
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - الإسكندريّة
كان الفصل شتاء عندما زار الشاعر مدينة الإسكندرية، لأول مرة.. كانت نظيفة، ومغسولة. السماء والأرض قطعان متناثرة من السحب البيضاء تسبح عند خط الأفق حيث يتعانق البحر والفضاء، بينما أسراب من الضباب الأخضر الخفيف تعانق سطوح المنازل العالية. كان ذلك في يناير 1963م، وأعاد الشاعر صياغة القصيدة وحذف منها، وأضاف إليها عام 1968م.
ورفَّتْ على شاطئِ الغيمِ،
لاحتْ لنا منْ بعيدْ
على صفحةِ الأفُقِ الذَّهَبِيِّ
كحوريَّةٍ يستحمُّ على مائِها البحرُ
أغنيةٍ في الفضاءِ المديدْ
ك (يوتوبيا ([1])) في خيالِ العبيدْ
كقافلةٍ في الصَّحارى
تدندنُ أجراسُها
بعدَ رُعْبِ الضَّياعْ
كلوحاتِ (جوجانَ ([2]))
مرسومةً في فضاءٍ طليقِ الشِّراعْ،
وحينَ احتوتْنا بأحضانِها
كانَ (شَطُّ الهوى) لحنَ (فيروزَ)
يغسلُ جدرانَها،
ويلوِّنُ أحجارَها،
ويضيءُ الطريقْ،
ويزرعُ خلفَ النوافذِ،
خلفَ العيونِ صباحاً جديداً
ولافتةً للشُّرُوقْ.
كانَ عطرُ الضُّحَى يغسلُ الأرضَ
يمسحُ وجهَ المدينةِ بالضوءِ
يفرشُ جدرانَها بشفيفٍ
منَ اللَّمَعانِ،
وعاشقُها الأوَّلُ البحرُ
كانَ يغني
ويلهو،
فترقصُ شطآنُها، والشَّجَرْ
وترحلُ في الشمسِ (سوناتةٌ ([3]))
منْ خيوطِ المطرْ،
وأقدامُ (فينوسَ ([4]))
عاريةٌ فوقَ صدرِ الرِّمالْ
و (باخوسُ) في نشوةٍ يتغنَّى
ويشربُ نَخْبَ الجمالْ.
* * *
قذفْنا إلى الموجِ حزنَ السِّنِينَ
وفي الشّاطئِ الذَّهَبِيِّ خلعْنا العيونَ القديمةْ
خلعْنا مواجعَنا
وجراحَ الزَّمانْ
نسيْنا الزَّمانَ - المكانْ
نسيْنا انتصاراتِنا،
ونسيْنا الهزيمةْ.
* * *
رفاقي..
سألْتُكم اللهَ إنْ سألَ الحزنُ عنّي
وإنْ سألَتْ عنْ مكاني
عيونُ الشجنْ،
فلا تخبروهُ
ولا تخبروها،
وقولوا: مضى يتفيّأُ حُلْمَ الزَّمَنْ
فإني سأُسْلِمُ للبحرِ نفسي
سأرحلُ فيهِ
وفي الموجِ أبحثُ عنْ (ذي يزنْ).
* * *
وحينَ يجيءُ الغروبُ
وترحلُ في سُفُنِ اللَّيلِ
شمسُ النهارِ الجميلِ
ومنْ أفْقِنا تتدلَّى حبالُ المساءْ،
سأهبطُ للبحرِ
أغسلُ روحي بأمواجِهِ،
في مياهِ الصفاءْ
فإني فقدْتُ جمالَ الرَّشادِ
بعالَمِكم
واسْتَعَدْتُ البهاءْ.
الإسكندرية 1963 - 1968م
([1]) مدينة الأحلام.
([2]) رسام شهير من رواد المدرسة التأثيرية.
([3]) السوناتة: القطعة الصغيرة من الموسيقى أو الشعر.
([4]) فينوس: إلهة الجمال.




