نيبور وصناديق المخطوطات
بلال الطيب يكتب حول: نيبور وصناديق المخطوطات
وصلت إلى اليمن منتصف نهاية عام 1762م بعثة دنماركية برئاسة المهندس كارستن نيبور، وهو عالم ألماني المولد، مُتخصص في الرياضيات، والفلك، والجغرافيا، وعضوية كلا من: فون هافن - لغوي، وكريستيان كرامر - طبيب، وجورج بورنفايند - رسام، وبيرغن - جندي، وبيتر فورسكال - عالم فيزياء وأحياء، وهي أولى الرحلات العلمية الأوربية إلى اليمن، تبناها الملك فريدريك الخامس.
التقت البعثة الإمام الزيدي المهدي عباس بن المنصور الحسين بعد ستة أشهر من وصولها اليمن 16 يوليو 1763م، وذلك بعد أنْ توفي أحد أعضائها في المخا، وآخر في يريم، وقد نشرت تفاصيل رحلتهم المأساوية بين دفتي كتابي: (من كوبنهاجن إلى صنعاء)، و(المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن).
نقل كارستن نيبور في مُذكراته تفاصيل مهمة عن أحوال اليمن خلال تلك الحقبة، ولولاه ما عرفنا تفاصيل ثورة عبدالرب العلفي - سبق أن نقلنا تفاصيلها - وتداعياتها المأساوية، وقال عن نهاية ذلك الشيخ: «وهي نهاية ثائر وبطل عربي كبير، كانت له شهرته في اليمن في السنوات الأخيرة».
وصف نيبور المهدي عباس بنبرة عنصرية، قائلًا: «لولا بعض الصفات الزنجية فيه، لاعتبرته رجلًا صالحًا»، كما نقل ازدراء أحد اليمنيين بأصل ذات الإمام، على اعتبار أنَّ دمه غير نقي؛ كون أمه حبشية!
واتهم نيبور إمام صنعاء بالجشع، وقال أنّه كان يأخذ رُبع قيمة محصول البن من المزارعين قبل أنْ يسمح بشحنها، ومن ثم تصديرها، وقال في موضع آخر: «فعندما أصبح الإمام الحالي مكروهًا بسبب جشعه، ووحشيته، وضعت خطة لإبعاده عن العرش، ورغم أنَّ تلك الخطة قد أخفقت، إلا أنَّ هناك أمثله أخرى لتمردات ضد الأئمة انتهت بعزلهم».
كما تحدث نيبور عن حاشية المهدي عباس، وعساكره المُتنافسين على طاعته، ومن ضمن ما قاله: أن الواحد منهم - يقصد العسكر - يستبسل في خدمة وإرضاء الإمام، وإذا كان ثمة مواجهة فإنه يربط ساقه إلى ركبته، ويستمر في إطلاق النار على أعدائه إلى أن يفنيهم أو يفنوه.
وأضاف: «يحتفظ الإمام بقوات من الجنود لم استطع معرفتها بالضبط، إلا أنَّه يعتقد - يقصد الإمام - بأنها تبلغ حوالي أربعة آلاف من المشاة، وألف من الخيالة، جند معظمهم من حاشد وبكيل، والرؤساء الأربعة لهذا الجيش، هم مشايخ همدان، ووداعة، وسفيان، وخولان»، أما أسلحتهم فهي الرماح وسيوف المبارزة، وبعضهم يحمل المسدسات في قراب السروج، والجميع لا يعرف شيئًا عن الملابس الرسمية، وكل واحد منهم يلبس ما يروق له.
تحدث نيبور أيضاً عن الخراب الذي لحق بمدينة تعز وضواحيها بسبب صراع الأخوة من آل القاسم الأعداء قائلًا: «هدمت الحرب معظم المنازل، وجعلت الحقول والبساتين شبه مهجورة.. وقد توقف التوسع في البناء بمدينة تعز بشكل عام»، ونقل وصفًا دقيقًا لحال سكانها المُنهكين من ظلم الأئمة، والمُتذمرين من كل شيء حولهم، حتى من أنفسهم.
كما قام نيبور برسم أول خريطة جزئية لليمن توفر فيها قدر كبير من الدقة، أسماها ب (مملكة الإمام)، ووضع حدودها من المخا، والحجرية جنوبًا، واللحية، وعفار، وبيت ادهم شمالًا، وذيبان، وذمار، ويريم شرقًا.
كان نيبور هو الناجي الوحيد من تلك الرحلة المأساوية، وقد عاد إلى الدنمارك وبحوزته 70 صندوقًا لمخطوطات يمنية نادرة في مختلف العلوم، فيا ترى ما هو مصيرها؟!
عناوين ذات صلة: