اهتمامات

لماذا التركيز على الحسين بن علي دون غيره؟

السفير عبدالوهاب طواف يكتب: لماذا التركيز على الحسين بن علي دون غيره؟


عبر التاريخ قٌتل الكثير من الأنبياء والمرسلين، وكِبار الدعاة والمصلحين، وفي تاريخ الإسلام قُتل الخليفة الثاني عُمر بن الخطاب، وهو الذي فتح الشرق والغرب، ومثل إسلامه إضافة عظيمة للإسلام وللنبي، وكذلك تم محاصرة وإعدام الخليفة الثالث عثمان بن عفان هو وأولاده والتنكيل بزوجته في جريمة بشعة لم يحدث مثلها في التاريخ.
كذلك تم اغتيال الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، وكثير من الصحابة قتلوا في حروب علي ومعاوية على السلطة، وكلهم انتهت قصصهم، ورحلوا إلى ربهم، ولم يتبق منهم إلا ما يُروى للعِبرة والعِظة فقط.

فقط ظلت قضية مقتل الحسين قائمة وحية، تأكل وتشرب وتخزن القات حتى اليوم، بالرغم أنه قتل قبل 1400 عام بسبب خروجه على الدولة ومخالفته للجماعة، وحتى أن أهله من بني هاشم وعلى رأسهم أخيه محمد بن أبي طالب عارضوا تآمره على الحاكم المنتخب آنذاك، ورغم معارضه الجميع له، توجع إلى العراق بدون أن يًفوض بالخروج من أحد من المسلمين، أو يبايع للحكم من أي صحابي في المدنية المنورة أو مكة المكرمة، فقط سانده الفُرس وبعض أهل الكوفة قبل أن يتخلوا عنه ويعلنوا خضوعهم للدولة.

ولأنه كان شاب مندفعا ومتحمسا ومههوسا بالسلطة، وبلا خبرة سياسية، ذهب لمقاتلة الدولة وحيدًا إلا من بعض أبناء أخوته، الذين رافقوه بدافع القرابة لا القناعة، ولذا لن نجد اسم أحد من المسلمين قُتل معه في كربلاء، لمعارضتهم لمشروعه المسلح ضد الدولة.

وبعد مقتله، وجد الطامعون والطامحون في السلطة فرصة ثمينة للوثوب على الدولة واختطاف جزء من سلطتها ومالها، كما عمل عبدالله بن الزبير، الذي تبنى قضية الثأر له، وهو الذي سبق أن قاتل رفقة أبيه الزبير بن العوام علي بن أبي طالب وأبنائه الحسين والحسن في موقعه الجمل،
وكذلك فعل المختار الثقفي، الذي استولى على معظم العراق بمبرر ملاحقة قتلة الحسين، وفعلا تمكن من قتل الكثير ممن كلفتهم الدولة بإخماد تمرد الحسين، ولكن بمجرد أن حاز حكم بعض العراق، أرسل إليه عبدالله بن الزبير أخاه مصعب لقتله مع أهله أجمعين، وجمع هائل من المسلمين، في صراع دامٍ على السلطة.

وجد الفُرس في قضية الحسين فرصة لتحشيد الناس للانقضاض على الدولة الإسلامية والعربية، واستعادة نفوذهم في العراق ومحيطه العربي، فدعموا حركة التشيع بآل البيت، فتمكنوا عبر بني العباس من هدم الدولة الاسلامية العظيمة في دمشق، وأبدلوها بدولة طائفية في العراق، تتخذ من السلالة الهاشمية العباسية دستورا للحكم، وبمجرد اختطافهم للدولة،
وجهوا سيوفهم ضد أبناء عمومتهم العلويين، لتحدث مجازر هائلة من المسلمين بسبب الشبق الهاشمي للسلطة، وامتد خرابهم وعبثهم إلى اليمن، فكل هاشمي أتى إلى صعدة في ذلك الزمان شريدا طريدا، اصطحب معه الكثير من المرتزقة الفُرس، وخرقة بالية يثبت بها أنه ينتمي إلى مؤخرة علوية أو عباسية، وأنه وكيل الله والنبي في اليمن، وهات يا حروب ومفجارة وقلة دين.

سُفكت دماء الآلاف من المسلمين تحت رايات آل البيت، وها نحن في اليمن مازلنا نعاني من عبث الهاشمية السياسية حتى الآن، ولولا حزم وحسم الملك عبدالعزيز بن سعود وتمكنه من إنهاء السيطرة الهاشمية على الحجاز في نهاية عام 1924م لكانت السعودية اليوم مستنقعًا للعمائم السوداء والبيضاء، ولكان الحرم اليوم يُمثل أهم وأكبر مركز لتكريس الوثنية في المنطقة العربية، وبؤرة لنشر التخلف والطائفية والسلالية والجهل إلى جميع دول العالم.

استمرار إحياء قضية مقتل الحسين من قِبل الهاشمية في اليمن تهدف إلى تعميق الأحقاد والضغائن بين اليمنيين، وتوجيه مفاعيلها لخدمة أهدافهم السياسية في الحكم، وتهدف كذلك لإشغال اليمنيين عن أرزاقهم وأحوالهم ومزارعهم وترتيب أمور دنياهم بقصص قريش التي حدثت قبل 1400 عام، في حين أننا نرى الأسر الهاشمية مشغولة بالأراضي والفلل وترتيب أمور أولادهم في الخارج، واقتناء السيارات الفارهة.

حولوا الحسين إلى وجبات دائمة للبسطاء من الناس في العراق وسورية لبنان واليمن، بينما ذهبت الدنيا بخيراتها وزخرفها وأموالها ونعيمها إلى أصحاب العمائم السوداء وإلى أبناء الأسر الهاشمية في تلك البلدان الطاهرة.

ملاحظة:

أقصد بالهاشمية في كتاباتي الفكر السلبي السلالي المتطرف، ومشروعها السياسي المدعي والمؤمن بأحقية المنتمي إلى ذرية النبي أو علي بن أبي طالب للحكم دون الناس، ولا أقصد بها المنتسبين إلى بني هاشم بحكم المولد، أو التقدير والاحترام لمن يمتد نسبه إلى النبي، فليس لدي مشكلة مع أحد من الصحابة، ولا مع أي فرد فارق الدنيا، وأحترم جميع البشر، وأؤمن بحق الفرد بالانتماء والاعتقاد بأي دين أو فكر أو عقيدة أو مذهب، ما ظل هذا الاعتقاد بعيدا عن فرضه بالقوة على الناس.

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى