نقاش على هامش زيارة بابا الفاتيكان العراق
الدكتور ياسين سعيد نعمان سفير اليمن في بريطانيا يكتب: نقاش على هامش زيارة بابا الفاتيكان العراق
جرى هذا الحوار بيني وبين صديق على هامش لقاء رسمي منذ يومين، حيث سألني :
-هل تعتقد أن زيارة بابا الفاتيكان ستأتي بنتيجة بشأن حماية المسيحيين في العراق ؟
-حمايتهم ممن ؟
-من التطرف والكراهية .
-ولماذا "المواطنين المسيحيين" فقط؟
-لأن الاضطهاد الذي يتعرضون له دفع بالكثيرين منهم إلى الهجرة ومغادرة وطنهم .
-صحيح أن هناك من المواطنين المسيحيين وبعض الأقليات ممن تعرضوا لاضطهاد من قبل التطرف السياسي المتستر بالدين في العراق وغيرها، ولكن القمع والاضطهاد شمل هؤلاء وشمل المسلمين أيضاً، ورأينا حدة الصراع داخل الخيمة الاسلامية، والذين يهاجرون من بلداننا من المسلمين لا يقلون عددا عن إخوانهم المسيحيين . الاضطهاد والقمع يشمل الجميع . علينا ان نبحث عن السبب الحقيقي وراء ذلك . واذا اقتصرت زيارة الباب على هذه الجزئية فإنها تقدم دليلا آخر على أنكم، في هذه البلدان المتقدمة، لم تفهموا بعد، أو لا تريدون أن تفهموا، حقيقة المشكلة في بلدان المشرق !!
-وما هي في نظرك المشكلة ؟
-المشكلة ذات شقين : الأولى أن التطرف الديني لم ينشأ بدوافع مستقلة عن حسابات بعض أطراف الصراع الدولي في مرحلة معينة أثناء الحرب الباردة .
والثانية هي أن الدولة التي تحمي حقوق الجميع كمواطنين، بغض النظر عن دياناتهم، ومذاهبهم، وأعراقهم لم يسمح لها بالنشوء والتكون في هذه البلدان منذ عهد الاستعمار الغربي، حيث اعتمد الاستعمار على تعزيز وجوده من خلال تكريس هذه الانقسامات وإبقائها حاضرة في الوعي المجتمعي بشتى السبل، وراح يشجع منتسبيها على الحروب وتعميق الانقسام .
-وما الذي يمنع هذه البلدان الان من تخطي هذا الواقع الانقسامي وإقامة مثل هذه الدولة بعد رحيل الاستعمار ؟
-هذا سؤال مهم، ولكن هل تعتقد أن هذا الاستعمار رحل بشكل نهائي، وأنها لذلك تستطيع أن تحد من التدخل الخارجي المباشر وغير المباشر..
لا أعتقد ، ولا أنت تعتقد ذلك أيضاً ، فهذا التدخل لا يزال حاضرا، ولا يزال يعمل على تكريس هذه الانقسامات الطائفية وإكسابها وضعاً بنيوياً في الدولة والمجتمع لابقاء هذه البلدان تحت الهيمنة، وقرارها المستقل مصادر . النخب المتنفذة في هذه البلدان مرتبطة بهذا المشروع التفكيكي وتقوم بتنفيذه على الأرض بحماية خارجية .
-أعتقد أن دور الخارج محدود، بل لا يكاد يذكر ؟ لأن الامر يتعلق بالارادة السياسية لشعوب هذه البلدان ونخبها ؟
-اتفق معك بشأن دور الشعوب والنخب، لكنني لا اتفق معك بأن دور التدخل الخارجي محدود . التدخل الخارجي حسم في تجارب كثيرة مسألة بناء الدولة الوطنية بخيارات مناهضة لحاجة الشعوب للاستقرار، وعصفت بهذه الدولة من الاساس .
صحيح أن هذا التدخل وجد في هذه البلدان من يفتح له الباب، ويمكنه من التحكم في الحلقات التي تم عندها كسر المشروع الوطني المفضي إلى بناء دولة المواطنة، لكن هذا لا يعفيه من دوره السلبي في تخريب هذا المشروع الوطني ..
-ماهي مصلحة الخارج في تعطيل مشروع دولة المواطنة في هذه البلدان ؟
-إقامة دولة المواطنة هو تعبير مكثف عن تطور جذري هام في الوعي السياسي والثقافي والاجتماعي في هذه البلدان، وفيه يسود المجتمع المدني بقيمه الجديدة، ويسود الوعي الوطني بتماسك اجتماعي ينبذ الطائفية والانقسامات العرقية والدينية، ومثل هذا التطور يضع القرار بيد الشعوب، ولأن هذا الوضع يعيد بناء العلاقة مع الخارج على أسس جديدة لن يترك معها مجال لابتزاز الحكام والطبقات المسيطرة كما هو حاصل الان، فإن هذا بالتأكيد لا يراه بعض الخارج مقبولاً في الوقت الراهن .
-ربما أن في حديثك شيء من الصحة، ولكن هل من الممكن أن تدلل على ذلك بتجربة عملية يمكن الاستناد إليها في توضيح هذه الحقيقة؟
-هناك تجارب كثيرة في تاريخ المنطقة لم يسمح لها باستكمال عناصر تكونها، أجهضت في مرحلة معينة من مراحل التكون .. وبعضها قطعت أشواطاً، وبدلا من مساعدتها في إخصاب عناصر التحول نحو الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية جرى شيطنتها مما حول التجربة إلى مستودع لتفريخ الاستبداد والقمع الداخلي تحت مسمى " حماية الوطن" .
ومؤخراً، كما تابعت انت وكنت قريبا من التجربة، كيف انقلب الحوثي وقطاع من ارث النظام السياسي الذي جند لتعطيل بناء الدولة، على التوافق الوطني لبناء دولة المواطنة في اليمن الذي تم التوصل اليه عبر حوار طويل . لا أعتقد انك لا تتابع المواقف المختلفة لهذا الخارج حول ما يجري، وكيف يتم التعبير عما حدث ويحدث من تطورات، وإيصال الوضع إلى ما وصل إليه ليصبح البحث عن تسوية تكون ضحيتها الدولة التي اتفق عليها اليمنيون بعد نضال طويل . بمعنى أن الذي ينقلب على الدولة الوطنية ونظامها المدني هو من يراد له أن يكسب الجولة، لتبقى الدولة مشروعاً للصراع فقط.
انتهى حديثنا بأن الدولة الوطنية بنظامها المدني والمواطنة هي الضامن لكل المواطنين العيش بأمن وسلام . وعندها ستكون مثل هذه الزيارات وسيلة لتعزيز الاخوة بين الشعوب وإرساء أسس السلام وتبادل الخبرات في تحقيق أمن ورفاهية المجتمعات .
- صفحة الكاتب:
عناوين ذات صلة: