
لا أحد ينكر أن ما يكتنزه اليمن من مشاريع إنسانية وطاقات ثقافية خلاقة يظل دوماً في تزايد ونمو وتصاعد نوعي فريد لا يمكن أن يمنحه ما يستحق إلا من يمتلك نواصي صلاحيات الفتح الأعلى لأسقف التأييد والمؤازرة وإيلاء الاهتمام المطلوب.
وكثيراً ما يبتسم المرء ويفرح، عندما يلحظ مبدعاً أو يتعايش مع إبداع ما، لكن سرعان ما يتلاشى الابتسام، ثم يتحول إلى هم وغم ونكد وكدر وحزن وقلق عميق، يفسد حتى التفكير، ويخلط أوراق التأمل، ويعبث بحالة ومصير المستقبل الموعود المنتظر، ويقضي – ربما – على خصوبة وسلامة الأمل في داخل المبدع...!!
فعلى امتداد الوطن العربي الكبير يقبع الألآف من المبدعين المميزين، لكن من ينالون فرص الظهور المشروع المستحق، والتشجيع والدعم والرعاية والعناية، ربما لا يتجاوز عدهم بضع العشرات، ولعل أبرز سبب أدهى وأمر لهذه الانتكاسة المشينة يعود إلى الهوس القاتل المهيمن على عقليات وطموحات ومساحات النوايا المبيتة بليلٍ لدى أهل الاختصاص من مسؤولي أجنحة الثقافة والأدب والإعلام المسيرين المسيسين بفعل فاعل يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف...!!
وفي الاتجاه المعاكس المغاير – تماماً - تتع إلى أصوات أخرى تدعي أن السبب الحقيقي في موت حالات الإبداع في مهودها، يعود إلى نشأة الروح العربية على الاستكانة والتواضع والقناعة، وهيمنة ثقافة نكران الذات كامتداد آخر للإبداع ولو على حساب الإبداع..!!
ولو لم يكن في الأمر إحراج وتوقعات لبروز أفهام خاطئة، فإنه بمقدور كل واحد منا أن يسرد قوائم من المبدعين الذين يطالهم التهميش، وتنخر في هواجسهم جلجلات اليأس والبؤس والتعاسة، رغم أنهم يثبتون يوماً عن يوم أنهم الأقدر والأقوى والأجدر بالبقاء والاحتفاء والتقدير، بحيث يجب إشراكهم ضمن قوائم الاهتمام والصقل والتأهيل الواجب الضروري، لحاجة الوطن إليهم، وحاجتهم إلى الوطن. - وطن الإبداع أقصد -..!!
والمضحك المبكي في الأمر أنك عندما تتكلم مباشرة إلى مسؤول ما عن مفاصل مسؤولياته واختصاصاته وواجباته، تجاه المبدعين – كلاً في مجاله – تجده يتحرج ويتهرب وكأنك شهاب صاعق خر عليه من السماء ليزعزع ومن ثم يفتك براحة باله التي لم يجدها إلا على حساب الغير، رغم أنك تحدثه بدافع الحب والانتماء..!!
وعلى سبيل المثال فإننا ننصدم ونضرب كفاً بكف ونترحم على كل شيء جميل إذا عايشنا حالات الإبداع تتهاوى حالة تلو حالة، خصوصاً فيما نراه من تقاعس (أهل العنية) عن القيام بما ينبغى، حتى صار الإدعاء بالانشغال بما هو أهم، مخرج التصريف الأخير والهروب من مأزق السؤال المتكرر الباحث عن إجابة أدبية وشجاعة، من لسان المسؤول مباشرة، تقتضي حتمية الإيمان بالقضاء والقدر الذي أتى لنا بأشباه المسؤولين، حتى صار التوالد والتزايد والتكاثر الغث هو سلوك الحياة الرسمية الممقوتة في زمن لا يعترف إلا بقوة المال و (الواو)، وتبقى لكل (واو) في مشهدنا الإبداعي (دال) متحركة من مربع إلى آخر، لكنها حتماً ستموت.. ولكل أجل كتاب..!!
• شاعر وإعلامي.




