الكلمة.. وضفادع الموسم

الدكتور عبدالعزيز المقالح نسخ
شاعر اليمن الدكتور عبدالعزيز المقالح

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - الكلمة.. وضفادع الموسم

1- المدخل:

قبلَ أنْ تبدأي بالبكاءِ

وتكتبَ عيناكِ بالدَّمْعِ مَرْثِيَّتي

ويقولَ الرِّفاقُ: استراحَ..

تعالي نودِّعُ أوجاعَنا

نرتدي ثوبَ أحزانِنا،

نلبسُ الشَّجَنَ المرَّ

نخرجُ منْ جِلْدِ أيّامِنا

وانكساراتِنا

منْ عيونِ الأحاديثِ..

إنَّ الإقامةَ في وطنٍ للضَّفادعِ

قاسيةٌ،

والرَّحيلَ المباغتَ قاسٍ،

وليسَ سوى الموتِ يخلَعُنا

ثمَّ يرجعُنا لضميرِ الترابْ.

2- الحرف:

"أكلوني البراغيثُ"..

في موسمِ الحزنِ

كانتْ عيونُ الضَّفادعِ محشوَّةً بالدَّنانيرِ

محشوَّةً بالرِّيالاتِ،

بالعارِ - تحتَ الموائدِ -

تكتبُ أحشاءَها،

تمتطي للرَّغيفِ حماراً هوَ الحرفُ،

تصنعُ منْ كَفَنِ الكلماتِ سريراً

وتنهشُ وجهَ الوَطَنْ.

3- مكابدة:

مسخَتْني دمامتُهم،

أوثَقُوني إلى صخرةٍ تتحسَّسُ وجهي أصابعُها

فانكسرْتُ،

توكَّأْتُ حزني

فأسلَمَني للدُّوارِ

وللخوفِ لا ينتهي

حاصرَتْني الذِّئابُ الدَّخيلَةُ..

أينَ المفَرْ؟

الجبالُ تقولُ،

المتاريسُ

كلُّ البيوتِ

الشَّوارعُ، محتلَّةً بالدَّمامةِ:

- عَيْبانُ..

يا سيّدَ الثّائرينَ أغثني،

أغثني بمدفأةٍ؛

إنَّ بَرْدَ الدَّمامةِ يرقدُ فوقَ جبينِ

الضُّحَى،

وأرى الرَّاكبينَ جيادَ الخيانةِ

يمتشقونَ الحروفَ،

يعدُّونَ لحداً لصوتِ النهارِ

ويندلقونَ على الأرجلِ النّاعمةْ.

4- سؤال:

كلُّهم يتدنَّسُ حتى النُّخاعِ

ويركعُ حتى النُّخاعِ

ويكذبُ حتى النُّخاعِ،

ويعرضُ في السوقِ أقلامَهُ

وضفادِعُهُ،

ويتاجرُ بالكلماتِ

وبالرَّبِّ

والناسِ،

لكنّهُ لا يرى الوَحْلَ في وجهِهِ ناطقاً

والنَّخاسةَ ملءَ شرايينِهِ،

والدَّنانيرَ في شفتيهِ!

ولا يسألُ الصُّحُفَ المشتراةَ

لماذا يطاردُ أصواتَهم شعبُنا؟

يتقيَّأُ أحرفُهم

يبصقُ الكلماتِ الرَّديئةَ

والمشتراةَ

ويهربُ منْ (مومساتِ) الكتابةْ؟!

5- الكابوس الأوّل:

سقطَ اللَّيلُ في ثوبِهِ العربيِّ

الحروفُ ابنةُ القَحْطِ والدَّمِ

يسكنُها الحزنُ.

سيّدةُ الوقتِ نحوَ التَّوابيتِ

ترحلُ داميةً،

بينَ ميلادِها والرَّحيلِ توابيتُ

تنسابُ فوقَ نتوءِ الجراحِ فماً،

وتمدُّ إلى الماءِ

خيطاً منَ الحُلُمِ المستقرِّ على الرَّمْلِ..

يا لَلنَّهارِ الذي سوفَ يرحلُ،

يا لَلظَّلامِ الذي سيجيءْ!

6- الكابوس الثاني:

كنتُ بينَ الحضورِ

وبينَ الغيابِ

أحاورُ سيفَ بنَ (ذي يَزَنٍ)..

وبماءِ المحبّةِ أغسلُ جبهتَهُ

منْ غبارِ الزَّمانِ،

وأخلعُ كلَّ الملوكِ

بكلِّ الصِّعاليكِ،

بالكلماتِ - الحروفِ أتابعُ فتحَ الثُّغُورِ،

وفي لحظةٍ هبطَ اللَّيلُ..

ماذا رأيتُ؟

رأيتُ الحروفَ - احتجاجاً -

تغادرُ أشجارَها،

ورأيتُ العصافيرَ

تركضُ في طَقْسِها الدَّمَوِيِّ

وتنثرُ أحزانَ جُرْحي

على طبقٍ منْ ضميرِ الذينَ (اسْتَراحتْ)

ضمائرُهم،

تتقدَّمُ رأسي

وتدخلُ مذعورةً في عجينِ الدِّماءْ.

7- مطاردة:

كلَّما طالَ ظلُّ القصيدةِ

طالتْ حِرابُ الخصومِ..

الضَّفادعُ تُدْلي بأصواتِها

تتحدَّثُ عنْ شاهدٍ لم يكنْ شاهداً،

عنْ فراغٍ إذا مَسَّ أطرافَ أكتافِها

حَرَّكَتْ ذَيْلَها،

فقدَتْ لونَ أظفارِها،

دخلَتْ لغةَ الوَحْلِ

أتقنَتِ المفرداتِ الدَّميمَةَ

صارتْ تَنِقُّ

تَنِقُّ؛

تلوِّثُ جدرانَ أشعارِنا بالنقيقْ.

8- الخلاصة:

أيّها الشعرُ.. لا تتراجَعْ

تقدَّمْ،

ولا ترتجفْ في اللَّيالي أصابعُكَ

البيضُ،

ثَبِّتْ على الموقعِ المتقدِّمِ صوتَكَ..

هَشٌّ هو اللَّيلُ

حُرّاسُهُ لنْ ينالوكَ،

نعلُكَ أطولُ منْ كلِّ قاماتِهم

حِبْرُ صوتِكَ منْ ذهبِ الشمسِ

لا ينطفي

حِبْرُ أقلامِهم منْ نبيذِ الخيانةِ

منْ فَضَلاتِ المواخيرِ..

لا نتراجَعُ؛

إنَّ الوسيطَ الذي في (... ) يعرفُهم.. واحداً

واحداً،

يَتَمَرَّى،

ويحلِقُ (... ) كلَّ يومٍ بحبرِ تقاريرِهم

فمتى يَخْرُسُونَ؟

متى تخرسُ الألسُنُ / الأحذيةْ؟!

9- الخروج:

اقْتَرِبْ..

الدَّمُ الذّاهلُ اللَّونَ

في جسدي يتذكَّرُ،

يقتربُ الآنَ منْ صرخةِ الهولِ

يقتربُ الآنَ منْ كَفَنِ الحرفِ؛

ألمسُ بالكلماتِ التَّوابيتَ

والنَّعْشَ،

أقرأُ أنَّ رمالَ الجزيرةِ بحرٌ منَ الموتِ،

لا يرتوي،

أيُّ بحرٍ منَ الموتِ

هذا الذي يرتوي منْ دمي،

يرتوي منْ حروفِ القصائدِ؟

والكلماتُ / القوافلُ ما تَعِبَتْ

تتعبُ الرِّيْحُ والانتظارُ،

وما تعبتْ في الرِّمالِ الحروفُ / القوافلُ.

كلُّ الشُّمُوسِ نُحاسِيّةٌ،

والطريقُ رصاصٌ،

ولكنَّ ظلَّ القوافلِ

لا يستريحُ

ولا يتأخَّرُ عنْ موعدِ الاجتياحْ.