الحمدي وحركة 13 يونيو: عوامل الجسارة
عادل الأحمدي يكتب: الحمدي وحركة 13 يونيو: عوامل الجسارة
قامت الثورة السبتمبرية 1962، ومعها قامت قيامة الحديث عن حق الشعب وقدرة الشعب وفردانية المواطن وأحقية الكل وأهمية الجميع... بموجب ثورة الـ26 من سبتمبر، يصبح بمقدور أيّ يمنيّ، أياً كان لقبه أو منطقته أو قبيلته أو وضعه المادي، أن يصل إلى أعلى المناصب، وأن يطّلع على أسرار الأمور وأن يصنع مجده ويُعيد سدّه ويستعيد ما اندرس من حضارته، وما غفا من شعوره بالعزة والكرامة والقدرة على الفعل.
يتساقط الشهداء.. تفرض الساعات العصيبة نفسها على كل شخص طَموح أن يكون له دور تلقائي محتشداً فيه ضمن مشروع آسر، ومتفنناً في خدمته بطريقته الخاصة وإبداعه الذاتي.
لم يعد المذياع ذلك الذي يتحدث عن "مولانا الإمام"، يعقبه برنامج عن الألغاز والأحاجي، بل صار يتحدث عن مصطلح جديد اسمه: الشعب، الجمهورية، الثورة، اليمن الجديد، والوعد الأكيد.
هنالك، وفي ظل جو كهذا، عادةً ما يلتقط ذوو النباهة من معاصري تلك الأجواء، الأساليب المواتية للحضور والترقّي، حيث الجدارة الفردية وإظهار موهبة اتخاذ القرار السريع الحازم، وكذا عناصر المباغتة والمبادرة.. أمور من شأنها أن تصنع مستقبل الأفراد المنضوين في معمعة الحاضر وفي معركة الدفاع عنه، لأنه واقع يصب في مصلحتهم ومصلحة غالبية أبناء الشعب، ولأنه أجدى لهم، إذ لا قداسة فيه للأشخاص وإنما للمبادئ والمُثل التي تنفع الناس، كما تترتّب فيه المكانة على قدر التضحية والإيمان بالشعب والإيثار للشعب.
هنالك نوع من الناس يأخذ الشعارات على محمل الجد. خصوصاً حينما يتلقاها في أوج بريقها، وهو في سن اليفوعة التي تكثر فيه نسبة البراءة، ولمّا تتبلور بعد، حظوظ النفس وتكتيكات الوصول والعداوات البلهاء والحسابات الضيقة.
هنالك نوع من الناس يأخذ الشعارات على محمل الجد، وأياً تكن تلك الشعارات، فإن هذا النوع يستفيد ولابد، من إيمانه الواضح بها وتمثله الطبيعي لها. وبالتالي تكثر فرص الاحتياج لمثل هؤلاء الأشخاص في مثل هكذا ظروف. (ثورة وحرب، صمود وإقناع، تمرّس وسياسة، وقصائد وشهداء).
باعتقادي أن الثُلّة التي استلمت الحكم في 13 يونيو 1974، (برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي)، كانت من هذا النوع، إذ أنهم لم يعيشوا في ظل العهد الإمامي مسافة زمنية تغرس بعض هالتها في قلوبهم، كما أن الواقع الدولي آنذاك، كان هو الآخر، عاملاً مساعداً في تبنّي الشعارات بلا خوف، وفي إحراق المسافات بلا هوادة.
منذ الخمسينيات، بدأ التقاطب بين المعسكرين الشرقي والغربي، الاشتراكي والرأسمالي، يأخذ تبلوره الطبيعي ويؤثر على سياق الحياة الدولية. كان بمستطاع العالم الثالث يومها أن يتدلّل، وأن يبوح بما يريد، وأن يحنّ إلى ما يعتقد، فكلا المعسكرين حريص على استقطاب دول العالم الثالث، واستمالتها إن لم يكن بشكل تحالفي فكري وسياسي وعسكري متكامل، فعلى الأقل سياسياً فقط. من هنا أمكن للمشاريع الوطنية والقومية أن تعبّر عن نفسها بصوت عال، وأن تعمل بين الجماهير..
كانوا (الحمدي ورفاقه) في أواخر العشرينات وبداية الثلاثينيات من العمر، ووجدوا أنفسهم يتسلّمون زمام بلد، وبطلب من كبار رجالاته.. وجدوا أنفسهم أمام شحنة مدوّية من الثقة، وتهيّؤٍ ملائم من الشعب، لكي يصنعوا "ما لم تستطعه الأوائل".
. من كتاب "الخيوط المنسية"، 2008، مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام
. الصورة: إبراهيم الحمدي، علي عبدالله صالح، أحمد الغشمي