بين الرياض وصنعاء في مكافحة الإرهاب!

تقرير عن التعاون الأمني بين المملكة واليمن نشرته عكاظ في صفحتها الثانية والعشرين يوم الاثنين السابع والعشرين من رمضان المبارك .. يثير الدهشة والتساؤل .. هل لا يزال حتى هذه اللحظة التعاون الأمني بين اليمن والسعودية مثار حديث الإعلام؟! هل لا يزال يمثل الزاوية الأهم في التقارير الإعلامية المهمة حول العلاقات الثنائية بين بلدين متشابكين ومتجاورين يشكل كل منهما العمق الاستراتيجي للآخر!!

هل لا زلنا نتحدث عن التعاون أم نعمل به ونتوغل فيه ونطبقه بكل حذافيره وبكل ما تبتغيه المصلحة في الحرب ضد الإرهاب اللعين! فالحقيقة الأكيدة أن الحرب ضد الإرهاب وفظاعة وبشاعة وجرم الإرهابيين لا تقوم على الأسلحة مهما كانت مطورة وحديثة لأن المواجهة الميدانية ليست بين مدفع وصاروخ أو قنبلة وطائرة أو جيش في مقابل جيش! المواجهة مع دود الأرض .. وسكان الكهوف .. وحملة الأحزمة الناسفة والمختبئين داخل العباءات النسائية والمتوارين في جحورهم عن الأنظار.. والمتربصين بالشارع العام في صورة البراءة والجهاد وجمع المال للفقراء والمساكين.. الحرب ضد أشرار في لباس أخيار! وأوغاد تحت قناع الأجواد من الناس!!

ومع هؤلاء الناخرين كالسوس في العظم لايكون زاد المواجهة السلاح بل زادها المعلومة والمعلومات الوفيرة عن نشاطهم، تحركاتهم، أقبيتهم، كهوفهم، وجوههم عن كل شيء وأي شيء يدل عليهم ويشير إلى مخابئهم المدسوسة بيننا!! فهم جبناء لا يحملون السلاح وجها لوجه إنما يحملون في جنباتهم الغدر والخسة والدناءة والهروب الخائف من المواجهة وجها لوجه! فإذا لم تكن المعلومة والمعلومات السلاح لن ينفع أي سلاح آخر! لذا شدني الحديث عن التعاون الأمني الضروري فهو لا غنى عنه ولا نقاش فيه ولاجدال حوله ..

ومن أراد الانتصار في المعركة ينظر إلى أساليب العدو .. وليس إلى ما يحلم به في مواجهة العدو!! وإذا كنا نحلم أن نكون المنتصرين فلقد حقق الجهاز الأمني هذا الحلم منذ أن تحول دوره من الدفاع إلى الهجوم! ومن الانتظار إلى الاستباق! ومن التأهب والاستعداد إلى الخوض والنزال! ولم يحدث هذا عبثا إنه نضوج التجربة السعودية مع الإرهاب وفي مواجهته ونتائج ما اكتسبه الجهاز الأمني من خبرات أهلته بالخبرة والمعرفة والإلمام للانتصار وأصبح مضرب الأمثال شرقا وغربا!!..

وإذا كان للإرهاب حسنة وحيدة فهي أنه جعلنا نرى قدرات وكفاءات وجهود الأمن السعودي في الميدان، فإن كانت شراسته ضارة فهي نافعة من وجهها الآخر يوم أن صارت المواجهة حتمية عرفنا قوة الأمن الباسل فنحن شعب لم يعتد ولم يألف المواجهات السفلية، دائما كانت حروب التأسيس تبعد عن المهاترات والتصفيات الدموية والدخول إلى الحارات بالجثث المغدور بها ظلما وعدوانا! غير أن الإرهاب وضعنا أمام مواجهة جديدة فيها عناصر السفالة والغدر والخيانة والكذب والنفاق فلم نعامله بالمثل إنما حاربناه بما يستحقه .. إنها شروط النصر كيف؟

مسؤولون يمنيون شددوا في حديثهم المنشور في «عكاظ» على توفير المعلومات الأمنية عن المطلوبين أمنيا في اليمن، وتزويد المملكة بها أولا بأول، وسرعة تمريرها، باعتبارها العامل الأساسي المهم في التضييق على الإرهابيين وإفشال مخططاتهم الإجرامية قبل وقوعها!.. إنه حديث العقلاء وقت الشده! فإذا كانت الحرب ضد الإرهاب حرب معلومات فإن أول طعنة في خاصرته ستكون في فضح المعلومات عنه! ليس مهما أن يموت منهم واحد الأهم معرفة من وراء هذا الواحد!!. و «اليمن» العزيز يواجه ضغوطا طارئة من كل اتجاه يلعب فيها الإرهاب دوره الخبيث في محاولته تبديل مقره والانتقال به من كهوف أفغانستان إلى كهوف اليمن! المجاورة لأهدافه المبتغاة فهو يستهدف السعودية والخليج ويعتبر اليمن العمق الاستراتيجي لهذه المنطقة، ومن هنا.. باتت الحرب ضده جماعية لاينبغي أن تكون فيها اليمن واقفة وحدها.. أو السعودية وحدها، الجميع يواجهون خطرا واحدا على طريق واحد المسافة بينهم وبين المخربين المفسدين في الأرض!. الجميع يواجهون خطرا واحدا فإذا تعاونوا غلبوه وإذا تفرقوا غلبهم!! إنها الحقيقة لا نفاق فيها ولا تزييف ولا تلميع يغير من وجهها القبيح! إذا تفرقنا غلبنا «بضم الغين وكسر اللام»، وإذا تعاونا غلبنا «بفتح كل الحروف»!

هذا يعني أنه لايزال الزمام في يدنا ولازالت المعلومات عندنا. يبقى علينا سرعة تمريرها ومتابعتها وهي أهم المهام في تحقيق النصر على الإرهاب! عدونا المشترك لايقف في الميدان بسلاحه يشهره في وجوهنا، عدونا المشترك يتوارى عن الأنظار ويعمل بالدسائس ويتنقل من مكان إلى مكان، لذا هي حرب معلومات وليست حرب أسلحة! وتمرير المعلومة في الوقت المناسب أهم من القبض على إرهابي واحد! فالجهات الأمنية التي تخوض معركتها في الميدان تحقق فوزا أكبر إذا كانت مزودة بالمعلومات الوفيرة حول خصمها اللدود الذي لم يظهر في العلن إلا بعد التضييق عليه وسد الأبواب في وجهه!

لقد خاضت السعودية تجربة مريرة مع الإرهاب كان ثمنها أرواح طاهرة أرادت الدفاع عن الأرض فابتليت بدود الأرض! واليمن اليوم تمر كما قلنا بضغوط من كل اتجاه والعلاقة الوطيدة التي تربط بينها وبين السعودية لاتدعوها إلى تمرير المعلومات وتبادلها بل وأيضا تمرير التجارب والاستفادة منها، إنها فرصتها التي قد لاتتكرر في الاستفادة من التجربة الأمنية السعودية التي باتت مضرب المثل في المواجهة ضد الإرهاب، فبعض المعلومات قد لاتكون عند فئة من الأجهزة الأمنية ذات قيمة لكنها عند فئة أخرى قد تكون المفتاح الضروري لدخول غرفة الإرهابيين المظلمة! توافر المعلومات مهما كانت بسيطة أهم ما يمكن أن يؤديه الجهاز الأمني لبلاده! فملاحقة العناصر الإرهابية تضعفها وتعطلها عن مواصلة مشوارها التخريبي. إنه الأمل الشعبي في البلد على أن لايكون الحديث عن التعاون مطلبا بل حقيقة تستمر في مواجهة الخطر الذي ينام في اليمن ويمد يده إلى أبعد منها!.

نشر المقال على حلقتين في عكاظ