آراء

الجانب الآخر والأهم من المعركة

الدكتور ياسين سعيد نعمان يكتب: الجانب الآخر والأهم من المعركة


1-يحدث أن تتعثر أمة بخيبات كثيرة في مسيرتها وتسقط.. فتستنجد بما تبقى لديها من قيم "الجمال"، تستنفر بها إرادتها لتعاود النهوض، فتنهض.
2-على عكس ذلك هناك أمم تتعثر في ما وفرته لها الحياة من "جمال". وهي أمم تعيسة مرتين، مرة لأنها لا تعمل غير أنها تحول ذلك القدر من " الجمال" إلى إشكالية تتوالد في جوفها محفزات الصراع الذي يفضي إلى الحروب..
ومرة حينما تسقط لاتجد ما تقاوم به السقوط، فقد أخذ "القبح" يلتهم كل ما تبقى لديها من إرادة لمعاودة النهوض.

3-في مسيرتها الحديثة، يمكن القول أن اليمن من الأمم التي تعثرت في كل شيء جميل حدث في مسيرتها : تعثرت في القيم الجميلة التي جاءت بها الثورات، وهي من المحطات التاريخية التي بعثت بهاءً وجمالاً في مكوناتها البنيوية الثقافية والسياسية والاجتماعية عامة، والتي كان من الممكن أن تشكل رافعة نهوض شامل. وتعثرت في قيم التسامح والسلام التي رافقت الوحدة باعتبارها اكثر قيم "الجمال" تعويضاً لما أصاب اليمن من جراح، وتصحيحاً تاريخياً جذاباً لمسار الثورات.

وتعثرت في العقد الاجتماعي لبناء دولة المواطنة الذي تخلق من انتفاضة التغيير السلمي والحوار الوطني، وكانتا المحطة التي أعادت تسليط الضوء على قيم الجمال المقموعة بعد أن تعرضت لخذلان نظام الحكم، وبقيت مطمورة في ضمير المجتمع، متمسكة بأصالة دور الشعب في إعادة انتاجها واستعادة الوعي بقيمتها في النهوض الوطني.

4-ويبقى السؤال، لماذا ظل اليمن يتعثر في كل ما هو جميل في مسيرته ؟
يكمن الجواب من وجهة نظري في حقيقتين :
-الأولى :
هي أن الثورات ومحطات التغيير كانت تكتفي بخلق جيوب مشتتة، غير مترابطة، للنهوض، لا تشكل كياناً متماسكا يستطيع أن يكون بمثابة رافعة قوية لنهوض وطني شامل، أو يمنع تسلل القديم من خلال الشروخ التي تملأ ذلك الكيان . وعند مستوى معين من الاختراقات، تتم مصالحات مع القديم تضعف حوافز التغيير، فينقض هذا القديم بكل ما أوتي من خبرة وجسارة ولؤم ليعيد ترتيب الوضع لصالحه.
-الثانية :
هي أن النهوض كعملية سياسية - إجتماعية - معرفية شاملة ظلت عملية نخبوية لا يشارك فيها الشعب بارادته الحرة، وإن تمت أحياناً، فبتوجيهات تعسفية تنتقص من حقه في التفكير والرأي، والاعتراض، والنقد، واختيار الحاكم.
5-ومع كل تعثر، كان يستنجد بما تبقى من مخزون "قيم الجمال" المحفوظة في ضمير المجتمع، والتي كان يجري استحضارها وتحفيزها كلما برزت الحاجة إلى مغادرة مأزق السقوط بواسطة نخب سياسية وعسكرية وشعبية، وأحياناً حاكمة.
6-لا شك أن القوى التي ظلت تقاوم النهوض، وتمنع مغادرة مأزق السقوط قد أدركت حقيقة أن مخزون قيم "الجمال" في ضمير المجتمع سيظل محرك النهوض الاساسي الذي سيؤسس قواعد مواجهة هذا الوضع البائس، الذي تخلق منذ أن انقض الارهاب الحوثي على مشروع بناء الدولة وعطل مسيرته، ولذلك فإنها ستعمل على تجريف هذا المخزون البسيط من قيم "الجمال" وتصفيته، وتجريد المجتمع منه حتى لا يتمكن من إعادة بناء شروط النهوض من جديد.
7-اليوم، هذا هم الجانب الآخر من المعركة، وهو الجانب الذي تتوالد فيه شروط النصر أو عوامل الهزيمة.
وإلا :
ألا فاعلموا أن مصيراً رهيباً ينتظر كل من يحلم بالفضيلة أو يحملها في هذا الزمن الذي تستباح فيه قيم الجمال.

  •  صفحة الكاتب

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى