عبدالفتاح البتول: خسره المجتمع بموته ولم يربحه الحزب في حياته
عبده سالم يكتب: بمناسبة أربعينية.. الجانب السياسي في حياة الفقيد عبدالفتاح البتول: خسره المجتمع بموته ولم يربحه الحزب في حياته
المناخ السياسي العام
في عام 82م كانت المنطقة الوسطى والمديريات المتاخمة لمدينة إب قد شهدت حاله من الهدوء من جراء الصراع العسكري بين الجيش والجبهة الوطنية، وكنت حينها في الخدمة العسكرية الإلزامية بعد الثانوية العامة في قيادة لواء إب وتحديداً في مكتب القائد الذي يديره العميد عبدالرحمن العديني حفظه الله ورعاه.
لقد كان ذلك الهدوء بفعل اتفاق وقعه الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد في مدينة تعز، لإغلاق ملف الصراع بين الجيش في الشمال والجبهة المدعومة من الجنوب بشكل نهائي، وبدء المشاورات الجادة على طريق تحقيق الوحدة اليمنية.
في ذلك العام كان قد تم استكمال بناء مدرسة خالد ابن الوليد الإعدادية الثانوية في مدينة إب، وقد تم الاتفاق بين القيادات العسكرية والأمنية والتربوية في المحافظة على أن تستقبل هذه المدرسة دون غيرها من مدارس المحافظة جميع طلاب المحافظة من مختلف المديريات الذين نزحوا إلى الجنوب، وأصبحوا ضمن طلاب مدارس النجمة الحمراء، ومدرسة البدو الرحل، بحيث يتم الاعتناء بهم بشكل خاص، وإعادة صياغتهم فكريا من جديد في إطار التوجهات الوطنية للسلطة في الشمال التي كانت قد أنجزت حوارات مستفيضة واستفتاء شعبي لإطلاق وثيقة الميثاق الوطني، وتأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي أُعلن عنه لاحقا.
وفي إطار ذلك المناخ السياسي العام، أبلغتُ حينها بشكل مفاجئ بأنني أصبحت مديراً لتلك المدرسة لاسيما وأنني قد أكملت خدمة الدفاع الوطني، وبفعل ذلك التعيين أصبحت مديراً للمدرسة وطالبا منتسبا في جامعة صنعاء أعيش بين الطلاب كمدير وطالب جامعي في آن واحد.
البدايات لسياسية للفقيد
في عام 83م، تم افتتاح المدرسة رسمياَ، وتم استقبال الطلاب العائدين من الجنوب كما انتقل إلى المدرسة اعداد من طلاب مدرسة الفاروق الإعدادية ومنهم الطالب عبد الفتاح البتول في الصف الثالث الاعدادي.
كانت المدرسة محل عناية السلطة المحلية بكامل قوامها السياسي والتربوي والأمني؛ حيث كانت تشهد زيارات متكررة من المسؤولين التربويين والأمنين على الدوام، وكنت أجري لقاءات أسبوعية بالطلاب العائدين من الجنوب على شكل ندوات منتظمة يحضرها بعض المسؤولين في المحافظة، ورغم أن الطالب عبدالفتاح البتول كان غير معني بهذه الندوات باعتباره من غير المستهدفين بها، إلا أنه كان يفرض نفسه عليها ويخوض نقاشاتها بجدارة اعتقاداً منه بانها ضمن النشاطات الطلابية الاعتيادية لعموم الطلاب.
لقد كانت فعلاً ندوات معمقة ونقدية للتجربة الاشتراكية، ونظرية الاشتراكية العلمية يتم فيها قراءة مقاطع من كتاب الشيوعية والإنسانية للكاتب عباس محمود العقاد، ثم يعقب هذه القراءات نقاشات فكرية ونقدية ساخنة لمبادئ الاشتراكية العلمية، والاشتراكية الثورية، وتفنيد مفاهيم الجدلية التحليلية القائمة على الجدل والجدل التحليلي المضاد، فضلا عن مناقشة ظاهرة ما يسمى بالإنسلاخات الطبقية، وتكوّن الرأسمالية الطفيلية، وتشكل البلوريتاريا الرثة، وسلطة الفلاحين كنتاج حتمي للثورة ضد الإقطاع، إضافة إلى المواضيع المتصلة بمفاهيم شيوع الملكية، وقواعد الديالكتيك الثلاث، وغير ذلك من المفاهيم في إطار ندوات منتظمة هادفة برز فيها الطالب عبدالفتاح البتول كنجم ثقافي وفكري وسياسي لامع بحكم ثقافته السياسية الواسعة؛ الأمر الذي وجد فيه معلمه ضالته في الاعتماد عليه لتنفيذ تلك المهمة الآنية ضمن مهام التوجه الوطني العام لملء الفراغ السياسي في القطاع الشبابي في تلك المرحلة، والتبشير بإطلاق الميثاق الوطني والمؤتمر الشعبي العام كأداة سياسية وحيدة في شمال الوطن.
في الحركة الطلابية وانطلاق مسيرة المؤتمر الشعبي
في عام 84م، انتقل الطالب عبدالفتاح البتول إلى مدرسة النهضة الثانوية واستمر فيها إلى عام تخرجه من الثانوية العامة عام 87م، وفي هذه الفترة برز كأحد القيادات النقابية الطلابية الماهرة، كما اندمج بشكل كلي ضمن النشاط السياسي العام الذي صاحب إعلان المؤتمر الشعبي العام، وأصبح الفقيد رئيس فريق ضباط التوعية السياسية بمبادئ وأفكار الميثاق الوطني في القطاع الطلابي، وعبر اتحاد طلاب اليمن، وهو النشاط الذي كان يديره الأخ المناضل الأستاذ علي البريد أبرز القيادات السياسية التي أسهمت في تأسيس المؤتمر الشعبي العام، وتحريك برنامج التوعية السياسية بمفاهيم وأفكار الميثاق الوطني من خلال الندوات العامة التي كانت تعقد أسبوعياً في كل يوم خميس لجميع قيادات السلطة المحلية وجميع موظفي إدارات السلطة المحلية المدنية والعسكرية والأمنية، ومجمل القطاعات الطلابية والمرأة اليمنية، ومفوضية الكشافة والمرشدات.
شاب طليعي مجتمعي بامتياز
في الوقت الذي كان فيه الفقيد يمارس نشاطه النقابي في إطار الحركة الطلابية، وكذا نشاطه السياسي في إطار التوعية السياسية بأهداف ومبادئ الميثاق الوطني، والمشاركة الفاعلة بنشاطات المؤتمر الشعبي العام التي انطلقت منذ تأسيسه، فضلاً عن تفاعله الكبير مع شباب الحركة الإسلامية التي كانت مهندس تلك المرحلة، وأهم صناع تحولاتها المرحلية، وصاحبة الدور الكبير في تأسيس المؤتمر الشعبي العام بفعل الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الحركة والنظام السياسي بقيادة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح رحمه الله، فقد كان للفقيد المرحوم كشاب طليعي متقدم نشاطات مصاحبة وعلاقات واسعة مع أطراف سياسية وشخصيات وطنية أخرى قومية ويسارية، وكان يحظى بتقدير واحترام الجميع وعلى الأخص الأستاذ محمد علي الربادي الذي كان الفقيد الراحل لا يفارق مجالسه في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين منذ نعومة اظفاره، إضافة إلى مجالسته للمؤرخ اليمني الكبير القاضي محمد بن يحي الحداد، والشيخ المناضل عبدالعزيز الحبيشي... وغيرهم من القيادات الفكرية والسياسية والاجتماعية في محافظة إب، وهي بلا شك علاقة التلميذ بالأستاذ، وعلاقة الابن بوالده، ولقد كنت أشاهده في هذه المجالس كشخصية شبابية مثقفة ومؤثرة تُنبئ عن مستقبل قادم لرجل مجتمعي مثقف من العيار الثقيل.
مع التجمع اليمني للإصلاح
مع إعلان قيام التعددية السياسية المرافق لإعلان تحقيق الوحدة اليمنية، تم تشكيل اللجنة التحضرية للتجمع اليمني للإصلاح التي ضمت قائمة من المؤسسين الكبار من قيادات الحركة الإسلامية، والرموز الاجتماعية، والمناضلين الأحرار، وبعض التخصصات الاقتصادية والمهنية، والمرأة اليمنية، ورجال المال والأعمال، والمثقفين، وكل الممثلين عن المجتمع بأبعاده الجغرافية وأعماقه الشرائحية، ولقد كان للشاب الفقيد عبدالفتاح البتول دوراً في هذا التأسيس ضمن قائمة الشباب والطلاب، في ظل آمال جميع المثقفين بأن ذلك التنظيم هو تنظيم مجتمعي عريض أكثر مما هو حزب سياسي منغلق على أطره التنظيمية، ورغم بروز التجمع اليمني للإصلاح كتنظيم سياسي مجتمعي فاعل وحزب قائد فقد ظلت ثنائية التنظيم السياسي المجتمعي المفتوح والحزب التنظيمي المحافظ مثار نقاش كبير إلى أن غدت هذه الثنائية جدلية مستدامه في أذهان الكثير من مثقفي وسياسيي الإصلاح، لاسيما تلك الكوكبة الكبيرة من الشباب المثقف، والسياسيين، وأصحاب الرأي الذين قرروا أن يكون لهم حضور في الحزب وهم بكامل قوامهم المجتمعي وتنوعهم الثقافي بحيث يكونوا ممثلين للمجتمع في داخل الحزب، وليس مجرد ممثلين للحزب في أوساط المجتمع، ومن هؤلاء الفقيد عبدالفتاح البتول.
المهام والمسئوليات الحزبية
طيلة فترة حياته السياسية والحزبية في إطار التجمع اليمني للإصلاح إلى لحظة وفاته رحمه الله تبوأ الفقيد الراحل عدة مواقع تنظيمية، فضلا عن المشاركات الفاعلة باسم الحزب ومن أهم ذلك ما يلي:
المشاركة في تأسيس التجمع اليمني للإصلاح كعضو مؤسس في اللجنة التحضيرية حتى انعقاد المؤتمر التأسيسي للتجمع
عضو المؤتمر العام منذ التأسيس
عضو هيئة الشورى المحلية في محافظة اب لمدة دورة انتخابية واحدة
عضو الدائرة السياسية في المكتب التنفيذي بالمحافظة
عضو الدائرة الاجتماعية في الأمانة العامة.
مثل الإصلاح في عدة حوارات سياسية وندوات مفتوحة وغير ذلك من المهام
المرحلية والاجرائية.
كبير في المجتمع وصغير في الحزب
تمكن الفقيد الراحل ومن خلال رمزيته الطليعية، وحنكته السياسة، ومكانته المجتمعية، ومركزه الثقافي، ونشاطه السياسي والحزبي من تسجيل حضور فعلي متقدم للتجمع اليمني الإصلاح على مستوى المجتمع، ومرافقه الحيوية، ومؤسساته الفاعلة، وهيئاته السياسية، في حين لم تسجل المؤسسات القيادية الحزبية أي حضور فاعل للفقيد داخل الحزب، لاسيما وهو متمتع بكامل قوامه الاستراتيجي السياسي والثقافي والمجتمعي كغيره من القيادات السياسية المجتمعية المثقفة التي عادة ما تكون كبيرة في المجتمع وصغيرة في داخل الحزب بفعل وجود بعض السلوكيات القيادية الحزبية الرتيبة، والتقاليد التراتبية، والترسيمات الحارسة، وغير ذلك من القواعد الضابطة والحواجز المصطنعة التي تحد من حضورها، وتشل من فاعليتها، ومثل هذا الوضع لا شك انه يشكل بيئة طاردة لمجمل القيادات المجتمعية، والكفاءات السياسية، والمفردات المثقفة، كما يقلل من عملية استفادة الحزب من إمكانية وقدرات أفراده، ويقلص من دائرة مشاركة الأفراد في صنع القرار ورسم المسار.
الفقيد الراحل عبد الفتاح البتول هو الآخر بحكم تربيته المثالية، وورعه، وزهده، وعفته، وصوفيته النقية، فضل النأي بنفسه عن مسار الترسيم الحزبي، والاحتفاظ بوجوده كرجل مجتمع بكامل قوامه السياسي والثقافي، مع التمسك بمبادئ الحزب وصدق الانتماء والولاء لمؤسساته، وتبني توجهاته، بصرف النظر عن مستوى حضوره ودرجة مشاركته داخل الحزب، وظل على هذا الحال حتى لحظة وفاته رحمه الله باعتباره رجل المجتمع في الحزب، الذي استفاد منه المجتمع ولم يربحه الحزب.
عناوين ذات صلة: