أدب الثورة والمقاومة اليمنية.. الفكرة والمفهوم
د. فيصل علي يكتب حول: أدب الثورة والمقاومة اليمنية.. الفكرة والمفهوم
تعرضت اليمن على مدى تاريخها الطويل للكثير من المحن سواء على مستوى الصراعات الداخلية على السلطة، أو على مستوى الصراع الدولي على اليمن -الأمة والموقع الجغرافي- مثلت الصراعات القديمة بين الدول التي حكمت هذه الرقعة الممتدة على كل جنوب الجزيرة العربية الممتدة من الخليج العربي إلى البحر الأحمر عوامل ضعف واحتقان بين أقاليم ومكونات اليمن في العصور القديمة عصور دول معين وسبأ وقتبان وأوسان وحضرموت والتي ألت كلها للدولة الحميرية والتي حكمت من (110 ق.م - 527).
ظهرت تأثيرات الحروب التي سبقت الدولة الحميرية في نهاية هذه الدولة، والتي عاصرت وجود امبراطوريات الفرس والروم المتصارعتين، لم تحتفظ اليمن بقوتها لمواجهة الظروف الجديدة، ولذا تعرضت لغزو الروم والفرس بغرض السيطرة على موقعها الجغرافي الهام.
ومع كلما تعرضت له الأمة اليمنية بعد الصراع الدولي عليها وحتى بعد ظهور الدولة الإسلامية وعصر الاستعمار الحديث استطاعت مكوناتها الاجتماعية خلق أسباب المقاومة، لكن هذه الأسباب تمثلت في تشتت المكونات المجتمعية على القرى المتناثرة في سفوح الجبال والسهول والوديان، وشكلت أسواقاً ومدناً متباعدة، وظلت الكثافة السكانية تعيش في الريف. ومارست المكونات اليمنية الأعمال الاقتصادية والتجارية والزراعية التي مكنتها من البقاء والكمون.
يعد هذا التشتت نوعا من أنواع المقاومة الذاتية التي أبقت اسم اليمن وحافظت به على مكوناتها الاجتماعية والثقافية، لكني أزعم في هذه الورقة أن أدب المقاومة والثورة الموجود فعلياً عند كل مكونات الشعب اليمني في الريف والحضر لم يتم التأصيل له وإفراده بدراسات تليق بفكرة المقاومة اليمنية وبفكرة الثورة اليمنية التي تخلقت منذ أربعينيات القرن الماضي حتى العقدين الأولين من هذا القرن.
نحن هنا نفتح الباب ونخوض غمار فكرة نحتاج إلى استكشافها ودراسة نماذجها عبر أدبنا الحديث والمعاصر مستلهمين بذلك أدب أبي الفتوح الهمداني ونشوان بن سعيد الحميري، ونحن على ثقة أن هذا الأدب الذي حاولنا تخليقه سيعيد تشكيل العقل اليمني لاستنهاض مكامن المقاومة المترسخة فيه، ومع الأيام سنشهد دراسات في هذا الباب تحفظ للأمة اليمنية فكرة وفلسفة وأدب المقاومة والثورة اليمنية، وما الأدب إلا نتاج لفكر المقاومة والثورة اليمنية وهو عامل أساسي للحفاظ على وحدة الهوية اليمنية والتي على أساسها تحافظ الأمة اليمنية على وجودها، وتحافظ القوى اليمنية على وجود الدولة التي تليق بالشعب وفقا لقيم المواطنة التي تتغنى بها دول العالم.
الأدب
الأدب هو أرقى أنواع التعبير البشري المسموع والمكتوب والمقروء، هو لسان الحضارات والأمم، والحاكي الأمين لأحوال الشعوب بطرق مختلفة لكل منها دلالاتها. لقد ارتبط الأدب باللغة فهو صنعة لغوية بامتياز، وتجسيد للسان الأمة كتابةً ونطقاً وتفكيراً، يقول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
يرتبط الأدب ارتباطاً وثيقاً باللغة، فالنتاج الحقيقي للغة المدونة والثقافة المدونة بهذه اللغة يكون محفوظاً ضمن أشكال الأدب وتجلياته.
يرى وليم هازلت أن "أدب أي أمة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أفكارها." ويتنوع الأدب بين الشعر، النثر، القصة والرواية، المسرح، المقال الأدبي، والنقد الأدبي.
فهل الكتابة في كل أنواع الأدب مجرد تسلية وإمتاع ومؤانسة؟ هل هي نوع من الهوس وتفريغ شحنات العواطف والأشجان والأفكار؟ أم أنها إثراء لتصوير الواقع وإنتاج الحلول للمشكلات ونقد الظواهر المجتمعية ومحاولة تبصير المجتمع بالمخاطر المحدقة بلغة راقية بعيدة عن التزمت والتكلف والتصنع والمباشرة الجارحة؟ وهل هي لتحفيز المجتمع الدائم لليقظة وعدم الركون للمسلمات البالية وتحليلاً للحوادث والمشاهد والتجارب والشخصيات، ونقداً للسلطات الحكومية والاجتماعية والدينية التي تحاول صبغ المجتمع بما يناسب مصالحها وتحرفه عن التقدم والتطور والتحديث المستمر؟ أم أن الكتابة في الأدب هي استمرار للإصلاح في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ودعوة دائمة للتغيير والمقاومة والثورة؟
المقاومة
ما المقاومة؟ هي الدفاع عن الحق في الحياة والحب والبقاء والرحيل. دفاع عن إنسانية الإنسان ضد كل ما يمسها، ودفاع عن الكرامة والمواطنة والوجود.
هناك من يظن أنها مجرد ردة فعل ضد اعتداء أو احتلال أو عدو داخلي أو خارجي، ومع أنها تظهر كأنها ردة فعل، لكنها في الحقيقة فعل أصيل ومسألة فطرية، فإذا كان التملك كما يقول علماء النفس مسالة فطرية، فالدفاع عن الحقوق مسألة فطرية أيضاً.
والمقاومة هي ميزان حساس لا يميل تحت أي ظرف، فهي قائمة على تثبيت الحقوق الإنسانية لكل إنسان، وهي بطبيعتها إنسانية عالمية، لكنها متنوعة بحسب تنوع المجتمعات والثقافات.
المثقفون الفرنسيون والألمان دافعوا عن هوياتهم وقومياتهم وعن مفهوم الدولة إبان ظهور العولمة التي تزيح الهويات المجتمعية. ألف الألمانيان هانس وهارالد كتاب "فخ العولمة" لهذا الغرض.
الشيوعيون قاوموا الرأسمالية والرأسماليون قاوموا الشيوعية، وكل عصر أدبي جاء بما لم يأتِ به العصر الذي جاء قبله؛ العصر الرومانسي جاء عقب العصر الكلاسيكي والعصر الواقعي جاء عقب الرومانسي والعصر الحداثي جاء عقب العصر الواقعي، وهذا هو عصر ما بعد الحداثة الذي جاء عقب عصر الحداثة، تدافع فلسفات ومفاهيم ونمو في الفكر الإنساني وتراكم للمعرفة، وكل فلسفة قاومت الأخرى وبررت وجودها. هناك مقاومة المستعمر والمحتل الأجنبي، وهي مقاومة تتخذ العنف المسلح طريقاً لها. هناك المقاومة الاقتصادية والشعبية التي تقاطع العدو وبضائعه. وهناك المقاومة الفكرية وما نتج عنها من آداب والتي حولت الفكرة من جمودها إلى قصص وروايات ومسرح وأفلام ودراما مقاومة، واستخدمت مقاومة الفكر الدخيل بالفكر الأصيل، والأدب المستورد بالأدب المرتبط بالهوية الثقافية للمجتمع.
الأدب المقاوم
ما العلاقة بين الأدب والمقاومة والثورة؟ الأدب ليس نتاجا عشوائيا، لكنه نتاج فكر فلسفي، وإلا لصنع عدداً من المتناقضات، الأحداث اليومية متغيرة وكذلك الآراء التي تتشكل حولها، وهذا لا يسمى فكر بل إشكالية يواجهها الفكر. فمن من أين يأتي الفكر؟ من فلسفة المجتمعات وثقافاتها وتنوعها وواقعها وحاجاتها، ومن ربط ماضيها بحاضرها وتطلعها لمستقبلها. هذه الفلسفة تنتج فكراً مناسباً لهذه المجتمعات، قد يناسب غيرها إلى حد ما وقد لا يناسبها، ولذا كل مجتمع يحتاج فكرة تعبر عنه؛ من فلسفته وحكمته وتراثه وثقافته ومتطلباته الزمنية.
قد يستورد مجتمع ما فكرة ويطورها بما يناسبه، قد يرفضها بعد فترة من تجربتها، لكن الأصل أن لكل بيئة ثقافتها، ولكل مجتمع تطلعاته وثقافته وفلسفته التي تعبر عنه. يتم ذلك من خلال النتاج الأدبي والفكري لنخبه الوطنية المعتزة بقيمها وتراثها وثقافتها والمستمرة في تطوير أدائها وفكرها، وتعبر عن كل ذلك وتجسده بالأعمال الأدبية التي تستوعب عمليات الرفض والمقاومة كدفاعات طبيعية ضد كل ما يهدد قيم الأمة ومكتسباتها وثقافتها وتنوعها.
إذاً العلاقة بين الأدب والمقاومة والثورة علاقة تكاملية، فلا مقاومة ولا ثورة بلا أدب وفكر وفلسفة تصبغ شخصية المقاوم والثائر وإلا فسيتحول إلى مجرد قاطع طريق وانتهازي بحجة أنه رفع السلاح ضد عدو ما، المقاومة ليست إطلاق نيران كثيفة باتجاه العدو فقط، بل سلوك وقيم في السلم والحرب تحكم المقاوم الملتزم بالقضية.
الأدب يصنع الثورة ويفلسفها، والثورة تصنع مقاومة محكومة بفكر، فمن جاء ليقاوم بدون أدب وبلا قيم ثورية وفلسفة واضحة سيتحول إلى مشكلة مع مرور الزمن.
يوماً عن يوم تزداد حاجة أهل اليمن للأدب المقاوم كشعب منكوب وكمشردين ومهجرين. لقد حمل الأدب الفلسطيني القضية الفلسطينية للعالم؛ غسان كنفاني ومحمود درويش وسميح القاسم جسدوا فلسطين بقصائدهم وكل الأدباء الذين جسدوا المأساة الفلسطينية في أعمالهم الأدبية جعلوا قضية فلسطين قضية عالمية، وبرغم كل الدعم الغربي والشرقي لإسرائيل إلا أنها لم تستطع حجب القضية الفلسطينية أو تحجيمها، لذا فالأدب أقوى سلطة وسلاح، وتأثير الحرف أقوى من تأثير الرصاصة، والإيمان بالحق فطرة يجسدها الأدب في واقع الناس.
الأدب اليمني المقاوم
أينما يممت وجهك في كل أرجاء اليمن الكبير ستجد حضوراً وتأثيراً لأدب الثورة والمقاومة، فإبان الاستعمار في شرق وجنوب البلاد كان أدب الثورة والمقاومة حاضراً، قبل انطلاق ثورة 14 أكتوبر وبعدها حتى الاستقلال في 30 نوفمبر.
ويُعدُ رجل التنوير والفكر والصحافة والسياسة والأدب محمد علي لقمان الذي أسس صحيفة فتاة الجزيرة عام 1940 من أبرز أدباء اليمن الذين دعوا للاستقلال عن الاستعمار كما يعد من رجالات ثورة 1948 ضد الرجعية، وهناك العديد من الشعراء أمثال عبد الرحيم سلام القرشي ومحد سعيد جرادة وإدريس حنبلة وعبد الله هادي سبيت وعبده عثمان، ممن ألهبوا حماس الجماهير مقاومة وثورة ضد المستعمر. فمثلاً محمد سعيد جرادة رسم صورة الماضي:
شمسان حدث عن الماضي فأنت له
راوٍ له صدق إسناد وتقرير
بالأمس كان هنا المستعمرون لهم
نظام حكم صفيق الوجه شرير
جاؤوا قراصنة في البحر تدفعهم
أطماع شر نظام امبراطوري
قرن ونيف أظلتنا حكومتهم
في عهد خسف وإذلال وتسخير
ويقول الشاعر عبده عثمان:
ما على ردفان يجري
أن إخواني وأهلي
أذرع تحتضن النور وأرواح تصلي
في طريق الراية الخضراء والشمس الأسيرة
وربيع ذات يوم، كان في شبه الجزيرة
ترضع الدنيا شذاه وعبيره
ولطفي جعفر أمان الذي خلد الاستقلال بقصائده يقول:
وقبلت الشمس سمر الجباه
وقد عقدوا النصر من بعد ثورةْ
ولو عدنا قليلا إلى الخلف لوجدنا القائد الشاعر الشيخ علي بن ناصر القردعي قد أشعل اليمن مقاومة وثورة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وهو بطل الثورة الدستورية في 1948 أردى السلالي العنصري الكهنوتي زعيم سلطة صنعاء آنذاك يحيى متوكل قتيلاً، الرجل الذي عرف مؤامرة الرجعية والاستعمار على تقسيم البلاد بين السيد والنصراني حين قال:
قدهم على شور من صنعاء إلى لندن
متخابرة كلها سيد ونصراني
وأنا أتتبع وأقرأ فيما تركه من شعر شعبي أجد أن كل ما أثر عنه من شعر كان شعر مقاومة وثورة. مهما كانت الكلمات بسيطة إلا أن لها وقعها على الروح والفؤاد:
يا العافية ودعتش الله
والموت حيا به مياتي
من حكم يحيى هو وقومه
قد موتي أفضل من حياتي
لا حياة للثائر بدون كرامة لذا فهو يقاوم مهما بلغت قوة المستبد. قال يوماً وهو ينظر إلى مرتفعات اليمن الشامخة والتي لم يكن يوازيها سوى نفسه التواقة للمجد:
يا ذي الشوامخ ذي بديتِ
ماشي على الشارد مَلامةْ
قولي ليحيى بن محمد
با نلتقي يوم القيامة
ولو شي معي سبعين رامي
لدخل ليحيى في مقامه
وحينما حانت ساعة الثورة لم يحتج سوى بندقيته وزنده.
"الثورة وحدها هي المؤهلة لاستقطاب الموت.. الثورة وحدها هي التي توجه الموت.. وتستخدمه لتشق سبل الحياة" هكذا قال الأديب الصحفي الروائي غسان كنفاني، الذي اغتالته الصهيونية في بيروت 1972. لماذا اغتالته الصهيونية؟ وبالمثل في 31 أغسطس 1965 اغتالت الهاشمية السياسية القائد القاضي والأديب والشاعر محمد محمود الزبيري؟ لماذا يا ترى اغتالته؟ بسبب ثوريته وأدبه الثوري والمقاوم، بسبب جمهوريته وإيمانه بالشعب اليمني.
يقول الزبيري: "هل تعلمون ما ذلك المنغص الأكبر الذي أقض مضاجعكم وخلق شقاءكم؟ هل تعلمون ما الذي يهدم السعادة ويمحو الشخصية ويُفني الأمم؟ هو الذي جعلكم في اضطراب وانزعاج، هو الذي أضاع ماضيكم وحيّركم في حاضركم وسيقضي على مستقبلكم إن لم تنتبهوا له وتقتلوه في مهده، إنه "الجبن" اقهروه وقاوموه، حاربوه في أبنائكم. اقضوا عليه في دخائل أنفسكم تتبّعوا أصوله وجذوره".
من سيساعد الناس في القضاء على الجبن؟ إنه أدب الثورة والمقاومة، أدب الحرية، والوطن، والجمهورية، من سيعيد قراءته وإنتاجه للأجيال غير أهل الأدب والفكر والشعر والفن؟
القائد الأديب الصحفي والسياسي محمد أحمد نعمان أنشأ مطبعة الجماهير التي كانت تطبع فيها أدبيات الأحرار 1956 وتولى مهام الثقافة والإعلام والنشر بالاتحاد اليمني، يشير في مذكراته إلى أنه: "وكما كان للإمامة أشياع يحاربون من أجلها، فلا بد للجمهورية من تنظيم للجماهير ذات المصلحة المباشرة في قيام النظام الجمهوري، لتحمي هذا النظام الذي يحقق أهدافها في الحياة. والتنظيم السياسي للجماهير، بالقيادة اليمنية الواعية، هو السياج الواحد لدوام الجمهورية وازدهارها، وبدون ذلك فإن الجمهورية في اليمن لن تعدو أن تكون كإمارة بني زياد أو بني نجاح، أو غيرهم ممن تعاقبوا على حكم اليمن من غير الأئمة“.
من أين سيأتي هؤلاء الأشياع عشاق الجمهورية والدولة والوطن والهوية والأمة اليمنية؟ سيولدون من هذه الأرض الولادة عبر كلمات الأدباء والشعراء أصحاب القضية حاملي لواء الدولة والجمهورية اليمنية. ولما تعرضت له اليمن منذ وقت مبكر من بلاء الرجعية والاستعمار، فقد اتسم الأدب اليمني بطابع المقاومة كما يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح في كتابه "شعراء من اليمن"، فهل يُهزم مقاوم؟ رداً على هذا السؤال يقول تشي جيفارا: "لست مهزوماً ما دمت تقاوم" وهكذا قاوم الأدب اليمن بالكلمة الصادقة منذ تكالب المصائب عليه، فلم يكن أدباء اليمن بعيدين عن الواقع، بل كانوا قادة ميدانيين لقومهم وقادة رأي وفكر وتنوير.
الحاجة للأدب المقاوم
اليمن اليوم في ظل هذا الوضع المزري بحاجة ماسة للأدب المقاوم، فهناك من يحاول فرض طائفيته على الناس. هناك من يريد فرض عرقيته أو قرويته وجهويته على الناس. هناك من يريد فرض تمزيق الجمهورية اليمنية بسبب مظلمة قبيلته من قِبل نظام أو حاكم. كيف ستتوقف هذه المهزلة التي جعلت الناس ينقسمون ويحتارون خصوصاً مع كل هذه الكوارث التي حلت باليمن والمتنوعة بين انقلابات وصراع متعدد الوجه وتصفية حسابات إقليمية في اليمن، وعالم غير مهتم باليمن وقضيتها؟ لذا يتوجب التعريف بالقضية اليمنية بكل الوسائل والامكانيات المتاحة. فأين هو أدب القضية اليمنية شعراً ونثراَ وقصةً وراويةً ومسرحية ودراما؟ مازال هناك الكثير لإعادة تماسك المجتمع اليمني. فقد فعلت الانقلابات الكثير من الشروخ فيه، فمن سيعمل على لملمة الجروح وإعادة الروح للأمة اليمنية غير الأدب المقاوم الأصيل الذي يجمع الشعب حول يمن الجميع.
مازالت اليمن وقادتها في شتى الميادين المدافعون عن الهوية والجمهورية والأمة وحقوق المواطنة، بحاجة إلى إرساء دعائم أدب المقاومة، لإخراج اليائسين والعاجزين عن التفكير من محنتهم، ووضع الحلول لمختلف المشكلات من وحشة اليأس إلى نعيم اليمن الذي يتوق إليه الجيل ويتخيله القادة.
اليمن بحاجة إلى الكتابة والتأليف وتشجيع النشر، وإلى إنشاء دور نشر يمنية مهتمة بنشر أدب المقاومة الثورة، وهذا يتطلب تدخلاً من رؤوس الأموال اليمنية التواقة لغد أجمل. فالأدباء فقراء والشعراء فقراء والروائيون فقراء.
في تصوري كباحث أن اليمن تحتاج من الكتاب والأدباء والشعراء والروائيين أن يسهموا في إشعال جذوة الأدب الثوري المقاوم. فاليمن على المحك والسهام من كل صوب، عليهم أن يجسدوا اليمن أرضاً وإنساناً. ويكتبوا عن الأدب الثوري المقاوم في كل التجارب الأدبية لكل رواد الأدب اليمني، عليهم أن لا يتهموا أحدا. حتى من لا يشاركونهم الرأي والمقاومة الآن، لأنهم ببساطة سيلتحقون بهم إذا ما شاهدوهم يتمردون على الواقع، حتى الذين ذهبوا اليوم مع هذا الانقلاب أو ذلك، مع هذا الداعي أو ذاك، ليسوا معهم، فقط هي لحظة يأس وحنق من الوضع من أخطاء الشرعية والأحزاب، لا أحد مع أعداء اليمن لا أحد ضد اليمن، يجب أن يكون الجميع على ثقة بكل مواطن يمني وبكل مواطنة يمنية، لا يوجد قلب يخلو من حب اليمن. مظاهر اليوم ستزول. سيذهب الهالكون. سيبقى أدب المقاومة والثورة كتراث عظيم للأجيال. واليمن باقية لشعبها العظيم.
من يقاوم وسط هذه الفوضى والخذلان لا شك أنه مجنون بحب الوطن فطوبى للمجانين، ليس مطلوب من الكتاب والأدباء والشعراء حمل سيوفهم ومنازلة الغزاة، مطلوب منهم خلق المقاومة في كل روح يمنية، عليهم أن لا يمجدوا شخص ولا حزب ولا جهة ولا سلطة ولا طامع خارجي، عليهم فقط أن يمجدوا الروح اليمنية المقاومة، ويستنهضوا المقاومة من كل روح، ليكتبوا عن اليمن؛ الإنسان والفكرة والهوية والحضارة والدولة والأمة والشعب والوطن والشجر والحجر والبن والعسل والقرية والحارة والمدينة.
عليهم أن يخلقوا حالة الرفض لكل هذه الفوضى، فهم الأقدر على صناعة المستقبل المقاوم. عليهم أن صنعوا لهذه الأمة رموزها منهم، نعم رموزها فهم كتائب الرموز وصناع الرموز. ولا يصنع الرمز إلا رمز مثله. ولا مجال أمامهم إلا تمجيد اليمن وأهل اليمن. أما من خالفهم في الرؤية مهما خالفوهم، مهما آذوهم كأفراد وتجاهلوهم كجماعات وأحزاب ومؤسسات وتجاهلوا إبداعاتكم، فلا عليهم من أحد. فحمَلة القضية اليمن يعملون لوجه الله والشعب. لا يهمهم كثرة المعجبين ولا الجماهير ولا الشهرة. وهم يعدون اليوم امتداداً لأرواح أبي الفتوح الهمداني، ونشوان بن سعيد الحميري، والبيحاني ومحمد علي لقمان والنعمان والزبيري ولطفي أمان.
* ملخص ورقة عمل قدمها الدكتور فيصل علي رئيس مركز يمنيون للدراسات في ندوة "أدب الثورة والمقاومة اليمنية" والتي أقامها مركز يمنيون للدراسات ونادي أوسان الأدبي بمناسبة احتفالات شعبنا بذكرى الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر، مساء الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 الرابعة مساءً بتوقيت اليمن، التاسعة مساءً بتوقيت ماليزيا وبثت مباشر عبر منصة ZOOM وصفحة مركز يمنيون للدراسات على الفيسبوك :
والندوة كاملة موجودة على قناة يمنيون على اليوتيوب: