الأمن في اليمن.. ما بين أعين الداخل وعدسة المراقب الدولي
وائل الهمداني يكتب: الأمن في اليمن.. ما بين أعين الداخل وعدسة المراقب الدولي
- بحكم عملي في وزارة الخارجية ومتابعتي لملف العلاقات اليمنية-الأمريكية استوعبت الأبعاد المختلفة لهذه العلاقة أو أزعم أني فهمت محدداتها، وهناك محاور عدة تحكمها في مقدمتها بالطبع مكافحة التطرف والإرهاب ومراقبة حركة الأموال وضبط تمويل التطرف والارهاب.
واليمن باعتبارها دولة غير مستقرة تمر بظروف استثنائية وتشهد صراعاً عسكرياً دامياً فإن حركة الأموال والبشر في الدول والأوضاع المماثلة تسترعي اهتمام الدول الكبرى وصناع القرار الدوليين.
وفي الوقت الذي تتسمر فيه الأعين على الفضائيات وتتناقض التصريحات الاعلامية يتركز الاهتمام الدولي الفعلي على قَضايا محددة ومجريات بعينها، وفي مقدمتها كما أشرت أعلاه حركة الأفراد والأموال نتيجة للصراعات العسكرية، وهذه في طبيعتها تحركات قوية وجارفة ويصعب التحكم بها في ظروف السلم ناهيك عن اوقات الحرب والصراع.
وبسبب الحرب الدائرة في البلاد فقد تحركت رؤوس أموال ومقدرات عديدة ومشاريع من داخل اليمن إلى خارجه واتضح ذلك من خلال تشكل جاليات يمنية ورؤوس أموال ومشاريع عديدة يملكها يمنيون في تركيا والامارات ومصر ولبنان ودول اخرى في المنطقة وخارجها، ولا يخرج هذا عن طبيعة الحراك والتفاعل الانساني والتوجه الاقتصادي السائدة منذ الماضي القديم إلى اليوم …
كما حدثت حركة محلية/داخلية لرؤوس الأموال من صنعاء ومدن أخرى هروباً من آثار الصراع وعواقبه الوخيمة إلى أماكن عدة داخل البلاد أبرزها مأرب الحاضرة التي نمت من مدينة سكانها 200 ألف فرد إلى ما يتجاوز المليونين !! وأصول ومبالغ أخرى أقل انتقلت الى حضرموت والمهرة حيث لم تصل الحرب وتجثم بثقلها المباشر على تلك المناطق.
وكلنا يرقب ما يحدث في مأرب الآن وما تشهده من تهديدات ومأرب الآن ليست مجرد مدينة أو موقع جذب استثماري بل هي رمز وهدف وحد وفاصل للصراع الدامي في البلاد، وأياً كانت التوجهات أو التطمينات من قبل المتصارعين لابناء مأرب أو من وفدوا إليها فإن رأس المال يظل جباناً ولا يركن إلى التطمينات والوعود الواهية وينزع بشدة إلى الخلاص والانتقال إلى أماكن أكثر أماناً واستقراراً وأقل خطورة وجنون.
لكن مع حركة الاموال والأفراد تأتي التهديدات وتظهر المخاوف المشروعة للدول بل للمجتمع الدولي ككل …
وستطرح تساؤلات!! ماذا يعني تهديد مأرب أو صمودها أو سقوطها بالنسبة للأمن والسلم في الاقليم والعالم ؟!؟ وهل سيترتب على نزوح رؤوس الأموال منها بسبب عدم الاستقرار فيها إلى نشوء تهديدات ينبغي على المجتمع الدولي التيقظ لها ؟!؟ أكرر أن ما أطرحه عليكم الآن هو مخاوف تقلقني وتهديدات أخشاها ويخشاها أيضاً المعنيون بأمن المنطقة والمسؤولون عن كبح جماح تهديدات التطرف والارهاب التي قد تخرج منها وتؤثر على ما حولها …
لا أتنبأ بشيء ولا أتوقع الصمود أو السقوط بقدر ما أريد التحذير من عدم الاستقرار وتحرك الأموال والنزوح المفاجئ للبشر بسبب التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار، لا على اليمن فحسب بل على الاقليم والعالم من حولنا، السلام في اليمن غاية لابد من تحقيقها وبما يضمن مصالح الجميع والتعايش فيما بينهم وكل من يجازف بامن اليمن والمنطقة ويظن أن الامر مجرد لعبة يمكن إطالة أمدها أو تقصيره وفقاً للأهواء والنوازع والمصالح فتفكيره قاصر ولا يعي الصورة الأعمق ولا يرى المشهد الأبعد..
علينا كيمنيين تطمين الاقليم والعالم من حولنا بتحقيق السلام ووقف النزيف والحروب ونزوح الاموال والبشر لان خلاف ذلك يعني حصرنا في خانة التهديدات وعوضاً من أن نكون شركاء العالم في الاستفادة من مقدراتنا وموقعنا وميزاتنا الجغرافية والاستراتيجية سنظل مثار قلق ووتوجس المجتمع الدولي الذي لن يفرق بين ضحية وجاني بل سيرى هذه البقعة من العالم بؤرة تهديد لابد من تفادي الشرور القادمة منها بأي ثمن وبأية وسيلة بغض النظر عما يعني ذلك لقاطنيها والمتحاربين عليها من بنيها.
* دبلوماسي في سفارة اليمن في واشنطن