تقارير ووثائق

زراعة العنب اليمني تكاد تختفي في أهم معاقلها.. تقرير خاص

زراعة العنب اليمني تكاد تختفي في أهم معاقلها وفقاً لما افاد مزارعون.. تقرير خاص: سارة الخباط


العنب هو ثاني صنف زراعي -بعد البن- من حيث شهرة اليمن بزراعته، قديما وحديثا، لكن في السنوات الأخيرة تشهد زراعة العنب تراجعا مقلقا متأثرة بظروف البلاد السياسية والاقتصادية إلى جانب عوامل أخرى.
يبدأ موسم زراعة العنب في يونيو ويستمر إلى نهاية أكتوبر من كل عام. ويقول لـ"نشوان نيوز"، عبدالله عبدالله الحيي وهو أحد ملاك مزاع العنب في الضاحية الشمالية من صنعاء، ويبلغ من العمر 70 عاما: "أزرع العنب منذ أكثر من 30 سنة، أزرع ثلاثة أنواع الرزاقي والعاصمي والبياض".
في الماضي القريب، كان العم عبدالله يمتلك الكثير من مزارع العنب "أما الآن لم يعد معي سوى أرض واحدة فقط أزرعها"، يقول متحسرا.
قديما، كان العنب ينتج مرتين في السنة، وقد كان من أهم المحاصيل الزراعية، وعرفت اليمن بجودة عنبها.
يقول العم عبدالله: "أول نوع يبدء في النضوج هو العنب البياض. من بداية العام نقوم بحرث الأرض وتسويتها ثم نغرسها ونسقيها ونبقسها أي نقوم بقطع أجزاء زائدة من شرعة العنب".
تنتشر زراعة العنب في المناطق الباردة والمعتدلة من اليمن، مثل بني حشيش وخولان وسنحان وبني الحارث وأرحب وهمدان ووادي ظهر وبعض المناطق في صعده والجوف والبيضاء.
وفقا لبيانات وزارة الزراعة والري في عام 2016 فقد تقلصت المساحة الزراعية للعنب من 13613 هكتارا إلى 11644 هكتارا وانخفض انتاج العنب إلى 130234 طنا فيما كان انتاج العنب 151468 طنا.
وتأثرت زراعة العنب بظروف البلاد وتدهور العملة المحلية مقابل الدولار الأمر الذي ساهم في زيادة تكاليف الانتاج الزراعي بسبب ارتفاع اسعار المشتقات والمبيدات الزراعية.
يقول العم عبدالله: "حاليا أحاول فقط المحافظة على هذه الثمرة المباركة فنحن نساعد انفسنا فقط مع ارتفاع المشتقات والأدوات الزراعية نجد صعوبة كبيرة في تحقيق الربح فالتكاليف اكبر من العائد لا اريد الاتجاه إلى زراعة القات فزراعة العنب ابرك هذه ثمرة مباركة فيها العديد من الفوائد تخفض ضغط الدم والحموضه".

المزارع صالح علي البالغ من العمر 65 عاما، ظل يمارس زراعة أنواع كثيرة من العنب على مدى 30 عاما منها الرازقي والبياض والعاصمي والاسود والقوارير والزيون والسمسمي.
في حديثه مع نشوان نيوز يقول صالح : "كنا نسقي العنب على مياه الغيل التي كانت تنزل من بيت نعم إلى فوق منطقة وادي ظهر. كانت مياه الغيل كثيرة تعادل عشر بمبات (ارتوازات). كنا نزرع منها كل أنواع الحبوب إلى جانب الخضروات والفواكة ولم نكن نشتري من الأسواق سوى السكر والملح وباقي الاشياء كانت من مزروعاتنا".
ويضيف "بعدها جف الغيل فكنا نزرع بالبمبات (من الآبار الجوفية). كان سعر برميل الديزل 100 ريال بعدها كثرت عدد الارتوازات وانسحب علينا الماء، كنا نحفر إلى عمق 30 متر ويظهر الماء أما الآن نحفر إلى عمق 300 متر ولا يظهر لنا شيء".

كنا نبيع العنب، يقول صالح، في مناطق كثيرة بصنعاء؛ في باب القاع وباب السبح، وفي مدن خارج صنعاء مثل باجل والحديدة".
ويتذكر صالح سلات العنب التي كانوا يوزعونها هدايا للأقارب والمعارف خارج صنعاء .
كنا نأكل من خيرات أرضنا. ونصنع من العنب شراب الزبيب الذي يعد من المشروبات اليمنية المشهورة خاصة في شهر رمضان حيث نقوم بوضع العنب المجفف اي الزبيب في وعاء مملوء بماء مغلي إلى اليوم الثاني ثم نضع القليل من السكر فيه والماء البارد ونشربه".
وتحدث العم صالح عن عملية تجفيف العنب لمدة تصل إلى شهرين من أجل تحويله إلى زبيب "حيث أن الزبيب اليمني البلدي له نكهة مميزة لا يعلى عليه خاصة في فصل الشتاء فهو يزود الجسم بسعرات حرارية تساعده على تحمل البرد".
وأضاف: "بارك الله الربح في سواعد الرجال التي تزرع وتتعب وترجع تحصد أتعابها. مردود زراعة العنب كان كبير جدا وكان يكفينا طوال العام".
لكن هذا الواقع الذي يتذكره العم صالح بنوع من الحنين لم يعد كما كان على الإطلاق. لم يعد لديه ولا مزرعة عنب واستبدله بالقات. حاليا، يقول هذا الرجل الشغوف بمهنته: "الغيل جف وسعر الديزل ارتفع بشكل مخيف والعنب يحتاج إلى ماء كثير وأصبحت عائدات البيع لا تغطى تكاليف الزراعة وقلة الأمطار وتعرضت المزارع للأمراض الزراعية التي تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لمكافحتها".
ويضيف: "لهذا اضطريت إلى الاتجاه إلى زراعة القات ولم أعد امتلك اي مزراعة عنب. شجرة القات تتحمل العطش وتحتاج إلى مرة واحدة لسقايتها بالماء في السنة أما شجرة العنب (رحيمة) تحتاج إلى الري 3 أو 4 مرات. لا تستطيع تحمل العطش".

وقد عبر العم صالح عن أمنيته في أن تتاح له فرصة العودة لزراعة العنب. واستطرد متحدثا بطريقة تنم عن وعي ناضج: "أرضنا ما زالت أرض خصبة مباركة لكن للأسف لا يوجد دعم للمزارعين أبدا. فالدولة لم تتجه إلى الحفاظ على انتاج العنب كموروث زراعي وقيمة وطنية تاريخية منذ عهد مملكة سبأ القديمة. ولا حتى المنظمات ولا الوكالات التي تهتم بالزراعة اتجهت إلى المحافظة على زراعة ثمرة العنب".
ويشير إلى إلى أن الأسباب التي ذكرها وغيرها هي التي دفعت أغلب المزارعين إلى التخلي عن أراضيهم الزراعية في محيط صنعاء وقاموا ببيعها كأراضي سكنية والبعض الاخر اتجه إلى زراعة القات".

زر الذهاب إلى الأعلى