تكريم ممثل حماس الحوثي: قراءة من زاوية وطنية
عمار صالح التام يكتب: تكريم ممثل حماس لجماعة الحوثي: قراءة من زاوية وطنية
القضية الفلسطينية لليمنيين لا يختلف عليها اثنان، والموقف الشعبي والرسمي متطابق بمبدأية رفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بكل الحكومات المتعاقبة منذ قيام الجمهورية اليمنية وطي حقبة الإمامة التي دفعت بالآلاف من اليهود اليمنيين إلى فلسطين لتسهم في قيام الكيان الصهيوني المحتل وهو ما فسر الدعم الإسرائيلي لفلول الإمامة الرجعية بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م ومحاولة استعادة ذلك العهد البائد.
لكن هناك مسألة مهمة وخاصة بالشخصية اليمنية يجب التنبه لها، وهو أن اليمني بعد مرحلة الانهيار الحضاري وفق سنة الله تع إلى في الحضارات والدول ينطلق في القضايا القومية والاسلامية والانسانية من فراغ وخواء في القيمة الوطنية الخاصة بمجتمعه المحلي، لذا يفسر سلوكه أنه قيمة مثالية بعيدة عن تفاعلات الواقع الذي هو جزء منه سببا ونتيجة، وهذا ما يسمى بالزهاء <شبيه بالزهايمر في الشيخوخة> الذي يصيب المجتمع فيفقد ذاكرته التاريخية، ولايعطي قيمة لإنجازاته ومكتسباته التي قد يتجاوز المستحيل في إنجازها وتحقيقها، بل يصنع الملاحم العظيمة الخالدة وفي أقل من عمر جيل واحد يفقدها ويضيعها.
وتكاد صفة الفضول في تفاعل وتعاطي اليمني مع كثير من القضايا القومية والإسلامية والدولية بشكل غير متزن متجاوزا لواقعه وجراحاته ومعاناته تكاد تكون صفة ملازمة للمجتمع اليمني، بغض النظر عن دوافعها الانسانية الأخوية الطيبة إلا أنها مظهر من مظاهر الاحتقار للذات الحضارية لليمن، أو عدم تحمل المسؤولية تجاهها في أحسن الحالات.
ومن مظاهر غياب القيمة الوطنية أيضا ضعف اعتزازه بذاته وكثرة تذمره من بلده اليمن واليمنيين والدولة والأحزاب والمثقفين، والحلم الغالب على الكثير من اليمنيين بالسفر للخارج والعمل بالخارج، وهي بعض آثار القيمة المثالية المنطلقة في الفضاء القومي والاسلامي والانساني من فراغ القيمة الوطنية المعتزة بالذات الحضارية لليمن.
حتى أولئك الطلبة المبتعثين على نفقة دولتهم وشعبهم للدراسة بالخارج ليعودوا بناةً لوطنهم، وناهضين بمجتمعهم، يكافئونه بالتعالي على شعبهم بوسمه متخلفا، ووطنهم بالبحث عن عمل في الدولة التي ابتعثوا لها أو دولة أخرى تحت شعار: اليمن مقبرة المواهب!
لم يكن التغييب الكبير لليمنيين لمئات السنين سهلا لتحرر الشخصية الاعتبارية لليمني من هذا الركام، فقد تلقن اليمني أمثالا وحكما وحكايا وأساطير تدفعه لامتهان ذاته الحضارية، وتجعله في مربع الدهشة لما لدى الآخرين، وتسوقه للتيه في الأرض باحثا عن العيش الكريم، ولو بنى وطنه وأقام دولته وحافظ عليها لعاش كريما مهابا جنابه، مخوفا حماه.
للأسف الشديد نسي اليمني أسفار أمجاده وحضاراته ومآثره المخلدة بأقدس كتب الله تع إلى القران الكريم والسنة النبوية المطهرة، وتجاهل شخصيته الحضارية التي نحتت في الصخر، ونقشت في الحجر وأصبحت ملء سمع العالم وبصره.
صورة أخرى من صور أعراض ظاهرة تبني القيمة المثالية المنطلقة من فراغ في القيمة الوطنية، لأعزاء أحرار خرجوا من اليمن قبل سنوات رفضوا الخنوع لعدو اليمن التاريخي احتلال خرافة الإمامة الكهنوتي، واستقروا في أكثر من عاصمة عربية ودولية أصبحت ملاذا لشتاتهم.
تتمثل تلك الصورة في تباين خطابهم الإعلامي إزاء قضايا وطنية كثيرة.. أحيانا يكون هذا التباين بسبب استدعاءهم لعلة النخبة اليمنية خلال خمسة عقود من الجمهورية المباركة، والتي تمثلت تلك العلة مجازا في الدفاع عن القاهرة بلونها الناصري والقومي حينا والإسلامي حينا، أو الدفاع عن بغداد أو الرياض أو موسكو أو لندن أو دمشق في صنعاء وعدن طبعا، وغياب صنعاء وعدن.
وما الانقلاب الإمامي على الشرعية إلا نتيجةً طبيعةً لعملٍ سريٍ واضح الغاية من قبلهم، وتيهٍ وصراعٍ مستنزفٍ من قبل المكونات الوطنية.
وقد يكون ذلك التباين في الخطاب الإعلامي للناشطين والسياسيين بدول الشتات متماشيا مع هوى المستضيف لهم، سواء بقناة تلفزيونية أو موقع إلكتروني أو مؤسسة إعلامية وفكرية ممولة، بل قد يصل الأمر ببعض الأعزاء من الناشطين و السياسيين إلى التحول إلى مدافع عن الدولة المستضفية وسياستها أكثر من أبنائها، ليصبح ملكيا أكثر من الملك كما يقال.
ونخاف مستقبلا أن تتحول تلك الكتل مع الوقت إلى تيارات ارتهانٍ بعيدة عن الهم الوطني، مصحوبة بالدهشة للعواصم المستضفية، ليس لأن تلك الدول تستقطبها وتستميلها لمصالحها وأجندتها فقط، بل كنتيجة حتمية أيضاً للفراغ في القيمة الوطنية لدى تلك الكتل فتصبح كارثة الكوارث بالمستقبل لا سمح الله:
والتعويل بعد الله تع إلى على حركة الوعي القومي الوطني المتصاعدة أفقيا وعموديا، نعول عليها كثيراً في إعادة صياغة الشخصية الاعتبارية لليمني بما يليق بإنسانيته أولا، وحضارته وأمجاده بإذن الله تع إلى وتوفيقه وهي الخطوة الأولى اللازمة لتجاوز آلام الواقع واستشراف المستقبل المنشود لليمن.
ستنتهي التغريبة اليمنية وتنتهي مأساة اليمنيين يقينا بإذن الله تعالى، بعودة اليمني إلى ذاته واعتزازه بذاته الوطنية، واحترامه لكل المكونات الوطنية، وإشاعة روح الثقة بالالتزام بالثوابت الوطنية، وتبني قيم المواطنة والتعايش، والابتعاد عن التصنيف والشيطنة المتبادلة بين المكونات الوطنية، والتخلي عن العنصرية القبلية والمناطقية والجهوية والأسرية والمذهبية والحزبية، والعمل الجاد على إقامة الدولة الوطنية، التي تعكس أحلام اليمنيين وتطلعاتهم، وتليق بحضارتهم وأمجادهم.
فقد آن الآوان ليعود اليمن سعيداً كسالف عهده وفق سنن الله تع إلى في التداول بين الشعوب والأمم، وقد طال سباتنا كثيرا وآن لنا أن نعود كما قال الشاعر الثائر فؤاد متاش:
لقد كنا كبارا نملأ الدنيا بنا ذكرى
لماذا لا نعود إذن كبارا مرةً أخرى
ويقول أبوالأحرار الزبيري:
امة شاءت بأن تحيا فمن
يا ترى من يرغمها أن تنتحر
حطمت أصفادها تمشي إلى
حقها مشي العزيز المقتدر
أما بالنسبة لردة الفعل تجاه موقف ممثل حركة حماس بصنعاء المستفز فهي ردة فعل طبيعية ويجب على حماس أن تعتذر أو تبرر لهذا الموقف الذي تجاوزت فيه الثوابت كونها حركة مقاومة تدافع عن قضية الأمة الإسلامية المقدسة.
أما الإخوة المثاليون مع التحية الذين أنشأوا حسابات باسم قيادات حماس لتبرير الموقف، أو أولئك الذين وجهوا أصابع الاتهام لشخصيات وطنية جمهورية بالعمالة لأنهم انتقدوا الموقف المستفز بتكريم الإرهابي محمد علي الحوثي في توقيتٍ غير بريء شبيهاً بتكريم شارون بعد ارتكابه المجازر في حق إخواننا الفلسطينيين.
هذا الموقف ليس له تبرير فالمكرمون قتلة مجرمون وأدوات لمشروع هيمنة فارسية رافضية تهدد العروبة والإسلام والمقدسات، ومارس بحق اليمنيين إجراماً فاق بسبع سنوات إجرام الصهاينة بحق الفلسطينيين خلال سبعين عاما.
كما أن التكريم لافتة حشدٍ لهذا الكيان المجرم لزج الآلاف من أبناء شعبنا المغرر بهم لقتل أبناء شعبهم، فهل هذا يخدم قداسة القدس أو ثوابت وقيم الدين الإسلامي في شيء، ونحن الشعب اليمني العربي المسلم السني.
لذا فإن المنطق أيها الأعزاء يقتضي التفريق بين الإيمان بقداسة القضية الفلسطينية وبين الانتقاد لموقف الشخص أو الكيان فيما يخصنا كيمنيين.
أما الإخوة الأعزاء الذين أسقطوا الأحكام على التيار المثالي أو شيطنوا المقاومة كردة فعل تعذرون فيها لكنها لا تبرر تسرعكم في اسقاط الأحكام وشيطنة المقاومة، وينبغي تقدير الأمور بقدرها.
الأعزاء جميعا ما حدث من تباينات سلبية لردود الفعل هي بعض مظاهر الفراغ في القيمة الوطنية في كينونة الشخصية الاعتبارية اليمنية المنطلقة باندفاع عاطفي غير راشد وغير نافع حتى للَقضايا القومية والإسلامية والإنسانية.
كما أنها في الوقت ذاته من أبرز المظاهر على عظمة الشخصية اليمنية المتحررة من الأنانية والمهيأة للقيام بدور ريادي إنساني حضاري قادم منطلقهُ اليمن، حين يعود اليمني لذاته ويعتز بها بإذن الله تعالى.
أيها الأعزاء جميعا.. الحفاظ على الصف الجمهوري وتوسيع دائرة التعاون والتفاهم والتعاطف والتكافل بين أبناء الوطن الغالي، وبين مكوناته جميعا الآن، هو الواجب الديني الوطني المقدس في معركتنا المصيرية ضد احتلال خرافة الإمامة الكهنوتية وأسيادها الفرس الصفويين.
أخيرا لنجعل شعارنا الذي نردده بعد عبارة: "اليمن أولاً"، هذه الأبيات للشاعر إسماعيل اليافعي المغترب بأمريكا:
زدنا ثراها ثباتا من صلابتنا
وألبستنا التعالي من عواليها
فمنزل الصقر عالٍ مثل ساكنه
وساكن الحيد أضرى من ضواريها
وما القلاع التي في الشاهقات سوى
دليلُ عينٍ على إصرار بانيها
لو تسألون الجبال الشم تخبركم
أن اليمانيَّ أقوى صخرة فيها
عناوين ذات صلة: