آراء
المعلم وطيوط وتاريخه
عرفت اليمن - بسبب العزلة - ألواناً من التاريخ الخاص بكل منطقة على حدة، وأحياناً تاريخ مدينة. وهو تقليد معروف في التاريخ العربي القديم: (تاريخ دمشق ) لابن عساكر، و(تاريخ بغداد ) للخطيب البغدادي، و(تاريخ صنعاء) للرازي ، و(المفيد في تاريخ صنعاء وزبيد ) لعمارة، و(تاريخ وصاب ) للحبيشي الوصابي، و(يوميات صنعاء) ليحيى بن الحسين، و(بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد ) لابن الديبع. وإن كان يومها التاريخ لزبيد- في زمن الحافظ ابن الديبع- تاريخ لليمن كلها، كما هو شأن التاريخ لصنعاء.
( تاريخ المعلم وطيوط ) أو كشكوله أو سفينته التاريخية وثيقة تاريخية ومعرفية مهمة. فهو سجل حافل يجمع بين التاريخ للحكم، وللأسر النافذة والعلمية، ويحتل التصوف وكرامات الأولياء والتعلم والتعليم ومشايخ الإقطاع والقضاء والسلطة مكاناً بارزاً، ومساحة واسعة في هذا التاريخ.
يهتم الكتاب أيما اهتمام بالكرامات الواصلِ بعضُها حد الخرافة، كما يحتفي بالأنساب لمختلف مناطق وقرى تهامة وعشائرها وقُبُلها، كما يحتفي بالقرى والجهات وسكانها، والعلائق الأسرية بين هذه العشائر والأسر التي يهتم بفروعها وعروقها وأفرادها.
الكتاب كنز، ووثيقة من أهم وثائق تهامة: مناطق، وأسر، وثروات. كما يهتم المعلم بالصراعات، والمنافسات، ومدى القرب أو البعد من السلطة، وصراعات الفقهاء والصوفية في زبيد، وهي الصراعات التي وثقها الباحث عبد الله الحبشي في كتابه (الصوفية والفقهاء).
بدأ اهتمامي بالكتاب في بداية الستينات. استعرت نسخة أستاذي وأبي الروحي الأستاذ الجليل محمد إبراهيم محمد طاهر، وهو فقيه متعدد الاهتمامات والمواهب، كرس جهده للتدوين والنقل لعشرات المخطوطات والمؤلفات لفقهاء ومؤرخي وصوفية وشعراء تهامة.
حاولت تحقيق المخطوطة، ولكن مشاغل أعاقت مواصلة العمل الذي يحتاج جهداً ووقتاً ومالاً. أتذكر في الثمانينات أني طرقت الباب مع الأستاذ الباحث المجد والمجتهد إبراهيم المقحفي، وقدمت له نسخة شيخنا محمد إبراهيم. ويبدو أنه هو الآخر واجه صعوبة التحقيق. وقد تكون المفردة العامية التهامية قد شكلت عائقاً كبيراً بالنسبة للأستاذ المقحفي.
يعود كتابة التاريخ إلى بداية القرن العاشر، ولكنه يغطي مساحة أوسع تمتد بالأساس إلى الدولة الرسولية، وفي هذه الفترة ازدهر التصوف، وظهر كبار المتصوفة في عموم تهامة: الحكمي، والبجلي، والشيخ إسماعيل الحضرمي، والشيخ علي بن عمر الأهدل، وأبو الغيث بن جميل، و الفقيه إبراهيم بن زكريا (صاحب الشُوَيرا)، والفقيه أحمد بن موسى بن عجيل، وأبو حربة، وأحمد بن علوان، ومحمد بن عمر النهاري، والحشابرة، والمكدشيون أصحاب المضيضا- دير أحمد خليل-.
لا يكتفي وطيوط بالتاريخ للصوفية، وإنما يحتفي بمناطقها وامتداداتها. والمؤلف سرد تاريخي يمزج الفصيح بالعامي، والواقعي بالخرافي، وعلاقة الحكام بالمحكومين، وأصحاب الإقطاعات الشاسعة، وعلاقات الأسر الكبيرة ببعضها، والصراعات فيما بينها، والصراعات مع السلطات المتعاقبة، وظلمها وعدلها .
الفترة الزمنية- القرن السادس وحتى بداية العاشر الهجري- التي يركز عليها المعلم وطيوط بحاجة إلى دراسة وتتبع وتعمق، والكتاب يكشف عن جوانبَ مهمةٍ في هذا الجانب.
قرأته أكثر من مرة، وقد لفت نظري في القراءة الأخيرة الإشارة المتكررة ل «غافق». فهو يحددها- بالأساس- في لعسان، شرقي باجل، شرقي القحرا. وهناك إشارة أخرى إلى الناشرية من مناطق وادي مور شرقي اللحية. وقد نزل الدكتور عبد الكريم الإرياني الذي تعرف على مدرس من غافق، نزل ومعه الأستاذ مطهر الإرياني، والأستاذ إسماعيل الأكوع، وتأكدوا أن غافق شرقي باجل، ولكن المنطقة لم تحدد بصورة أدق.
يبقى الأهم التحية والإشادة بالجهد المشكور الذي قام به الأستاذان: درويش مضوني الأهدل، ومحمد عفيف الأهدل. وإن كان المؤلف (الكنز الدفين) بحاجة إلى الكشف، ودراسة الجوانب العديدة والكاثرة التي يتناولها: المناطق، القرى، والعزل المندثرة أو المتغيرة، الأسماء، العشائر، والأسر أيضاً المنقرضة أو المتبدلة، والمناطق، وطبيعة العلاقة بين الإقطاع والرعية، وبين الحكام والمحكومين، والغزوات المتكررة لبعض أئمة الزيدية، وبالأخص عبد الله بن حمزة الذي يُنسب إليه تهديم أهم مدن تهامة حينها: المهجم، والكدرا وغيرهما.
نتمنى أن يجد جهد هؤلاء الزملاء طريقه للطبع، وأن يُدرس (تاريخ المعلم وطيوط) من جوانبه المختلفة.