرب من أخيه عمر، يعملان معاً في قناة صنعاء التي يديرها الزميل الدكتور محمد قيزان، وحتى لا يقال بأن طارق القرشي يقصي موظفي الوزارة ويعين أقاربه بدلاً عنهم.. عموماً لم يؤلمني إقصائي من إدارة الإعلام من قبل الحوثيين عقب سيطرتهم على مقاليد وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء، بقدر ما آلمني إقصائي من قبل الطرف المحسوب على الشرعية.
* * *
يطلعني رئيس اللجنة الإعلامية لموسم الحج الماضي، نبيل شجاع الدين، على محادثات ال «واتساب» بينه وبين الوزير عطية وهو- أي نبيل- يطلعه على منشورات وتصريحات قيادات الإتحاد اليمني للسياحة، ووكيل قطاع الحج والعمرة مختار الرباش ومدير عام الحج والعمرة عارف البركاني، عقب القصور الذي حصل في الباصات الخاصة بنقل الحجاج بين المشاعر، والذي اعترفا فيه الرباش والبركاني بالقصور، وطالبهما الوزير بالإعتذار، فلم يعتذرا، ما زاد من حنق الوزير عطية تجاههما.. الأمر الذي انعكس سلباً على علاقة إدارة الإعلام بقيادات وزارة الأوقاف والإرشاد، ممثلة بالوزير والوكلاء.
* * *
كل تلك التباينات بين قيادات وزارة الأوقاف والإرشاد من ناحية، ثم بينها وبين قيادات الإتحاد اليمني للسياحة من ناحية ثانية، وامتعاض الأخيرين من مشاركة موظفي قطاع الحج في اللجان الفنية المتخصصة.. كل تلك التجاذبات دفع الموظفون ثمنها، كما دفعوا ثمنها خلال مواسم الحج الثلاثة السابقة.. فما إن حط الـ47 موظفاً رحالهم في مقر بعثة الحج اليمنية بمكة المكرمة حتى طُلب منهم التوقيع على تعهد بمغادرة مكة المكرمة فور انتهاء أعمال الموسم، غير مبالين بما قد يتعرض له موظفو القطاع من اعتقالات وتعسفات من قبل الحوثيين بصنعاء.. ليجد الموظفون أنفسهم بين مطرقة الحوثيين وسندان الشرعية، وبتوصيف أدق بين بطش الحوثيين وانتهازية وكالات التفويج ومطرقة الشرعية، متقبلين الأمر على مضض ولسان حالهم يردد « فكلما بلغ الأسى بالغتُ في الكتمانِ »..
وفور انتهاء موسم الحج الماضي طُلب من الموظفين المشاركين في أعمال التفويج سرعة مغادرة مكة المكرمة والعودة من حيث أتوا، فما كان منهم إلا أن بدأوا بلملمة أمتعتهم وحزم حقائبهم استعداداً للعودة إلى صنعاء، وعلامات الخوف ترتسم على محياهم من المجهول الذي قد ينتظرهم.. وبدأوا بحمل أمتعتهم إلى الحافلة التي ستقلهم إلى صنعاء وأكفهم على قلوبهم، وكلهم خوفٌ من القادم المتربص بهم بداية من أول نقطة حوثية وحتى وصولهم بين ذويهم وأطفالهم، ليتفاجأوا لاحقاً بحملة اعتقالات تطال أربعة من زملائهم والزج بهم في سجن الأمن السياسي بصنعاء.
***
مطلع هذا الأسبوع تم الإفراج عن الزميل عبدالكريم الشيخ.. لم أتمالك نفسي من الفرح وأنا أقرأ خبر إطلاق سراحه في قروب نقابة موظفي وزارة الأوقاف والإرشاد، تملكني الفرح والحزن في آن، الدموع تنهمر من عيني والسرور يعلو محيايَ.. حمدت الله كثيراً وسألته أن يكون هذا الخبر بشارة خيرٍ لنهاية الآلام والأوجاع على الشعب اليمني.. تخيلوا كيف سيكون حال أولاده وزوجته وأمه وأبيه وهم يرونه أمامهم بعد حوالي 150 يوماً من الاعتقال خلف قضبان سجن الأمن السياسي بصنعاء، وكيف هو حال أمهات وذوي المعتقلين خلف قضبان السجون منذ بداية الأحداث وحتى اليوم.
الزميل عبدالكريم الذي تم الزج به خلف قضبان سجن الأمن السياسي للمرة الثانية، مع الزملاء احمد الحداد وغمدان المعلمي ومحمود عبدالرزاق بعد حملة اعتقالات طالتهم عقب عودتهم من مكة المكرمة؛ ليفرج عن زملائه الثلاثة المعتقلين بعد حوالي شهر من اعتقالهم، فيما ظل هو ضحية للقهر والحرمان نحو نصف عامٍ خلف قضبان سجن الأمن السياسي، بسبب وشاية من مندوب الأمن السياسي بوزارة الأوقاف والإرشاد محمد الغابري وإيعاز من القائمين على قطاع الحج والعمرة بصنعاء عبدالله عامر ويحيى مفتاح، ولسان حال الزميل عبدالكريم يردد:«الظلم باقٍ لن يحطم قيده سجني ولن يودي به قرباني.. أهوى الحياة كريمة لا قيد، لا إرهاب، لا استخفاف بالإنسانِ».
***
مطلع الشهر الماضي عقد القائمون على وزارة الأوقاف بصنعاء اجتماعاً برئاسة نائب وزير الأوقاف في حكومة بن حبتور، وبعد أخذ ورد اتفق المجتمعون على صرف حقوق موظفي قطاع الحج والعمرة الذين شاركوا في أعمال التفويج لموسم الحج الماضي، شريطة ألا يشاركوا في أعمال التفويج لمواسم الحج القادمة وأن يعودوا للدوام في قطاع الحج والعمرة كموظفين عاديين بعد أن تم تعيين بدلاً عنهم في الأقسام والإدارات التي أصبحت أعجاز نخلٍ خاوية بعد أن تم نقل أعمال وصلاحيات قطاع الحج والعمرة في عهد الوزير السابق، فؤاد عمر بن الشيخ ابو بكر بسبب تدخل القائمين على وزارة الأوقاف والإرشاد بصنعاء في أعمال الحج والعمرة.
***
ختاماً: لم يخطر ببال موظفي قطاع الحج والعمرة بوزارة الأوقاف والإرشاد أنه سيأتي اليوم الذي سيلاقون فيه شتى أنواع القهر والاعتقالات، لا لجرمٍ فعلوه سوى أنهم وجدوا أنفسهم يوماً ضمن الكادر الوظيفي لهذا القطاع المرتبط بشعيرة إسلامية، وجهة روادها أطهر بقاع الأرض مكة المكرمة، والتي لم يشأ لها البعض أن تكون بمنأى عن الصراع الدائر.