[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
من الأرشيف

من التهاون إلى التهاوي

غائب حواس يكتب: من التهاون إلى التهاوي


العرب بين أحلام الفرس في عودةٍ قريبةٍ لمجدٍ بعيد، وبين أوهام الترك في عودةٍ بعيدةٍ لمجدٍ قريب !

المشهد يبدو أكثر وضوحاً ..

الفراغ الذي أحدثه سقوط أنظمة في الشرق الأوسط يغري الدول ذات الإرث الإمبراطوري بالسباق للخروج من طورها كدولة وعودة التموضع كامبراطورية نفوذ على الأقل بعد أن ولّى عصر الإمبراطوريات الكولونيالية .

هناك الدولُ ذاتُ الإرثِ الإمبراطوريٌّ الدوليّ أو العالمي وهي ما يُسَمّى اليوم بالفاعلين الدوليّين وهي هنا الاكثر و تضمُّ كُلَّاً من :
روسيا فرنسا بريطانيا أميركا ، وإن كانت هاتان الأخيرتان في حالة النفوذ الإمبراطوري إلا أنهما تريان أن إصرار فرنسا وروسيا على العودة والتموضع في الفراغ الذي خلفه سقوط أنظمة عربية يأتي على حساب النفوذ القائم لبريطانيا وأمريكا في الشرق العربي وربما يصادر نصيبهما في نفوذ منتظَر في المناطق والبلدان التي سقطت أنظمتها .

وهناك دولٌ ذات إرثٍ إمبراطوريٍّ إقليميّ هما دولتا إيران الفارسية وتركيا الطورانية العثمانية ، وهاتان الدولتان تريان أنهما أولى بإرث الجثمان العربي لاعتبار عِدّةِ أبعاد لا تتوفر لمنظومة الإمبراطريات الغربية في المنطقة وهي :

1 البُعد الجغرافي الذي يعدّ الأرض العربية مُقتَربات جيوسياسية لتركية وإيران.

2 البُعد التاريخيّ الذي يؤكد نفوذاً قديماً لتركيا العثمانيّة وأقدم منه لإيران الكسروية، وإن كانت دُولٌ غربية كذلك قد تمثلت كوجود تاريخي في إمبراطورية الرومان إلا أن هذا الهاجس لم يعد ماثلاً في المخيال السياسي الأوروبي كما هو في التفكير الفارسي .

3 البُعد الأيديولوجي و يلعب لصالح الفرس والاتراك حيث تزعم إيران بالذات أن منهجيتها إسلامية كما هو اسمها الرسمي ، وهي هنا تحلم بعودة قريبة لمجد بعيد العهد، بعكس الأتراك الذين يحلمون بعودةٍ وإن بعيدة لمجد قريب العهد، ومع اختلاف الدولتين المفترض إسلاميتُهُما في الأجندة حيث تُدشنّ إيران نهجاً شعوبيّاً وطائفياً عُدوانيّاً ضدّ العرب ما يجعل فُرَصَ الأتراك أوفرَ في استقطاب العرب مع ذلك تنتهج تركيا سياسة أكثر براغماتية ، وفي حين تكتفي تركيا إلى الآن بتنفيذ سياستها داخل سيادتها نجد إيران بالعكس من ذلك تُنفِّذُ سياستَها خارج حدود سيادتها .

الخلاصة أن الإمبراطوريات الأربع الدولية والإمبراطوريتين الإثنتين الإقليميتن جميعَها يتنافس ويتصارع اليوم للعودة والتموضع والنفوذ في فراغ الدولة الذي تركته أنظمةٌ عربية بعد 2011م ، ومع ملاحظة أن كل واحدة من هذه الدول تدخل حلبة الصراع بأجندتها الخاصة ومنهجيتها السياسية والعسكرية وفق ستراتيجية مرسومة وتبحث كذلك عن حليف ضمن الدول الأخريات المنافسة روسيا وإيران نموذجاً .

ومن المناسب أن نُذّكِرَ أن مما فتح شهيّة المستعمرين الجُدُد هو تَرَهُّلُ الإمبراطورية الأمريكية والتضارب والتنازع الداخلي لجماعات المصالح والضغط واللوبيات الفاعلة وخدعة الديمقراطيّة التي تُقيّدُ مؤسسة الرئاسة عن اْتّخاذِ قراراتها اللازمة في "اللحظة الحاسمة" ، وهو القيدُ الذي حَطّمَه بوتين في روسيا مُسَفِّهاً بذلك أحلام غورباتشوف في مقولتيه (البيريسترويكا إعادة البناء) و (الغلاسنوست الإنفتاح والشفافية)..

فاستطاع هو بوتين إعادةَ التأسيس لنظرية عودة روسيا القيصرية وهو ما يجري الآن وتراه فرنسا مصدر قلق يأتي على حساب نظرية عودة فرنسا الفرانكفونية، وكذلك يراه الآخرون المعنيّون يأتي على حساب عودة تركيا العثمانية وحتماً سيؤثر على الوضع الراهن لنفوذ بريطانيا وأميركا الإنجلوسكسونيتين.

زر الذهاب إلى الأعلى