
اعتبرت صحيفة لوموند الفرنسية أن ثمة حاجة ماسة إلى جرعة قوية من التفاؤل للتفكير في إمكانية انتهاء تعقيدات الأزمة السياسية اليمنية في وقت قريب. فاليمن الذي كان يسمى في السابق ب"السعيد"، أصبح في ضوء أزمته الراهنة كتلة من التحديات والمآزق السياسية، زيادة على ماظل يكتنفه من مظاهر صراع أهلي خلال الأشهر الماضية القريبة.
والحال أن اليمن يرزح أصلاً تحت ضغوط قنبلة ديموغرافية موقوتة، حيث إن عدد سكانه يتضاعف كل 15 سنة -قرابة 25 مليون نسمة اليوم- على رغم محدودية موارد البلاد. وهذه الدولة زيادة على كونها واحدة من أفقر دول العالم، فهي أيضاً مبعث لصداع سياسي مزمن.
فبعد أن انتعشت الآمال في المستقبل عندما توحد اليمنان، الشمالي والجنوبي، سنة 1990، عادت الآمال لتذوي لاحقاً بفعل المصاعب المتلاحقة، والتحديات المتكاثفة. فقد ظهرت نزعات انفصالية لدى بعض الأطراف في الجنوب، كما عانى الشطر الشمالي من البلاد، منذ سنة 2004 من أعباء مواجهة جماعات تمرد دينية متطرفة تنشط في أقصى شمال البلاد، قرب الحدود مع السعودية.
وكان الانطباع العام لدى المراقبين هو أن علي عبدالله صالح الممسك بمقاليد السلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود هو وحده من يستطيع ترويض جموح هذه المعادلات المعقدة التي تترنح البلاد على صفيحها الساخن. وزاد الأمور صعوبة تزايد نشاط بعض أكثر الجماعات المتطرفة خطورة، في بعض مناطق البلاد الأخرى، بما في ذلك جناح تنظيم "القاعدة" في الجزيرة العربية. وأكثر من هذا، تقول لوموند، لابد من الاعتراف بأن للرئيس صالح طرفاً أيضاً من المسؤولية في كل واحدة من أزمات البلاد. وهنا يمكن الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى توظيف الجماعات المتطرفة بما فيها "الأفغان العرب" في المواجهة مع الاشتراكيين السابقين في الجنوب، وكذلك تحفيز والتعويل على الشبكات القبلية، وإقحامها في المشهد السياسي، مع معرفة الجميع بأن دولة عصرية لا يمكن أن تصنع بهذه الطريقة. وفي المجمل فإن إخفاقات اليمن هي حاصل جمع أداء النظام.
ومعلوم أن الرئيس صالح يتعالج الآن في السعودية، بعد إصابته في قصف استهدفه، ولاشك أن من الأفضل لمواطنيه أن يقتنع الآن بضرورة التنحي عن السلطة، تقول الصحيفة، هذا مع أن خصومه الأكثر حدة الآن ليسوا هم أيضاً مؤهلين أكثر منه لإخراج البلاد من أزمتها. ومع هذا ليس اليمن أيضاً فاقداً للأمل، فثمة أكثر من ضوء في نهاية النفق. فهذا البلد يعد أحد النماذج القليلة في المنطقة التي صمدت فيها حالة من التعددية السياسية خلال السنوات الماضية، كما يشهد صعوداً واعداً للفئات الشابة من السكان، التي تقود عمليّاً حالة الربيع اليمني الراهنة. وهي من يستحق التشجيع، من قبل المجتمع الدولي ودول الجوار الإقليمي. وفي كل الأحوال فليس هنالك من سيربح إذا هوى اليمن في حالة عنف أو فوضى طليقة، أو تحول إلى صومال أخرى جديدة.





