مرتكزات الخطاب الإعلامى المستنهض للذات اليمنية
د. لمياء الكندي يكتب: مرتكزات الخطاب الإعلامى المستنهض للذات اليمنية
تتعدد اليوم المنابر الإعلامية ويزداد تعلق وارتباط الجماهير بها، فقد برز الدور الاعلامي كعنصر محرك وموجه للجماهير وعبرت هذه المنابر عن طبيعة اهتمامات المتلقي وأسهمت في توجيه ثقافته العامة وكسب مواقفه سياسيا وإعلاميا لصالح هذه الجهة أو تلك.
ولا يخفى علينا كيف استغلت جماعة الحوثيين هذا الجانب وأعدت له العدة عبر مجموعة من السياسات الإعلامية والدورات التضليلية واللقاءات القبلية والشعبية التي كانت تحظى بالدعم والرعاية الإعلامية في محاولة منهم لكسب الدعم الشعبي وتزييف الوعي العام تجاه الخطر الذي يمثلونه.
لقد استغلت جماعة الحوثي حالة الخمول الفكري والثقافي والوضع الاقتصادي والأثر السياسي الناتج عن الانقسام بين الاحزاب والمكونات السياسية، في فترة الحرب وقبلها لتغيير من مفاهيم الوطنية فحاربت القامات والرموز والشخصيات الوطنية تحت مسمى الارتزاق وقضت على علاقات اليمن الخارجية والدولية تحت مسمى التحرر من قوى الاستكبار واستبدلت مفاهيم الولاء للدولة إلى الولاء للجماعة والسيد إلى غيرها من المعايير المخالفة للقيم والمبادئ الدينية والوطنية.
إلى ذلك، عملت على قلب الحقائق ونفخ روح المذهبية والطائفية والتحريض على قبائل اليمن المقاومة واتهامها بالإرهاب ووصف رجالها بأنهم دواعش وعملاء للخارج، وإطلاق صفة الارتزاق على كل الأقلام والعقول المتحررة التي تناهض سلطتهم لتتبنى أثناء ذلك خطابا إعلاميا ثوريا وحربيا موجها يمثل مرحلة انقلابهم.
إن هذه الكثافة والحضور الاعلامي الذي واجه به الحوثيون المجتمع وسعوا من خلاله إلى نشر فكرهم وتشويه خصومهم عبر قلب الحقائق وتزييفها وتعظيم الأدوار السياسية والعسكرية لهم، واستغلال الشعارات الدينية والسياسية لصالح مشروعهم للحد الذي تمكنوا فيه من التأثير النسبي في البنية الثقافية والاجتماعية والوعي السياسي لدى العديد ممن يقطنون مناطق سيطرتهم.
ولولا أن أفعالهم وسياستهم كانت ولا زالت تتناقض مع ما يدعونه ويروجون له من أهداف وشعارات دينية ووطنية لما وجدنا هذا الكم من الاحتقان والسخط الشعبي ضد سلطتهم التي بدأ الشعب في انتقادها وتسفيهها والسخط من تأثيرها وانعكاسها عليهم.
ولابد لنا في مختلف مواقع الرفض والمقاومة للحوثية الإمامية أن نسعى إلى التركيز على هذا الحضور القاتل والقاتم للحوثين واستثماره في توليد رأي شعبي عام مناهض لهم والاستفادة من حالة السخط الشعبي من خلال استنهاض الذات اليمنية واستعادة ذاتها لإثبات حضورها التاريخي والمعاصر المشرف الذي تستحقه.
ولابد لهذه الحالة من أن تتطور لتتحول إلى ثورة شعبية عارمة تستهدف قلع جذورهم وسلطتهم وهو يوم ليس ببعيد عن مسيرة هذا الشعب وخطاه عبر التاريخ.
قد يبدوا الكلام عن الإعلام الحوثي ودوره في التأثير والاتصال المباشر مع الجماهير في مناطق سيطرتهم مستفزا للبعض ولكنها الحقيقة التي يفترض أننا جئنا اليوم لمعالجتها ودراسة مخاطرها وخلق آليات جديدة عبر مجموعة من المرتكزات الإعلامية التي تسهم في دعم الذات اليمنية خاصة وأننا نمر في أصعب مراحل اليمن التاريخية التي قدر أن يكون لنا دور بمشيئة الله في الدفاع عنها، من أجل الحفاظ على هويتنا الدينية والوطنية واستعادت الذات اليمنية العريقة أمام عصابات الدجل والخرافة السلالية.
إن علينا كإعلاميين وكتاب وباحثين أن نجدد البعث في عوامل ومرتكزات الخطاب الاعلامي المستنهض للذات اليمنية والاستفادة من حلة الطفرة الإعلامية التي أصبحت في متناول الجميع.
ولتحقيق هذا الهدف السامي علينا أن نعمل معا وفق برنامجين وفي سياقين متصلين أحدهما يركز على دراسة الماضي العريق لنا كيمنيين عبر استدعاء تاريخي للروح اليمنية الباسلة عبر التاريخ، وفي الوقت ذاته نعيد التركيز على الجرم التاريخي الذي ارتكبه دعاة الإمامة في حق اليمن أرضا وإنسانا، بداية من ابراهيم الجزار والهادي الرسي ونهاية بعصابة الحوثي الاجرامية.
فعلى الرغم من بروز ما يمكن وصفها حركة بعث تاريخية يمارسها العديد من النشطاء والكتاب الباحثين الوطنيين المستقلين وفق إمكانياتهم المحدودة ومن منابرهم الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها إلا أن هذا الجانب مازال بحاجة إلى رعاية حكومية ومؤسسية لتستكمل كل الجهود أدوارها الطبيعية في الاضطلاع بمهمة استنهاض الذات اليمنية.
فعلى قدر الوضوح في الخطاب الاعلامي في استنهاض الذات اليمنية تكون النتائج ملموسة، خاصة وأننا نواجه مشاريع الامامة التي تدار بآلة الجمهورية متسترين خلفها يمارسون فكرهم الإمامي الإقصائي والاستعلائي الذي ينتقص من اليمنيين ويعيد تصنيفهم وفق عقيدة التمييز الهاشمية التي تفرق بين أبناء الوطن الواحد وتجعلهم مقدمين في بل ومستأثرين في الحكم ومنتفعين بكل خيرات اليمن.
إننا نخوض هذه المعركة لأنها ضد جماعة تهدف إلى القضاء على الذات اليمنية وهي محاولة امامية دائمة لضرب الذات الحضارية اليمنية وهذا الجانب لوحده لو تمكنوا منه لكان كفيلا بمد القوى الإمامية بعناصر القوة وفرض سلطتها وزيادة أمد حكمها وإبراز رجالها وأدواتها في محاولة لاحتكار القوة والفهم والوعي والعلم والثقافة على انفسهم، وتصوير الآخر اليمني صاحب الأرض والتاريخ كمتلقٍ جاهل بلا وعي وبلا إرادة أو قدرة على القيادة واتخاذ القرار أو تسيير أمور نفسه بنفسه، وشيطنة كل الأعمال الوطنية النضالية التي تستهدف مشاريعهم وإمامتهم.
إن مسالة استنهاض الذات اليمنية تتعدى الأطوار الثقافية لتعبر عن ضرورة وطنية ودينية واجتماعية وسياسية وأمنية وعسكرية تتحكم بحاضر ومستقبل اليمن ككل.
وفيما يخص هذا الجانب أرى كخطوة أولى أن تقوم الأجهزة الإعلامية الرسمية عبر مجالاتها المختلفة وخاصة الإذاعية والتلفزيونية وعبر مواقع السوشيل ميديا، في تمثيل دورها في استرداد الهوية والذات اليمنية وذلك عبر دعم فرق من الشباب المتعلم والواعي وأصحاب المهارات والقدرات الإبداعية وتمكينهم من إنتاج وعرض أعمالها ومشاريعها في هذا الجانب، والتركيز على المبادرات الشبابية الوطنية ومنحها حق التقدير والوصول الكامل إلى الفئات المستهدفة بالتعاون مع العديد من الهيئات والوزرات التي يفترض أن تتبنى العمل التكميلي المشترك لتحقيق هذه الاهداف.
كما أرى أنه من الضروري إحياء الذاكرة اليمنية المقروءة والمسموعة والمرئية والاستفادة من الأرشيف الوطني في الإذاعة والتلفزيون، وإعداد برامج تقتطع من تلك الذاكرة ومن ذلك المخزون الثقافي والسياسي في فترة التحرر الثوري في كلا الشطرين ما يعيد الذاكرة الجمعية لنا كيمنيين تجاه انتمائنا ومشروعية أهدافها التحررية من قوى الاستعمار والإمامة في محاولة عرض جديدة تتناول تلك الأحداث واللقاءات والأخبار. وهي مسالة كفيلة في إعادة الوهج الفكري والوطني لدينا كيمنيين بحاجة إلى تجديد الدماء الفكرية والثقافية في العقل والروح اليمنية الحاضرة.
إن عدونا الإمامي ليس بحاجة إلى أن نختلق في حقه الأوصاف الشنيعة ولا أن ننسب إليه من الأفعال والصنائع، ما هو في غير محله فهو من الوهلة الأولى لظهور حركته اثبت أنه يمثل محور الشر على هذه الأرض الطيبة وما علينا غير تعقب مساوئه وممارسته وفضحها ونشر نماذج منها بشكل واسع ومتكرر لتعميق الخيارات الشعبية ضده.
وإذا ما حاولنا عرض المرتكزات الفكرية والثقافية التي يمكن أن يستمد منها الإعلام المقاوم مقومات نهوض اليمنيين فهي تكمن حول الاتي:
التركيز على القيمة الحضارية للذات اليمنية التي أوجدت لنفسها مكانا واسعا بين الحضارات الإنسانية والدول والممالك المتعددة كالحضارة المعينية وما أعقبها من عصور لاحقة لملوك سبأ وأوسان وحمير إضافة إلى دور اليمنيين في الفتوحات الاسلامية وانتقال تأثيرهم ليصل إلى شرق آسيا وبلاد المغرب العربي التي مازالت حتى هذه اللحظة تستمد ذاتها الحضارية من حقيقة وشرف انتمائها إلى اليمن واليمنيين.
التركيز على الأثر العلمي والازدهار الاقتصادي والسياسي والعمراني الذي شهدته اليمن في فترة الممالك والدويلات اليمنية كالرسوليين والطاهريين وبني زياد والصليحيين وبني نجاح، ودور الإمامة الرسية الغازية في استهداف هذه الدول ومحاربتها وإسقاطها لا لغرض إلا لغاية الحكم دون أن تؤسس لأي دولة إمامية تركت من الأمن والازدهار ما يمكن مقارنته بالأقل القليل من إنجازات تلك الدول.
إن في تاريخ الإمامة من العدائية والإرهاب والبشاعة والجناية ما تزخر به كتب التاريخ التي كتبها مؤرخو تلك الحقب التاريخية وما علينا غير إعادة النبش في تلك الجرائم وسرد وقائعها وتأثيرها على اليمنيين كي يكونوا على يقين بخبث الأدوار الإمامية التي كانت تسلط عليهم وعلى آبائهم وأبنائهم على مدى التاريخ والحاضر والمستقبل.
من المؤكد أن عظمة ثورتي سبتمبر وأكتوبر تأتي من أهمية أهدافها وطبيعة النظام الذي نتج عنهما وهي مناسبة عظيمة نستعيد عبر أحداثها ورموزها وطبيعة حكمها الذات اليمنية في محاولة لاستعادة الأدوار الخالدة لرموزها وحجم المؤامرات التي واجهتهم ودور الهاشمية السياسية في إعاقة النظام الجمهوري ومحاولة إسقاطه الأخيرة على يد الحوثيين.
إن حجم الدمار والقتل والتدمير الذي خلفه الحوثيون من أجل وصولهم للسلطة والآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي نتجت عن هذه المحاولة مادة تستدعي البحث والتنظير والتعريف حول حجم وطبيعة الخطر الذي يمثله الحوثيون على واقع اليمن وحاضرها.
وفي الأخير لا يسعني غير تقديم واجب الشكر الكبير لكل الأدوار الوطنية التي يبذلها الجمهوريون وكل من له إسهام في مقاومة هذه الجماعة العنصرية النازية وفضحها وكشف أساليبها وخطرها، على أمل أن يكون لنا لقاء في نصر قريب بإذن الله وتوفيقه.
عناوين قد تهمك: