
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - سبع قصائد للموت
- 1 -
المكانُ الجميلُ هوَ القبرُ
حيثُ المودّةُ صافيةٌ
والهدوءُ عميقٌ،
وحيثُ الترابُ حَنونٌ
كعهدِ الزّهورِ بِهِ
والفَراشاتِ،
لا ضجّةٌ،
يعجزُ الصوتُ عنْ فتحِ أقفالِهِ،
وهنا لا خلافَ معَ اللَّونِ
كلُّ الخطوطِ تعانقُ أبعادَها
وتضاريسَها،
ليسَ في القبرِ متسعٌ للمخاوفِ
والحقدِ،
لا شيءَ يثقلُ صدرَ التشكُّلِ،
يا سيّدَ الحرفِ فاكتبْ هواكْ.
- 2 -
يا سيّدي..
أعرفُ أنَّ نرجسَ الحياةِ
يغويكَ بما يطلقُ منْ زينتِهِ الأولى،
وغيمَ الصيفِ يستأثرُ بالعينِ
وبالقلبِ،
وأنَّ القمرَ الفضِّيَّ يستهويكَ،
أنَّ نسمةً في آخرِ اللَّيلِ
تُضيءُ الجسدَ المضنى،
وموسيقى الصباحِ - في الشتاءِ -
تُنعشُ الرُّوحَ..
فماذا يجعلُ الموتَ الجميلَ
غرفةً مظلمةً
وَمَنْزِلاً بلا حبيبْ؟
- 3 -
صافياً مثلَ دمعِ العذارى
نقيّاً كسيفِ الرسولِ..
هوَ الموتُ يأتي إذا احتشدَ الرعبُ
في القلبِ
وامتلأتْ بالرِّمالِ عيونُ العصافيرِ.
يا سيدي..
"ضجعةُ الموتِ رقدةٌ يستريحُ ال
جِسْمُ فيها"...
فلا تكترثْ إنْ أتى،
والتقطْ صورةً معَهُ
لتراها - إذا ما اختفيتَ -
عيونُ الصديقِ المخاتلِ،
لا تسألِ العُمرَ
أيَّ ترابٍ سأدفَنُ فيهِ؟
وأيَّ مكانٍ سَيُعلنُ موتي؟
فإنَّ البلادَ هيَ الموتُ،
إنَّ الرفاقَ هُمُ الموتُ،
إنَّ المكانُ هوَ الموتْ.
- 4 -
تتغشّاني الدّهشةُ
أصعدُ في دَرَجٍ
منْ توقِ الكلماتِ،
وأدخلُ بستانَ اللُّغةِ الفاتنِ
أحلمُ أنَّ يدي تمسكُ مفتاحَ الضوءِ
وأنَّ ملائكةَ اللهِ يسيرونَ معي
صوبَ مدائنَ لا أحلى،
وحدائقَ لا أحلى..
هذا نهرٌ للشعرِ
وهذا نهرٌ للموسيقى،
حوريّاتٌ عندَ الشاطئِ
تفتحُ وردَ الإيقاعِ،
تُدَوْزِنُ لحناً بأصابعِها
يوشكُ أنْ يَشْرُدَ
عنْ ملكوتِ الشعرْ.
وأرى موتي!
يا الله امنحني داراً
في هذا الملكوتِ الأخضرِ،
واكتبني منْ أهلْ الحظوةْ.
- 5 -
في الطريقِ إلى اللهِ
شاهدتِ الرُّوحُ - في ضفَّةِ الموتِ -
حشداً منَ الأهلْ والأصدقاءِ،
الذينَ رأتْ رحمةُ اللهِ
أنْ يسبقوا القافلَةْ..
زملاءُ الطفولةِ كانوا هناكَ
على تَلّةٍ منْ لُجَينٍ
وكانوا - كعهدي بهم - يرتعونَ
ويستبقونَ،
ملابسُهم لم تعدْ رثَّةً ومرقَّعَةً،
وأصابعُهم تطأُ المسكَ والزعفرانَ..
هنيئاً لهمْ - قالتِ الرُّوحُ -
وانطلقتْ بي
إلى حيثُ يحتشدُ الأهلْ
والأصدقاءُ،
لنأكلَ منْ ثمرِ الخُلْدِ،
نشربَ منْ أبديِّ المياهْ.
- 6 -
وَضّاءٌ كأسُ الموتِ
كنجمٍ يتشمَّسُ قربَ البحرِ،
وفي غمضةِ عينٍ تشربُهُ الرُّوحُ
فيغشاها خَدرٌ
ونعاسٌ،
تتمايلُ
تخرجُ مني،
تمضي عبرَ فضاءٍ مغسولٍ بالعطرِ
مبلَّلَةً بالنشوةِ،
عادتْ نحوي،
حملَتْني إيماءاتُ يديها
اجْتَزْنا سُورَ الصَّفْصافِ،
دخلْنا قصراً شَفّافَ الجدرانِ،
رأى قلبي أرضاً ظلَّلَها الغيمُ،
وشمساً خلفَ تلالٍ بيضاءٍ..
أيُّ بهاءٍ هذا المنثورُ على الأفْقِ؟
وأيةُ أسماءٍ مترعَةٍ بالألوانْ؟!
- 7 -
يا سيّدي.. أسئلةٌ ساذجةٌ خضراءُ،
تعبرُ الفؤادَ..
أينَ ترحلُ الرُّوحُ؟
وكيفَ تصعدُ الأجسادُ في معراجِ نُورِها؟
وأيَّ جنّةٍ تضمُّ هذا الكَمَّ منْ أحزانِنا؟
وهلْ يرى الحرفُ ظلالَ نفسِهِ
وتقرأُ العبارةُ ارتعاشَةَ المعنى؟
وهلْ تموتُ الكلماتُ مثلَما نموتْ؟!




