آراء
أحمد قاسم دماج.. العصي على التصنيف
مصطفى راجح يكتب: أحمد قاسم دماج.. العصي على التصنيف
توهجت روحه حتى الثمانين، وبقيت عيناه محتدمة حتى أنطفأت الحياة في جسده وغادرته روحه لتحلق في فضاء الله اللامرئي، واعتصم بصدقه وأصالته وانتمائه كإنسان من أول شهقة حتى آخر نفَس.
تكبر صورة أحمد قاسم دماج أمامي في لحظة رحيله لتحجب خلفها كل اهتمام آخر. عاش في منطقة التماس بين أبعاده المتعددة.. هو كلها وبينها في نفس الوقت.
لا تستطيع أن تلم بِه من زاوية انتمائه كحزبي انتمى للحركة الوطنية من أول وهج لها.
ولا تستطيع الإمساك به فقط من بعد فعاليته المدنية النقابية السياسية التي تمازجت كلها في دوره المؤسس لإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.. وكفى.
ولن يكون بمقدورك حصره كشاعر فذ ومتميز، وقراءته من تدوينه هنا، بمعزل عن حياته التي مثلت قصيدته الأصيلة الممتدة لثمانية عقود.
ولا يكفي أن نستشرفه من منبعه كإنسان أصيل طبع علاقته مع كل من حوله في أبعاده الخاصة والعامة بطابعه كشخصية أصيلة وذات حضور ثري ومؤثر على كل من حوله وما مر وسطه وانتمى اليه.
هو كل هذه الأبعاد مجتمعة في سبيكة إنسانية نادرة تدعى أحمد قاسم دماج.
ذات غير قابلة للتجزؤ والازدراجية والانفصام والتناقض. لا تستطيع أن تفصل الشاعر فيه عن الدور الريادي الوطني، وعن الحزبي الذي انتمى للتنظيم الذي يشبهه في وحدة المشروع والمؤسسة وعدم تجزؤهما كنقيضين "الحزب الديمقراطي"، وعن دوره المدني النقابي الوطني الوحدوي "اتحاد الأدباء والكتاب".
كان فيها كلها، ومنفلتاً منها كلها في نفس اللحظة.. داخلها دوراً وفعالية، وفي منطقة التماس بينها كلها كحرية، وخارجها كلها إذا تعلق القياس بعلائقعا اللزجة، العلائق المعيقة التي تتشكل على جوانب كل مشروع وفعل كجانب ملازم لكل منظمة وفعل عام.
أخذ الأستاذ أحمد قاسم دماح في العقدين ونيف الماضية مسافة كافية من النخبة الطافية على السطح، من دون عدائية أو غبن، مع الاحتفاظ بفعاليته كاملة وبعلاقاته مع الجميع.
هذه المعادلة قل من يجيدها ويطبقها من دون أن يقع في اليأس وانعدام الفعالية:
أن تكون أصيلاً تنجو بذاتك من الوقوع في العجلة التي تفرم ناس بلا حدود وبينهم حتى من كانوا متوهجين ذات يوم وممتلئين بالحلم.
وأن تنحت فعاليتك وحضورك في نفس الوقت بأبعادك كلها التي اختزنها لتخط عبرها سفرك في الحياة كإنسان وهوية وفعالية عامة.
ولد أحمد قاسم دماج ليفاجئه غول الإمامة وهو لم يكمل بعد الثانية عشرة من عمره، حيث اقتطفت ثمان سنوات من عمره الغض في زاوية الإمامة المظلمة كرهينة.
ورحل عن ثمانين عاماً، نزيهاً صادقاً كصفحة روحه البيضاء يوم أخذ اول خطوة في الحياة بين يدي القابلة.
رحل أحمد قاسم دماج وفي الحلق غصة من رحيله واليمن معلقة كلها كرهينة مرة أخرى في نفس الزاوية المظلمة التي قضى فيها ربيع عمره وفاتحة إطلالته على الحياة.
عناوين ذات صلة: