الدكتوراة للباحثة الرادمي عن تجليات الظواهر الأسلوبية والسردية والدرامية في شعر عبدالعزيز المقالح

الدكتوراة للباحثة الرادمي عن تجليات الظواهر الأسلوبية والسردية والدرامية في شعر عبدالعزيز المقالح

حصلت الباحثة اليمنية ليلى أحمد الرادمي على درجة الدكتوراه بتقدير مُشرِّف جداً مع التوصية بالنشر (وهو أعلى تقدير في المغرب = امتياز) من جامعة سيدي محمد بن عبدالله فاس _ المغرب، عن أطروحتها (تجليات الظواهر الأسلوبية والسردية والدرامية في شعر عبدالعزيز المقالح .. مجموعات: كتاب صنعاء، كتاب القرية، وبلقيس وقصائد لمياه الأحزان.. نماذج) والتي أعدتها تحت إشراف الأستاذ الدكتور يونس لوليدي وهو أستاذ متخصص ومحاضر في مجالات المسرح والسرديات والترجمة والميثولوجيا وتحليل الخطاب والمناهج الحديثة.

وفي بداية المناقشة قدّمت الباحثة عرضاً موجزاً لموضوعها، حيث أوضحت أنها سعت في دراستها إلى الكشف عن الظواهر الأسلوبية والسردية والدرامية وتجلياتها في شعر عبد العزيز المقالح، عبر الممارسة الفعلية للشاعر من حيث توظيفه للتقنيات الحديثة، ومدى تجاوز الأسلوب الذاتي الغنائي إلى الأسلوب السردي والدرامي عبر آليات وأدوات السرد، وكذلك تقنيات النزعة الدرامية من خلال رسم الشخصيات وأسلبة الحوار والتشكيلات الزمانية والمكانية واستدعاء الأساطير والرموز القناعية والتاريخية، واستلهام التراثي والقومي والإنساني لما يخدم النص وفي إطار التداخل والتمازج بين ما هو شعري وما هو سردي.

وقد توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:

أولاً: في مجال الأسلوبية:

1- تميز شعر المقالح في المستوى الصوتي الإيقاعي بالأصالة والمعاصرة المتجددة، حيث تؤكد تجربته الشعرية التي تستمد حضورها المادي الذي تسير خطواته نحو طريق الحداثة الشعرية المنشودة من خلال الإيمان بالجديد والتقدم على خطاه، وفي المقابل الوفاء للتراث وعدم التنكر له انطلاقا من رؤية نقدية مستوعبة للعناصر الجمالية المعاصرة للقصيدة الجديدة.

2- تشكل التفعيلة الأصلية في النص المقالحي الأساس الذي تتوزع من خلاله التفعيلات التامة كما أن الزحافات والعلل كان لها آثرها الواضح في التوزيع العروضي، وقد ساعدت على تنوع التفعيلات مما أدى إلى تمدد طول السطر الشعري حيث مكن الشاعر من التجاوز إلى آفاق أوسع حسب ما يقتضي ذلك الموقف الانفعالي الذي تفرضه الدفقات الشعورية.

3- إن الوعي النقدي لدى المقالح هو الذي يوجهه في البناء التشكيلي العروضي الذي ينم عن وعي باللغة وكيفية الهندسة التشكيلية التي يتطلبها الموقف الانفعالي الذي ينسجم مع الرؤية الشعرية، ويرتبط بدرجة عالية من التوافق مع حركة الإيقاع الناتج عن تدفق النفس الموسيقي.

4- يوحي التشكيل العروضي في نصوص المقالح أنه رغم استفادته من بحور الخليل وتوظيف ذلك مع متطلبات الموقف والرؤية الشعرية إلا أنه يفضل بحوراً بعينها.

5- تهيمن الضمائر خاصة في مجموعتي "كتاب صنعاء" و"كتاب القرية" حيث يشكل ضمير الغائب الحيز الأكبر لأنه يسرد ذكريات ماضية من السيرة الذاتية، كما استخدم الشاعر ضمائر المخطاب في موضوع السيرة الغيرية التي يخصصها للحديث عن شخصيات كان لها أثرها في حياته، ويؤكد الإغراق المتعمد في توزيع الضمائر على إصرار الشاعر على كسر التوقع في النص بالعدول من الغيبة إلى الحضور، ويؤدي إلى ملاحظة بنى متعددة داخل الخطاب الأدبي ويقود مباشرة إلى منطقة (التكرار) بكل احتمالاته الدلالية

6- تهيمن الوظيفة الأسلوبية للاستفهام في معظم نصوص المجموعات الثلاث على نحو يعكس حالة التوتر والقلق المضطرب الذي يكشف الستار عن الحالة النفسية للشاعر التي تبحث عن ملجأ للانعتاق يحرر النفس من كبوات الواقع المأساوي الخانق الذي تعيشه الذات الشاعرة.

7- تنهض الشعرية في نصوص المقالح على التوازي المتحكم في إمكانيات اللغة التي تنزاح عن دلالات المعنى العاري الذي يكشف عن الانكسارات والأزمات المتتالية التي يعاني منها المجتمع، ويتضح من خلال السياق الأسلوبي أن الانزياح يكشف عن رؤية إبداعية تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي والقمع الذي كان يعيشه المجتمع اليمني في فترة ما قبل الثورة.

8- تمثل هندسة البناء الدلالي للعنوان لدى المقالح أهم الآليات التي أسهمت في تحقيق تجاوز السياق الأسلوبي إذ يغدو وحدة تركيبية ودلالية، ف"كتاب صنعاء" عنوان لكل قصيدة فيه لأن القصائد لا عناوين لها، بل منحها الشاعر تسلسلا رقميا وصفه ب "القصائد" وهو نفس النسق الذي سار عليه الشاعر في "كتاب القرية" فالقصائد تحمل أيضا تسلسلا رقميا وصفه باللوحات، ورغم أن المجموعتين تختلفان من حيث فترة الإنتاج والنشر إلا أنهما تبدوان كمجموعة واحدة، بل كأنهما نص ممتد على صفحات هذين الكتابين.

ثانياً: في مجال السرد:

1- إن قصيدة التفعيلة مهما توغلت في السرد واعتمدت مكوناتها على الحكاية أو القصة تظل شعرية وإن اعتمدت مفرداتها البنائية والدلالية مفردات القصة كاملة بكل أحداثها وحوارها الداخلي، إلا أن إيقاعها الشعري يؤكد انتماءها إلى الشعر لا إلى السرد. وتبقى القصيدة جنساً أدبياً مستقلاً تستعين بمجموعة من خصائص السرد لغايات جمالية وفنية.

2- يكشف تحليل ورصد البنى السردية التي يتكون منها النص المقالحي أن الشاعر يزاوج بين ما هو سردي وما هو شعري، حيث إن تداخل البناء السردي في البناء الشعري، يجعل النص يتحرر من قيود الثبات وينطلق إلى آفاق أوسع لكي يحقق أعلى درجات الإبداع الأدبي، لكن تداخل الشعري في السردي في تجربة المقالح لا يتبنى خطابا سرديا متكاملا ربما يشي ببعض عناصر السرد أو يوحي ببعضها الآخر، لكن عادة ما تكون تلك العناصر متقطعة ومبسطة أي محدودة التفاعل بسبب طبيعة القصد الإيحائي للشعر.

3- يقترب البناء الهيكلي للنص السردي من قصيدة الشعر ويتمكن من الدخول في كثافة الصورة المرئية التي تتمكن من إقناع المتلقي بهيئتها الشكلية من حيث طول السطر الشعري وقصره، وعلى مستوى المضمون يعتمد النص على مختلف أدوات وآليات البناء السردي والقصصي، كما يكشف تعدد وتنوع الضمائر عن الذات الساردة التي تندمج مع الأفعال وتعبر عنها في حالة من التداخل والامتزاج الكلي الذي يصف تسلسل الأحداث داخل حلقات الصراع.

4- تعضد قصيدة النثر خط السيرة الذاتية في مجموعتي "كتاب صنعاء" و"كتاب القرية"، حيث تمثل مظاهر السيرة أهم السمات التي تميز المجموعتين، لكنها تتجلى بوضوح في "كتاب القرية ".

ثالثا: في مجال الدراما

1- يبرز حضور الشخصيات المؤثثة للفضاء الدرامي في مجموعة "كتاب القرية" بشكل أكبر من مجموعتي "كتاب صنعاء" و"بلقيس وقصائد لمياه الأحزان".

2- تجاوز النسق الأسلوبي التعبيري وهي ظاهرة بارزة في شعر المقالح وتتجلى هذه المجاوزة في التجديد والتغيير والسعي بالعمل الأدبي إلى عالم أكثر تحرراً واتساعاً من خلال تجاوز الأسلوب الذاتي الغنائي إلى الأسلوب السردي والدرامي.

3- يعمد المقالح إلى استثمار شخصيات مختلفة في أصولها ومرجعياتها الثقافية، ويميل إلى التنوع الذي يستقي منه الأساطير والأقنعة من عدة مصادر دينية وقومية وتراثية، ويُكثر من استلهام الشخصيات التي تعبر عن المعاناة الوطنية والجماعية حيث تؤكد رموزه القناعية أن الهاجس الوطني يسيطر عليه عند بناء أقنعته، وتحظى الشخصيات الدينية بنصيب بارز من الحضور، كما يكشف التحليل أن المقالح تستهويه الأقنعة التي توصف مرجعيتها وأصولها بالحزن.

4- المقالح أول شاعر يمني استخدم الأسطورة، أما استخدامه القناع فإنه لا يمثل رغبة في الإفلاتِ من رقابةِ السلطة وحسب، بل إنه يتقمص شخصية القناع ويتماهى معها فيصنع للنص رؤية موضوعية تكتسب سلطة أعلى تتمكن من التعالي على أي رقابة لأنه يفرض سلطة أقوى هي سلطة النص.

5- يؤكد المقالح أن تقنيات الأداء الرمزي تحقق للنص تطوراً في الصياغة اللغوية على مستوى التركيب البنائي والدلالي وهو بذلك يعلل استخدامه للرموز الأسطورية التي تجعل الشاعر ينتزع من عالم الأسطورة قاموسه الشعري، وصوره الفنية.

6- حققت نصوص المقالح تقدماً في النسق التعبيري واقتربت من جوهر الدرامية دون أن تفتقد شفافية الشعر وشحناته الوجدانية العاطفية ورؤيته المثيرة وصياغته الواقعية..

7- يتنوع الحوار في نصوص المقالح بين الخارجي والداخلي الباعث على تدفق الحنين ليرسم ملامح الشخصية المركزية ومعاناتها ومشكلاتها ورصد ذلك المشهد من خلال الأداء والدرامي.

وقد انعقدت اللجنة العلمية للمناقشة في 24 يوليو 2012 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس _ المغرب، حيث تشكلت اللجنة على النحو الآتي:

أ. د محمد بوحمدي رئيساً ومناقشاً

أ. د يونس لوليدي مقرراً (الأستاذ المشرف)

أ. د العياشي السنوني مناقشاً

أ. د محمد أمنصور مناقشاً

أ. د المفضل الكنوني مناقشاً

وقد حضر إعلان النتيجة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأستاذ الدكتور/ عبد الإله بنمليح، وهنأ الباحثة كونها أول باحثة في كليتها تتقدم للمناقشة حسب النظام التعليمي الجديد في المغرب. كما حصلت الباحثة على شهادة تقدير وميدالية التفوُّق من الملحقية الثقافية بسفارتنا في الرباط لنفس المناسبة.