التجريف الطائفي للدولة ومؤسساتها
نبيل حسن الفقيه يكتب حول: التجريف الطائفي للدولة ومؤسساتها
كيف يمكن أن ينظر لعملية إصلاح الخلل في قطاع الخدمة المدنية بعد أن بسطت جماعة الحوثي الانقلابية نفوذها وسيطرتها على كافة مفاصل الدولة؟
وكيف يمكن معالجة الكارثة التي حلت بجهاز الخدمة المدنية جراء عملية الاحلال التي تمت لألاف الموظفين؟
وهل يمكن ان تتم تسوية سياسية يتم معها دمج المجاميع المسلحة ضمن قوام الخدمة العامة؟
جملة من الأسئلة يجب الوقوف أمامها ووضع النقاط على الحروف في ملف يعد من أهم وأخطر الملفات التي تنذر بانهيار أي تسوية سياسية قد تتم لإحلال السلام في اليمن.
عمدت المليشيات الحوثية على تجريف كل مؤسسات الدولة ودمرت الهياكل العامة للمؤسسات، من خلال إصدار قرارات التعيين المخالفة للقانون في جميع مرافق الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، واحلال عناصرها في مختلف المناصب والوظائف الحكومية، ناهيك عن تعيين المشرفين الحوثيين في مختلف المؤسسات الحكومية والمحافظات، لتتحكم تلكم العناصر بكامل مفاصل المؤسسات.
على أن فرض جيش من الموظفين داخل المؤسسات عبر ما يوصف بسياسة “الإحلال” القائمة على استبدال موظفي الدولة بآخرين من المحسوبين على الجماعة والعمل على استقطاب من لا يدينون بالولاء لهم مستغلين العوز الاقتصادي الذي يعاني منه الموظفون قد صاحبته عملية تسريح وفصل منظمة تمت لكل من لا يدين بالولاء الطائفي للمليشيات، علاوة على تغييب اللوائح والأنظمة والقوانين واغراق مختلف أجهزة الدولة بالمحسوبين على جماعة الحوثي، سواء في المؤسسة المدنية أو العسكرية، بالإضافة إلى استحداث قطاعات وإدارات في جُل هيكل الوزارات وإجراء التعيينات في القطاعات والادارات المنشأة والغاء بعض الإدارات القائمة بالمخالفة للقوانين واللوائح النافذ.
لقد شرعت الجماعة الحوثية إلى إقصاء الكوادر القيادية والوسطى غير الموالين لها من كل مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرتها، عقب استيلائها على السلطة، وسعى الحوثيون لتدمير الجهاز الإداري للدولة الذي يعاني في الأساس من اختلالات ما قبل 21 من سبتمبر 2014 ، وعمدوا إلى تغيير واقع المشهد الإداري من خلال عملية التجريف الطائفي للدولة ومؤسساتها، والتلاعب والعبث بقاعدة البيانات واستغلال البصمة البيولوجية الذي توقّف العمل به منذ استيلاء الحوثيين على السلطة وتفجير الحرب، فكان أن تم تنزيل أكثر من 40 الف موظف من موظفي الخدمة المدنية الرسميين واستبدالهم بالمواليين للمليشيات، مما ولد حالة من الحنق المجتمعي على المليشيات، خاصة وأن هذا التجريف قد صاحبه عملية إقصاء وترهيب وتشريد وقتل واعتقال.
يسود اعتقاد خاطئ لدى الحوثيين من أن استمرارهم في المشهد السياسي يحكمه تحكمهم بمختلف أجهزة الدولة، وأن زرع عناصرهم في مختلف مفاصل مؤسسات الدولة يعد الضامن لبقائهم أكبر فترة ممكنة في الحكم ويضمن لهم مكانة في دوائر السلطة في حال تم التوصل في وقت لاحق إلى تسوية وحلٍّ سياسي، ولعمري أن هذا الوهم لن يكون تنفيذه ممكنا أو متاحا خاصة وأن عملية استبدال موظفي الدولة بآخرين من المحسوبين على جماعة الحوثي قد تم وفق أُفق طائفي ضيق لا يستند إلى أية مرجعية قانونية ولا يمكن التسليم به، فقد مثل اختراق وتجريف مؤسسات الدولة كارثة إدارية لن يكون التعافي منها بالأمر الهين فمعظم من يتم تعيينهم يفتقدون للمؤهلات العلمية وإلى الخبرة العملية التي تؤهلهم لإدارة مؤسسات الدولة بشقيها المدني والعسكري.
وللتاريخ أجد أن من الواجب علينا كذلك أن لا نغفل ما صاحب عملية استعادة الشرعية من اختلالات في التعيين والتجاوزات التي تمت هنا وهناك، وأن نقف أمام هذا الملف بكل جدية وأن نضع ملامح لمعالجة الاختلال الذي تم في الجهاز الإداري للدولة، حيث سَيُشرع في حصر كل قرارات التعيين في وحدات الخدمة العامة المركزية والمحلية الصادرة خلال الفترة من 2014 وحتى الآن، ومراجعة التعيينات في ضوء شروط شغل الوظائف العامة المنصوص عليها في تشريعات الخدمة المدنية، وتبيان مدى توافقها مع بيانات المعينين ووضع التوصيات الكفيلة بتصحيح الاختلالات.
ولعل من الأهمية أن نشير هنا إلى أن أحد التحديات في هذا الملف تتمثل في الكيفية التي يمكن معها التعامل مع العبث الحوثي بقطاع الخدمة المدنية ووضع المعالجات الكفيلة بإعادة ترتيب قطاع الخدمة المدنية، لأداء مهامه الأساسية في إدارة مرافق الدولة المدنية والعسكرية، والتعامل مع قضايا التوظيف وفقا لتشريعات الخدمة المدنية بعيداً عن أي تجاذبات سياسية، مع الالتزام بالهيكل الوظيفي المعتمد لمختلف قطاعات الخدمة المدنية، وتطبيق الدستور والقانون على من تم إضافتهم من الموظفين المدنيين من خارج سلطة الدولة الشرعية، وإيجاد دعم سياسي متواصل للحد من تضارب السياسات ذات الصلة بالوظيفة العامة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، وسرعة وضع استراتيجية دقيقة وواضحة لتأهيل وإعادة إدماج المجاميع المسلحة بدلا من إضافة عشرات الآلاف منهم إلى قوائم مرتبات القطاع العام (اذ سيوضع هذا الأمر إن عاجلاً أو آجلاً عند وضع الحل السياسي)، حيث أن تحميل أي معالجات تتصل بالوظيفة العامة ستؤدي إلى مضاعفة التضخم في الكلفة الإجمالية للأجور، والذي من المتوقع أن تتجاوز مخصصاته الـ80٪ من الناتج الإجمالي المحلي.
يجب أن نعترف اننا أمام تحدي كبير وكارثه لا يمكن أن تتجاوزها اليمن بالسهولة التي يتوقعها البعض، خاصة وأن حجم وتكاليف تضخم القطاع العام ما بعد الحرب سيكون كبيرا وكبيرا جداً، وأن عدم الجدية في وضع ملامح الحل من الان سيعيق أي تسوية سياسية، وبالتالي أجد ان دق ناقوس الخطر من أوجب الواجبات، بحيث يوضع هذا الملف أمام صُناع القرار بالشكل الذي يجعل منه أحد اهم الملفات لما له من اثر في الاستقرار المؤسسي من ناحية، ومن ناحية اخرى لما له من اثر في التخفيف من الأعباء المالية على موارد الدولة على المدى الطويل.
نبيل حسن الفقيه
27 مايو 2019م
عناوين ذات صلة: