لهم أول القهوة وآخر المرق وأنت إما رهينة أو دويدار
فتحي منجد يكتب: لهم أول القهوة وآخر المرق وأنت إما رهينة أو دويدار
نحب سبتمبر لأنه الشهر الذي عادت فيه الهوية اليمنية التي سلبها الإماميون وحولوا اليمن إلى إقطاعية خاصة للسلالة المقيتة لعقود من الزمن، قضوا خلالها على كل القيم النبيلة والعادات الأصيلة التي تميز بها اليمنيون، وقاموا بتجريفها، ثم صبغوا الحياة الاجتماعية والدينية بالتقديس لذواتهم أحياء وأمواتا، فمن عاش منهم قبّلت القبائل قدميه وركبتيه ومن مات منهم حولوا قبره إلى مزار يعبد من دون الله.
ولقد عثر على أوراق مقدمة من كبار مشائخ اليمن إلى الطاغية يحيى حميد الدين ختمت بعبارة (خادم تراب نعالكم الشريفة)، حتى صار الناس في عصرهم وكأنهم خلقوا لعبادة "السيد".. إن مرضوا استشفوا به وإن عطشوا استسقوا به، كما أنها لاتقام الأعراس والمآتم والجمع والجماعات والأعياد إلا بوجود السيد وبركات الإمام، وكان لهم صدر المجلس وأول المرق وآخر القهوة وكل منتجات الألبان ومشتقاتها.
وحتى ألفاظ الناس وعباراتهم لا تخلو من ذكر السيد والسلام عليه ومناداته من دون الله (ياعلياه. ياخمستاه. ياهادياه. ياقاسماه). وحتى الظواهر الطبيعية منشأها الإمام؛ فقوس قزح هو سيف علي؛ وست شوال هي ست فاطمة، والشفق الأحمر هو دم الحسين!
وحتى الأسماء، ليس للقبيلي منها إلا أسماء الأثوار والحيوانات بينما لهم شرف الدين وحميد الدين وعز الدين وكل ما أضيف إلى الدين والشريعة..
وإذا أتيت للأنساب فتجد نسب القبيلي ضائعا وربما لا يعرف إلا إلى الجد الرابع بينما أنساب بني هاشم وعمائمهم حوتها المشجرات وكتب الأنساب (حقا وباطلا).. أما كتب السنة والصحاح والمسانيد فليس لها ذكر بل ويعاقب من حاول البحث عنها أو الإطلاع عليها.
وفي جانب آخر كانوا يهينون رموز القبائل وكبارها فكبيرهم "رهينة" لضمان طاعة القبيلة، وصغيرهم "دويدار" يخدم الإمام ونساء الإمام حتى يبلغ الحلم ثم يصبح رهينة أو "عكفي". ولم يكن للقبيلي لديهم أي وزن.
ولعل رسالة الإمام أحمد وتهديده لقبائل الجوف دليل على ذلك فقد ذكر أنه كتب إليهم عندما كان يقوم بعضهم بالتسلل ليلا لأخذ شيء من تبن الإمام لإشباع حيواناتهم فقال عبارته الشهيرة (ياجوف قل لبني نوف الغرارة التبن حق زين العابدين برجّال)..
كما ذُكر أن رجلا طلب الطاغية أحمد شيئا من المال فرفض أن يعطيه فقال القبيلي المسكين :أنا قاتلت معك في كذا وكذا فرد عليه الطاغية على الفور (شاقي بشقاه وحمار بكراه)!
وهكذا كان اليمنيون في فقر وجهل ومرض وذل وإهانة حتى منّ الله عليهم بثورة سبتمبر التي مثلت انعتاقا لليمنيين وكانت بمثابة ثورة إسلامية تعيد اليمنيين إلى الإسلام الحق، وثورة قومية تعيد اليمن إلى حاضنته العربية، وثورة الكرامة والحرية والحياة.
وبعد سبتمبر عرف اليمنيون العالم، وانتشرت المدارس والمعاهد والجامعات، وسقطت قداسة السلالة التي خيمت على اليمن ردحا طويلا من الزمن.
هذا هو سبتمبر المجيد، هذه دماء الأحرار والأبطال، هذا هو الحق والنور والبرهان.
علينا أن نعرف لسبتمبر فضله ولرجال سبتمبر فضلهم، هل عرفتم لماذا أحببنا سبتمبر؟! فكما نحتفل بأول جمعة في رجب بأنها تاريخ دخول الإسلام لليمن فسبتمبر هو التاريخ المجدد لليمن وهويته الوطنية والإسلامية. دمت ياسبتمبر التاريخ يافجر النضال.