
في تصريح لقناة العربيّة أفاد الأخ طارق الشامي أن عشرة ملايين من مناصري المؤتمر الشعبي العام تظاهروا في جمعة الإخاء، حسب تسمية السلطة، لتأييد الشرعيّة الدستوريّة، حسب فهم المدافعين عنها.
والسؤال هنا لا يتعلق بالقدرة الإحصائية الهائلة للمؤتمر في تنفيذ مسح سريع لعشرة ملايين من المتظاهرين خلال ساعيتن (بين صلاة الجمعة وموعد التصريح)، ولا بقدرة شوارع العاصمة (التي تستطيع فيها سيارتان متوقفتان في مكان خاطئ عرقلة حركة المرور) على استيعاب هذا العدد من المحتشدين، ولا بطبيعة المتظاهرين سواء كانوا من المؤسسات العسكرية أو الأمنية أو المدنية، ولا بمضمون الخطاب الجماهيري لهذه الحشود التي لم نعد نعلم هل تريد بقاء الرئيس أم بقاء الوطن، ولكنه سؤال ديموغرافي برئ عن عدد سكان اليمن؟
بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2004 (وهو تقرير رسمي لم يقم بإعداده شباب التغيير) فإن عدد سكان اليمن في ذلك التاريخ 19.721.643، مع معدّل نمو سنوي يبلغ 3.02%، أي وبالإسقاطات السكانيّة المعتمدة رسميا كذلك فإن عدد سكان اليمن اليوم 24.288.121، منهم 48% دون سن الثامنة عشرة، أي لا يحق لهم دستوريّاً التصويت في قرار البقاء أو الرحيل.
وبالتالي فإن من تبقى هم: إثنا عشر مليوناً، نصفهم من النساء .. وبمتابعة الفضائية اليمينة فإن الحضور النُسْوي لم يكن ظاهراً بالمصطلح المليوني للكلمة، أي أن من تبقى هم ستة ملايين رجل في كل اليمن، حضر منهم في ميادين الولاء عشرة ملايين؟! وتدّعون أن المؤتمر لا يصنع المعجزات ناهيكم عن الإنجازات؟
فبافتراض أن كل مواطن في مساحة أرضنا المقدّرة بنصف مليون كيلومتر مربع خرج من داره مؤيّداً، بمن فيهم شباب التغيير الذين تقدّرهم المعارضة بستّة ملايين (مع الثناء على مواهبها الإحصائية كذلك)، فمن أين أتى المؤتمر الشعبي العام ببقية الملايين من المواطنين المطلوبين لاكتمال الاحتساب الصحيح؟
لا شك أن ذلك يعود لتقنيّات استثنائية يمتلكها المؤتمر الشعبي العام بمواهبه الاختزاليّة الرائعة، فإذا كان الحزب الحاكم قد اختزل الوطن في شخص واحد أفلا يستطيع أن يختزل شعبه في ساحة؟
كما أن قدرات الاختزال تطوّرت إلى الاستنساخ فلم تعد النعجة دوللي هي الوحيدة المستنسخة في قائمة القطيع الموالي للراعي كيفما كان المرعى جدباً.
مثيرٌ للتساؤل مشهد السياسة اليوم في ظلّ مزادٍ بشري في سوق نخاسة الأرقام .. فلقد كانت تونس أنضج كثيرا برئيس رحل بعد أن قال لشعبه فهمتكم .. وإن بعد فوات الأوان .. أما في بلادنا فلا يزال الفهم مرحلةً لم تأت بعد.




