
قبل عقدين ونيف، كنت ومعي ثلاثة من الأصدقاء الخُلّص ندرس في المرحلة الثانوية في مدرسة النهضة عاصمة اللواء الأخضر مدينة "إب"؛ مسقط رأسي، وكان شهر رمضان يقبل علينا ونحن في غربة عن أهلنا الذين يعيشون في منطقة تبعد نحو 37كم عن المدينة.
كان أول يوم من رمضان يدلف عتبة مسكننا الشبابي؛ يجعلنا نتساءل: ماذا ستكون وجبة الإفطار والعشاء؟!! فنعد ما نستطيع إعداده من الطعام، ونترقب بشغف لصوت الحاج عبدالله الصهباني الذي اعتاد أن يمر علينا عند الرابعة عصرا في أول يوم من كل رمضان، والابتسامة الحانية تتجلى على محياه، فيقول لفاتح الباب: "أنتم في ضيافتي إلى نهاية الشهر".
عندها يتحول ما كنا قد أعددناه من طعام إلى وجبة مكملة.
ويمر يوم إثر يوم، وسنة بعد سنة، ونحن على هذا الحال، وتحول هذا السلوك إلى عادة يسلكها أغلبية سكان مدينة إب، فنراهم يقفون بعد صلاة المغرب مباشرة يملأون سياراتهم بمن يرغب من الغرباء في تناول الإفطار والعشاء في دورهم.
كنا نخفّف على الحاج علي الصهباني، بأن يتخلف بعضنا عن العشاء عندما نظفر بواحد من أولئك عند باب المسجد الذي نصلي فيه المغرب، وكان يعتب كثيرا علينا، لكنه سرعان ما يقدر ذلك الفعل لما يلمسه من حرج من قبلنا.
أخيرا، أتساءل: هل ما تزال تلك العادة مستمرة في مدينة "إب" كما عهدناها صغارا؟ سؤالي هذا يأتي لأني لم أسكن مدينتي الغالية بعد التحاقي بالتعليم الجامعي وبعده السلك الوظيفي منذ ما يقرب من أكثر من عقد ونصف؟
ثم أقول خاتما: اللهم أجزِ الحاج عبدالله الصهباني عنا خير الجزاء، اللهم كما أطعمنا وسقنا؛ أطعمه واسقه في جنتك من خير ما أعددت لأهلها، وكل من له فضل علينا في حياتنا.
آمين، يا أرحم الراحمين.




