نازحو اليمن: بين مرارات التشرد والمرض
نازحو اليمن: بين مرارات التشرد والمرض - تقرير نورا الظفيري
"مازال هذا التاريخ محفور في ذكرتي 21يوليو2018م، كان يوم خروجي أنا وعائلتي الصغيرة من الحديدة، كانت الحرب في أشدها، أتذكر جيداً أني كنت الوحيدة في الحي من صمد طوال شهر شوال، فقد غادر جميع الجيران من الحي" تقول فاطمة بويرد (40 عاماً).
وتحكي فاطمة أن قرار نزوحهم كان في يوم عيد الفطر لذلك العام، وقد أشتد الصراع ، حيثُ كان منزلها قريب من مواقع الاشتباكات والضربات ، فانتظرت الأسرة حتى تهدى الأوضاع لكي تستطيع الخروج من المنزل والذهاب إلى صنعاء، "كان قرارنا أن نغادر الحديدة فترة إلى أن تهدئ الأوضاع ونعود".
"نتيجة للصراع نزح حوالي 4.3مليون شخص في السنوات الأخيرة، ويشمل ذلك حوالي 3.3مليون شخص مازالوا في حالة نزوح ومليون شخص من العائدين، كما تشير التقديرات إلى أن حوالي (685000) شخص فروا معظمهم من الحديدة، حيثُ تصاعدت حدة الصراع في شهر يونيو2018م" وفقاً لتقرير نظرة عامة عن الاحتياجات الإنسانية 2019م.
وتكمل فاطمة أن عند وصلهم إلى صنعاء من الحديد نزحا إلى أسره أقرباء لهم، وتم سؤالهم عن مكان يذهب إليه النازحين، بعدها سكنة الأسرة في مخيم النازحين مدرسة أبو بكر الصديق لمدة شهرين أغسطس وسبتمبر من عام 2018م.
وتتابع "اكتشفت مرضها بسرطان الثدي وهي في مخيم النزوح، حيثُ كان لديها كتلة في الصدر، فقامت بالحجز في مركز الحياة، بصنعاء، وعملت الفحوصات اللازمة وتم طلب منها عمل خزعة، وطلعت نتائج الفحص بوجود ورم سرطاني كان وقتها عيد الأضحى، بضحكه تكسوها الألم "طبعاً عيدت عيد عرفه في المدرسة مع النازحين، كان عيد أول مرة نعيده في حياتنا الحمدلله، أيام لا يمكن أنساها".
وتضيف طلب مني الدكتور عمل ثلاث جرع كيماوي قبل عمل عملية استئصال الورم، وأخذت أول جرعة لي في مدرسة أبوبكر، حيث تم تجهيز عيادة في المدرسة.
تشير بيانات إدارة الإحصاء، في المستشفى الجمهوري في صنعاء إلى أن إجمالي عدد الحالات المصابة بسرطان الثدي المسجلين على مستوى اليمن خلال عام 2019م، وصل إلى 858 حالة ما نسبة من 15% إلى 18% من جميع حالات الأورام السرطانات في اليمن.
وتحكي فاطمة وضعهم بعد ما طلب منهم مغادرة المدرسة لمطالبة المدير بإخراج النازحين للبدا في عام دراسي جديد، حيثً قامت إحدى المنظمات بدفع لهم مبلغ مالي مقابل خروجهم من المدرسة، للبحث عن سكن وتوقيعهم على أوراق تقول: "بهذا المبلغ اشتريت جرع الكيماوي لعدم توفره في الجمهوري "بعدها المنظمة كانت تعطي سلة غذائية كل شهر، ثم تحولت إلى سلة غذائية كل شهرين".
وتسرد فاطمة أن بعد خروجهم من المدرسة نزحا إلى منزل أقرباء لهم لمدة شهر ونص، ثم سكنا فندق قريب من مستشفى الكويت من أجل أجراء العملية الجراحية.
وتروي فاطمة أنها عندما كانت بالمستشفى جاءت لزيارتها قوته، حيثُ لم يكن يتعرفن على بعض من قبل، تطمئنت قوته على فاطمة ورفعت من معنوياتها خاصة أنها مرت بنفس هذه التجربة، ثم بعد ذلك تعرفت فاطمة على باقي بنات المجموعة التي جمعتهن معاناة مرض واحد، للاستشارة وتبادل النصائح مع بعضهن البعض.
وتقول فاطمة في حق قوته أنها دائماً تبحث عن داعمين للمريضات، وتوفر الأدوية لهن، وتطمئن على حالاتهن الصحية وتقوم بتنسيق لعمل لهن رحلات ترفهيه.
وتضيف فاطمة أنه عن طريق المجموعة التي أنشأتها قوته أصبح لديها صديقات مقربات تتواصل معهن وتطمئن عليهن وهن كذلك، ومنهن صديقتها حياة التي تسأل دائماً عليها ولكن لم تشاء الأقدار أن تجتمع معها في الواقع بسبب سكن كلاً منهن.
قوته نافذة أمل
قوته سنان المرأة الخمسينية، إحدى ناجيات مرض سرطان الثدي، والتي خرجة من تجربتها مع المرض بإصدار كتاب يضم تجارب ناجيات وإرشادات وتعليمات عن المرض والذي حمل أسم "الأورام السرطانية: شفاء محقق".
تصف قوته فاطمة "أنها إنسانه خلوقه وطيبه، إلى أبعد الحدود وذات قلب نظيف محب للخير ومعترف للجميل مهما كان صغير".
وعن كيف تعرفت قوته على فاطمة تقول: تواصلت إحدى قريبات فاطمة من السعودية، بأختِ وطلبت منها أن أذهب لزيارة فاطمة لدعمها وتشجيعها لمحاربة المرض.
تتابع قوته "زرتها بعد العملية في مستشفى الكويت، كانت تحس نفسها غريبة في صنعاء وما في أحد من أهلها، كانت سعيدة بزيارتي لها، خاصة أنها لا تعرفني ولا حتى أنا وإنما جمعنا ألم لمرض واحد".
وتقول قوته: لقد ذهبت لفاطمة وشجعتها على مواجه المرض، وتبادلنا أرقام الهواتف، وقمنا أنا وباقي المريضات بدعمها نفسياً، حيثُ نعتبر أن هذا المرض لابد من محاربته وأن ننتصر عليه.
مؤسسة الشفقة
وفي رحلة البحث عن سكن تروي فاطمة " بعدما أشارت عليا قوته على أن لمؤسسة الشفقة سكن لمرضى السرطان، ذهبت وقابلت المدير أنا وزوجي وأطفالي، تفاجأ المدير وقال: أنتو عائلة كبيرة، قلت: له ما عندي مكان وأين أروح؟ قال: أحنا نستقبلك، فاستقبلوني مع عائلتي، وما قصروا معي".
وفي حديث لرئيس مؤسسة الشفقة واثق القرشي يقول: بأن المؤسسة مكان لرعاية مرضى الفشل الكلوي والسرطان ممن هم من مناطق بعيدة عن أمانة العاصمة وفقراء، وتتمثل خدماتهم في السكن، وتغذية، وتقديم الأدوية وعمل الفحوصات والأشعة، وتوفير المواصلات للمرضى والتنقل إلى مراكز العلاج، كما تحاول المؤسسة توفير للمرضى نسبة 80%إلى 90% من احتياجاتهم داخل أمانة العاصمة.
وفي حديثها تقول فاطمة: أقمت في مؤسسة الشفقة واستقريت بها وأكملت رحلة علاجي، إلى أن تم أخلاء السكن بسبب أزمة كورونا، لم يكن هناك مكان نذهب إليه إلا بيت عم زوجي سكنا لديهم إلى أن استطعنا توفير سكن لنا، كان عم زوجي مدرس هو وزوجته عشنا معاناتهم بسبب انقطاع الرواتب ومشاكل الايجار.
وتضيف "جلسنا نبحث عن سكن إلى أن حصلنا غرفه مفروشة مع حمام لا غير ب(40ألف)، المهم شيء يسترنا ولا نجلس نضيق على الناس".
يشير تقرير نظرة عامة عن الاحتياجات الإنسانية 2019م، إلى أن (74%) من النازحين داخلياً ممن هم خارج مواقع الاستضافة يعيشون في مساكن مستأجرة (43%)، أوفي مجتمعات مستضيفة (22%)، هذا الأمر يضع عبئاً إضافياً إلى الأسر المستضيفة والمجتمع الأوسع نطاقاً وكذلك النازحين داخلياً الذين يقومون بدفع الإيجارات.
صعوبة الرجوع إلى الحديدة بعد المرض
تقول فاطمة: "كان من الصعب رجوعي إلى الحديدة، خصوصاً بعد ما أكد الدكتور على ضرورة عمل أبره شهرياً، وكل ثلاث شهور أشعه مقطعية، والوضع في الحديدة حرب ولا يتواجد أدويتي، حيثُ أنها متوفرة في صنعاء، أذهب للمستشفى الجمهوري كل شهر، حيثُ يوفروا لي الإبرة الشهرية مجاناً مع حبوب أخذها بشكل يومي".
وبحسب تقرير نظرة عامة عن الاحتياجات الإنسانية 2019م "أن في اليمن فقط 51%من المرافق الصحية مازالت تعمل".
لحظة المعاناة يتكاتف الجميع
تتحدث الدكتورة لينا العبسي أستاذ مساعد في المشكلات الاجتماعية "أن النازح يواجه طبيعة حياة قاسية جداً، ويرضى بالعيش في ظروف أقل بكثير من التي كان يعيشها في منطقته، قد يكون يعيش في بيت مكون من دورين وفي حالة النزوح يعيش في غرفه يسكن فيها هو وجميع أفراد عائلته".
وتصف العبسي إلى أن المجتمع اليمني مجتمع مضياف، حيث تجد الكثير يتقاسمون فيما بينهم لقمة العيش رغم العوز والحاجة، كما يعد المجتمع اليمني متعاون بطبيعة الحال لا يترك مساحة أن يعيش الغريب في حالة الوحدة ويقدم المساعدة بالإمكانيات المتاحة له.
وتوضح العبسي الجانب الإيجابي الذي برز لوسائل التواصل الاجتماعي، في قصة فاطمة حيثُ أنه تم عملية التواصل فيما بين بنات المجموعة وقرب المسافات فيما بينهن، وأوجد علاقات اجتماعية إيجابية، تشارك الجميع من ناحية المرضية، والاحساس بالمسؤولية كل منهن أتجاه الأخرى، بحكم الاحساس بمعاناة تجربة المرض.
وتصف الدكتورة لينا فاطمة بأنها رغم كل المعاناة من مرض ونزوح الا أن هناك جانب أمل في شخصيتها، حيث أنها شخصية تبحث عن مخرج وحلول لكل ما قد تتعرض له، وهي تمثل صورة إيجابية للمرأة النازحة.
اقرأ أيضاً: