شعر وأدب

قصيدة الدامغة النشوانية

قصيدة الدامغة النشوانية شعر نشوان بن سعيد الحميري


قصيدة «الحميرية الدامغة» أو ما يعرف ب"الدامغة النشوانية"، لشاعر اليمن الكبير «نشوان بن سعيد بن نشوان الحميري» المتوفي عام 573ه.

يستهل الشاعر قصيدته بمقدمة غزلية غاية في الدهشة والسلاسة والوصف الأنيق ذي الطابع الحداثي الذي لا تشعر بغرابة لفظ أو تعقيد في ثنايا أبياته، حتى يصل إلى تساؤله مع معشوقته عن أسْرِها لقلبه مع أنه لا يُستأسر:

وأسرتِ قلبي بالهوىٰ وملكتِهِ
إنِّي لعَمرُكِ لستُ ب المُستأسَرِ

أوَمَا عَلمتِ بأنَّني من مَعشرٍ
شُمِّ الأُنُوفِ مِن العَديدِ الأكثَرِ

ليدخل بعدها في عالم من الفخر والشموخ والاعتزاز مقدما لتلك التي أسرته، ملفاً تعريفياً وسيرة ذاتية تظل أمامها مشدوهة الحس والمعنى.

وتروي القصيدة ملامح من تاريخ اليمن العظيم الذي حكم الأرض من أدناها إلى أقصاها، وعاشت الشعوب أزهى عصور العدل والسلام والرخاء، لتقتصر هذه الملامح بذكر خلاصة موجزة سريعة تختصر حقب ومراحل تاريخ اليمنيين وحضارة «حمير».

ولأن الشاعر جاء في فترة مظلمة لم تزل تبعاتها مستمرة إلى اليوم، رغم كونها دخيلة طارئة على اليمن واليمنيين، كان فيها بنو الرسي يحاولون تهميش اليمني وفكره وأرضه، ويستعلون بعرقهم على باقي المجتمع الذي انطلقوا يفرخونه ويقسمونه إلى فئات وجماعات، فكان نشوان المفكر والمؤرخ والشاعر والفيلسوف لكل تلك الأفكار الدخيلة بالمرصاد، وجنّد حبره وفكره لمواجهة آلة التمييز والتفرقة العنصرية.

ويمثل نشوان امتدادا لسلفه «أبي محمد الحسن الهمداني» صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» المرجع الأهم لجميع مؤرخي وعلماء التاريخ حتى يومنا، وسلسلة «الإكليل» عن ملوك وكنوز «سبأ وحمير» التي لم يُعثر إلا على أربعة أجزاء منها، وغُيّبت أو أتلفت الأجزاء الستة المتبقية، تماما كما هي الحال مع كتب ومؤلفات «نشوان الحميري» التي لا نكاد نجدها إلا في كتب «الهاشميين» الذين عاصروه وخلفوه بحقب ومراحل زمنية، وكانوا يستندون في معظم ما يقدمونه إلى كتب «نشوان» التي كانت بحوزتهم وبحوزتهم فقط:

الْحِمْيَرِيَّةُ الْدَّاْمِغَةُ

نشوان بن سعيد الحميري

1- ليس المُحِبُّ عن الحبيب بمُقصِرِ
كلا ولا هو في الهوى بمُقَصِّرِ

2- صبٌّ تكاثفت الهمومُ بقلبه
يطوي الضميرَ على اكتئابٍ مُضْمَرِ

3- وَمُلِّمِ طيفٍ بَعْدَ وَهْنٍ زارني
والصبحُ في جلبابه لم يُسْفِرِ

4- كيف اهتدى وَصْلا على بعدِ النوى
وركوبِ أخطارٍ ومَرْتٍ مُقْفِرِ

5- حَيَّا فأحيا موتَ شوقي والجوى
وأماتَ حُسْنَ تَجَلدِي وَتَصَبُّري

6- كُحِلَت جفوني بالسهادِ وللملا
حولي عيونٌ في الدجى لم تسهرِ

7- ليس الخليُّ من الأنامِ كذي الشجا
كلا ولا المُعْفَى كمثلِ المُوقَرِ

8- رَعْياً لأيامِ الوصالِ فإنها
زمنُ الحياةِ وعمرُ كلِّ مُعَمَّرِ

9- وبشادنٍ يهوى أَغَنَّ مُهَفْهَفٍ
يسبي الفؤادَ بلحظِ طرفٍ أحورِ

10- خَرَّتْ له تلكَ النواظرُ سُجَّداً
خَجَلاً لهيبته وحسنِ المنظرِ

11- يحكي قضيباً في كثيبٍ قَدُّه
شَحْبُ المُوَشَّحِ غَثُّ ما في المِئزرِ

12- يَفْتَرُّ عن زهر الأقاحِ بريقه
فيها المذانبُ عن جَنِيٍّ مُمْطَرِ

13- أَظِبَاءَ نجدٍ هل شعرتِ بكلِّ ما
غادَرْنَ في الأحشاءِ أم لم تشعري

14- صَيَّرْتِ ما بين الجوانحِ مُتْلِفِي
مَلآن من جَمْرِ الغضا المُتَسَعِّرِ

15- وَأَسَرْتِ قلبي بالهوى وَمَلَكْتِهِ
إني لَعَمْرُكِ لستُ بالمستأسر

16- أَوَمَا علمتِ بأنني من معشرٍ
شمُّ الأنوفِ من العديدِ الأكثرِ

17- قومي الذين تملكوا وتمكنوا
في الأرض قبل تملك الإسكندرِ

18- الخاتمون لسد يأجوج الذي
لا يُسْتَطَاعُ لِرَدْمِهِ من مُظْهِرِ

19- والفاتحونَ لكلِّ ثغرٍ مُبْهَمٍ
غَلَقٍ على من رامه مُتَعَسِّرِ

20- والمالكون الأرض عن أقطارها
والداخلو الظلماتِ بَعْدَ النَّيِّرِ

21- والمائلون على هِرَقْلٍ بالقنا
في الرَوْعِ والمُسْتَأسِرُونَ لِيَعْبُرِ

22- والغالبون لِهُرْمُزٍ وَقَبِيلِهِ
والمالكون ملوكَ آلِ الأصفرِ

23- والطاعنون إذا الرماحُ تَشَاجَرَتْ
ثُغَرَ الفوارسِ تَحْتَ ظِلِّ العِثيَرِ

24- والضاربون الهامَ في يوم الوغى
بَيْنَ الصوارم والقنا المتكسر

25- والناصبون بكلِّ رِيعٍ آيةً
فيها اعتبارُ العاقلِ المتفكرِ

26- والناحتون من الجبال مصانعاً
والباطشون بقدرةٍ وَتَجَبُّرِ

27- والكاتبون بكلِّ ثغْرٍ مُسْنَداً
بَعْدَ الفتوح تراه عينُ المبصر

28- بالسَّغْدِ منه وبابِ مروٍ شاهدٌ
أيضاً ووادي الرملِ لم يَتَغَيَّرِ

29- كَمْ كَمْ لِحِمْيَرَ كَمْ وَكَمْ مِنْ مَفْخَرِ
باقٍ إلى ميعادِ يومِ المحشرِ

30- هُمْ دَوَّخُوا الآفاقَ حتى ذللوا
عِزَّ العزيز ونخوةَ المتكبرِ

31- واستفتحوا مُدُنَ البلادِ جميعَهَا
بالمشرفيةِ والجيادِ الضُّمَّرِ

32- وَبَنَوْا سَمَرْقَنْداً وإفريقية
أيضاً وَتُبَّتَ في قديم الأعصرِ

33- ولهم بأرض الهند ثَمَّ مآثرٌ
معروفة من عهدهم لم تنكرِ

34- ولطالما حَمَلَ الخراجَ إليهمُ
أجدادُ كسرى في القديم وقيصرِ

35- ولطالما

عادل الأحمدي, [14.08.20 21:07]
وَطِئَتْ سنابكُ خيلِهِم
بالصينِ كلَّ مُمَنَّعٍ لم يُقهَرِ

36- وَأَتتْ إليهم بالإتاوةِ عن يَدٍ
سكانُ غَانَةَ والعراقِ وبربرِ

37- وَجَرَتْ بنافذِ حُكْمِهِم أقلامُهم
فيها على المأمور والمتأمرِ

38- واستنفرتهم أمُّ عمرو بعدما
ظُلِمَت بأرض الترك إذ لم تُنصَر

39- قصدوا لظالمها وَلَمَّا يُنْجِهِ
منهم تجاوزُهُ لسبعةِ أبْحُرِ

40- وغزا أبو كَرِبٍ له في عسكر
ملأ البسيطةَ يا له من عسكرِ

41- نَحْنُ الملوكُ الأولون جميعُنا
نُنْمَى إلى جَدٍّ كريمِ العُنْصُرِ

42- مِنَّا التبابعة الثمانونَ الألى
ملكوا البسيطة سَلْ بذلكَ تُخبَرِ

43- من كلِّ مرهوبِ اللقاءِ مُعَصَّبٍ
بالتاجِ غازٍ بالجيوشِ مُظَفَّرِ

44- تعنو الوجوهُ لسيفه ولرمحه
بَعْدَ السجودِ لتاجهِ والمِغْفَر

45- يا رُبَّ مُفْتَخِرٍ ولو لا سَعْيُنَا
وَقِيَامُنَا مَعَ جَدِّهِ لم يَفْخَرِ

46- اِفْخَرْ على من شئتَ إلا حِمْيَراً
فَدَعِ الفَخَارِ لأهله من حِمْيَر

47- قومٌ إذا ما أغْضِبُوا لم يُثنِهِم
عن مُدْخَلَ الظُلُمَاتِ قوةُ مَعْشَر

48- وإذا هُمُ نَهَضُوا لِحَيٍّ أصبَحَتْ
أوطانهم قفرا كَأنْ لم تُعْمَر

49- فَافْخَرْ بقيلِ قُضَاعَة ابْنَةِ حِمْيَرٍ
فيها يُقَوَّمُ كُلُّ خَدٍّ أَصْعَرِ

50- بالصِّيدِ من خولانِها وبنهدِها
وبكربِها وبمهرةٍ والصيعرِ

51- وبوائلٍ والشمِّ من بهرائِها
وتنوخِها وقبيلِها المُتَسَعِّرِ

52- وقبائلٍ أخرى تزيدُ على الحَصَى
منها وتملأ رَقَّ كلِّ مُشَجَّرِ

53- شَهَدَ الرسولُ لها شهادةَ صادقٍ
عندَ التكاثر بالنصيبِ الأوفرِ

54- وَافْخَرْ بكهلانَ الحُمَاةِ ذوي العلا
بملوكِ غسانٍ وآلِ المنذرِ

55- وملوكِ كِنْدَةَ والذرَى من مذحجٍ
وملوكِ همدانٍ تمام المفخرِ

56- وَبِطَيِّئٍ أهلِ المكارم والندى
وسراةِ أنمار ورهطِ الأشعر

57- قومٌ حصونهم السوابقُ والقنا
ولباسهم نسجُ الحرير الأخضرِ

58- لولا صوارمُ يعربٍ ورماحُها
لم تسمعِ الآذانُ صوتَ مُكَبِّرِ

59- بسيوفنا نُصِرَ النبيُّ محمدٌ
في يوم بدرٍ والنضير وخيبرِ

60- ومواقفٍ في غيرها مشهورةٍ
للأزدِ تشهدُ بالفَخَارِ الأكبرِ

61- وبها نما الإسلامُ بعد خمولِهِ
وعلا خطيبُ القومِ فَرْعَ المِنْبَرِ

62- وخِلافَةٌ الخُلفاءِ نحن عمادُها
فَمَتَى نَهِمَّ بعزل والٍ نَقْدِرِ

63- ما زالَ منا للخلائفِ ناصرٌ
أو قائلٌ بالكفرِ أو لم يَكْفُرِ

64- مثل ِ الأمينِ أو الوليدِ وفتكِنا
بهما ومثلِ ابنِ الزبير القَسْوَرِ

65- وَيَسُوؤُنَا ما كان من جُهَّالِنَا
من قتلِ عثمانٍ ومصرعِ حَيْدَرِ

66- وإذا غَضِبْنَا غَضْبَة ً يمنيةً
قَطَرَتْ صوارمُنَا بموتٍ أحمرِ

67- فَغَدَتْ وِهَادُ الأرض مُتْرَعَة ً دَمَاً
وَغَدَتْ شِبَاعاً جَائِعَاتُ الأنسُرِ

68- وَغَدَا لنا بالقهْر ِ كلُّ قبيلةٍ
خَوَلاً بمعروفٍ تَدِينُ ومُنْكَرِ

69- وَإنَاخَةُ الضِّيفانِ فرضٌ عندنا
يلقى بها الولدانُ كلَّ ميسرِ

70- وكرامة ُ الجيرانِ فرضٌ بيننا
من لم يَقُمْ منها به لم يُعْذرِ

71- عاداتنا بذلُ العطايا والقِرَى
وإغاثةُ الجاني ورفدُ المُعْسِر

72- شِيَمٌ لنا في الدهر لم نُسْبَقْ بها
عُرِفَتْ لأولِنا وللمُتَأخِّر

73- كم آمرٍ منا مطاعٍ في الورى
ومَقامُنَا في الناس غيرُ مُؤَخَّر

74- كم فاتقٍ منا وكم من راتقٍ
كم مُورِد منا وكم من مُصْدِر

75- فَافْخَرْ بقحطانٍ على كلِّ الورى
فالناسُ من صَدَفٍ وهم من جَوْهَرِ

معاني كلمات النص المرجعية:

4- المرت: الأرض الخالية التي لا نبات فيها.
7- المعفى: الذي ليس عنده شيء. الموقر: المليء المثقل.
11- شحب الموشح: مكان الخصر نحيل. غث المئزر: ثقيل الأرداف.
12- المذانب: جمع مذنب وهو المسيل والمجرى.
21 – هرقل: أحد ملوك الروم ورمز التسمية الملكية.
22- هرمز: قائد كبير لجيش كسرى. آل الأصفر: ملوك الروم سموا بذلك لصفرتهم وشقرتهم.
23- تشاجرت: تشابكت. ثغر: جمع ثغرة نقرة النحر التي في الرقبة وفوق الصدر. العثير: غبار المعركة.
25- الريع: الجبل أو المكان المرتفع قال تع إلى (أتبنون بكل ريع آية تعبثون).
26- المصانع: القصور والحصون قال تع إلى (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون).
27- المسند: الكتابة على الصخر.
35- السنابك: حوافر الخيل.
40- أبو كرب: أحد التبابعة.
44- المغفر: الخوذة.
52- رق: ورق أبيض.
54- آل غسان من الأزد ملوك الشام. آل المنذر من بني لخم ملوك العراق.
64- الأمين بن هارون الرشيد قتله طاهر بن الحسين الخزاعي الأزدي بالولاء. الوليد بن يزيد بن عبد الملك قتله عبد السلام اللخمي والسري بن زياد بن أبي كبشة السكسكي، عبدالله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما قتلته قضاعة.

زر الذهاب إلى الأعلى