اليمن.. وثبة الحوار وأمال انبلاج الدولة المدنية

 عبد الوهاب العمراني

خمسون عاما ونيف واليمن يبحث عن هويته،حُكّام سادوا وقضوا‎ ‎‏، وآخرون أحياء ‏‏يرزقون... يعبثون في الوقت الضائع، بعد إن عاثوا بمقدرات اليمن لعقود، يتنقلون في ‏الآفاق ‏بحثاً عن الماضي الضائع، ويتغنون على مجد مزعوم، ووهم زائِف، ويصدق ‏عليهم القول :‏

‏(أبك كالنساء ملكاً مُضاعا لم تحافظ عليه مِثل الرّجِالِ) والمقولة المشهورة لأُم آخر ‏ملوك ‏الطوائف في الأندلس الذي أضاع ملكاً وسلم مفتاح غرناطة لخصمه الملك فرنارد ‏وزوجته ‏الملكة ايزابيلا!، في حين هؤلا (الزعماء) يتكلمون نيابة عن قطاعات من ‏شعبهم في الشمال أو ‏الجنوب، بفرض زعامة مزيفة ليس لجلد الذات بل جلد أمآل الأمة ‏في التغيير وجزاء لصبرهم ‏عقود على حماقتهم وعبثهم في مقدرات وطن بأكمله، فقط ‏إرضاءً للكرسي الذليل، ومن اجله ‏فقد استلهموا افكار ميكافيلي ومايزيد عنها، من ‏برجماتية وديماغوجية مفرطة،استندتّ لمبادئ ‏فرق تسد، وسياسة المراضاة، تمجيد ‏القبلية والعصبية، وفساد مطلق دون رادع، رغم انهم ‏يدركون بأنه وفي عالمنا الثالث ‏من اتت به ظروف الفوضى وثقافة العسكر لسدة الحكم وخرج ‏منها سالما فأن عودته ‏يعد ضربا من المستحيل، ناهيك ان تجربة المجرب نوعاً من الحماقة!‏

‏ وبعد ان هبت رياح الربيع العربي على اليمن فقد دخلت وغيرها من بلدان المنطقة ‏معمعة ‏تداعيات ماعرف بثورات الربيع العربي، لعل أشدها إيلاما غموضاً وتعقيداً هو ‏ما يحدث اليوم ‏في بلاد الشام، واختلاط الحابل بالنابل، وتداعيات الضربة الإسرائيلية ‏لهذا البلد والجدل حول ‏ذلك وموقف الجامعة العربية على استحياء..‏

‏ أما أكثر ثورات الربيع العربي جدلا وخلافاً بين أبنائها دون سواها هي القضية اليمنية ‏والتي ‏غدت في عشية وضحاها برعاية ومقدرات غيرها الإقليمي والدولي والذي هو ‏الآخر مثار ‏جدل، فبينما يعتقد البعض بأنه تدخل سافر ابتداء مما يصفونه إملاء مسبق ‏على اليمنيين ‏لبعض تفاصيل حياتهم وأنتها بالطائرات بدون طيار، ولكن كل ذي بصيرة ‏يميل لرأي سواد ‏الشعب التي تسند لواقعية عقلانية في الرؤية بأن ارتهان اليمن للغير ‏الاقليمي والدولي يعُد في ‏مقاييس سياسة العصر الواقعية فضيلة سياسة فلو ترك الأمر ‏لأحفاد قحطان بعد احتقان خمسين ‏عاماً من التقلبات السياسية وسياسة الجهل والتجهيل ‏وثقافة إنصاف الأميين سيفرز حتماً ‏مخرجات نحن في غنى عنها في مجتمع يتفاخر ‏بحمل السلاح ويعتبره نوعا من مكملات ‏الرجولة ...امة تمتلك ضعف نفوسها أسلحة ‏فتاكة تباع فيه في بعض نواحيه و إلى قبل سنوات ‏القنابل إلى جانب الرمان والرصاص ‏ إلى جانب ادوات المطبخ !‏

مجتمع يحمل عادات سيئة ابتداء من عادة مضغ القات التي كلفت اليمن أعباء اجتماعية ‏‏واقتصادية وصحية كُثر الجدل والحديث عنها... مجتمع لازالت عادات الثأر والعصبية ‏القبلية ‏والجهوية هي المسيطرة ليس على عامة الشعب فحسب فهذا شيء طبيعي بل ‏وحتى نُخب من ‏مثقفيه ( الأنتلجسيا) ومن يعول الآخرون عليهم تراهم يتسابقون في الو ‏لاءات الحزبية فكُل ‏حزبٍ بِما لديهم فرحون .. في ظل ليبرالية مزيفة ....او المناطقية ‏والسّلالية ونحو ذلك، وهنا ‏تكمن المأساة!‏

منذ قرن مضى واليمن يعيش ثنائية مُقيته، فكما العراق يعيش منذ قرن مضى ثلاثية ‏الُكُرد ‏والعرب والطائفية المذهبية، شمال ووسط وجنوب، انعكست على دستوره في ‏محاصصة ‏الرئاسة الثلاث المكونة من الثلاثي المُسّخ شيعة وسنة وكرد!، فالتقسيم اما ‏قومي أو مذهبي! ‏وفي ثنائية اليمن شمال وجنوب، إحتلال بريطاني لجنوبه وتركي ‏لشماله، شوافع وزيود، ملكية ‏وجمهورية!، طغيان الحكم المركزي في مواجهات احلام ‏اللامركزية، وأخيرا يعيش نقاشاٌ ‏وحواراً مصيرياً قد يفضي للخروج من الثنائية ‏المصيرية وهى انتهاء حقبة حكم العسكر ‏والولوج للدولة المدنية وسنّ دستور مدروس ‏ومتفق عليه يعكس هموم امة وليس بأيحاء ‏غيرهم كما حدث في دستور (بريمر) ‏العراقي، يُشرع تفاصيل حياتهم المستند لفدارلية متفق ‏عليها، فمتى يجمع اليمنيون في ‏اغلبهم على نهج واحد يتفق عليه والجواب عندما تكون هناك ‏دولة النظام والقانون... ‏فالعدل اساس الحكم .‏

ومن هنا يعول سواد اليمنيين على مخرجات الحوار والتي تسير وحتى اللحظة سيراً ‏حسناً ‏وهى بالفعل فرصة ثمينة لا تقدر بثمن وفي حال نجاح الحوار في الاتفاق ‏لمعالجة اهم قضايا ‏أبناء (السعيدة) المتعددة سيبشر بداهة بإنبلاج الجمهورية الثانية التي ‏تستند للحكم المدني ‏وسيادة القانون لتعيد هيبة الدولة وقوتها وبالتالي سينعكس ذلك بداهةً ‏على كل مخرجاتها، ‏وحينها سيحترمنا الآخرون وسيكون لليمن شأناً آخر بل أن ‏الآخرون سيطلبون ودنا فإصلاح ‏الذات بداية لتقدير الآخرين فكما تكونوا يولى عليكم!‏

وبداهة فأن العبرة ليست بشكل النظام أو مفردات وتفاصيل إدارته إنما العبرة بانعكاس ‏نهجه ‏على حياة المواطن البسيط وكرامته، فكم من أنظمة تتلحف الديمقراطية أو ‏الشعبية في ‏عناوينها وأسمها وهى في حقيقة الأمر لا تحمل من اسمها شيئا وكم من ‏نظاما جمهوريا وهو ‏في جلباب ملكية طاغية غير دستورية، وكذلك الامر بثروات البلد ‏فرب ثروة صارت نقمة ‏على شعبيها كالعراق والأردن فالأخيرة تصنف بأنها خامس ‏دولة في العالم فقيرة بالماء وليس ‏فيها قطرة نفط ويعيش وتصنف بأنها ملكية ولكن ‏شعبها مقارنة بجارتها العراق الذي يسبح ‏فوق بحيرة من النفط ! ويعيش سكان الاردن ‏في العقود الاخيرة على الأقل في حال أفضل، ‏وهو الأمر نفسه بين ليبيا وتونس ‏فالأخيرة أفضل حالا اقتصاديا وثقافيا وصحيا وغير ذلك من ‏مفردات الحياة المرفهة.. ‏وعليه فالعبرة ليست لا بشكل النظام ولا بثرواته، انما في اختياره ‏الطريق والنهج ‏المتفق عليه، ورغم ذلك فاليمن غنية بثرواتها وبرجالها وتاريخها وتراثها، ‏ويكفي ‏اليمن فخراً بأن ثورته لو انتهت بتوافق في حواره بأن ضحاياها لا يتجاوزن ما يفقدة ‏‏ثوار سوريا في يوم واحد !‏

فهل ستكون مخرجات الحوار ما يرسخ مقولة الرسول الأعظم بأن الإيمان يمان ‏والحكمة ‏يمانية!‏