[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

علي محمد سعيد أنعم: بانوراما من الميلاد إلى الإيقاد (7+8)

لطفي نعمان يكتب حول علي محمد سعيد أنعم: بانوراما من الميلاد إلى الإيقاد (7+8)


(7)

موت الإمام أحمد داهم الثوار:
موت الإمام أحمد طبيعياً يوم 19 سبتمبر 1962م، داهم مخطط اغتياله المعد من بعض الثوار والمتفق عليه مع القيادة المصرية، وصادف يومذاك أو أسبوعذاك مرور عبدالقوي حاميم بالقاهرة عائداً من موسكو فالتقى بأنور السادات ليتلقى منه إنذاراً بسحب وعد الدعم المصري المباشر ما لم يتم ما أُبرِم بشأن الثورة في اليمن –وإن توفي الإمام أحمد طبيعياً- فكل شيء جاهز والقوات المصرية في البحر -حسب رواية الشيخ علي محمد سعيد-، ونقل حاميم الرسالة إلى رفاقه بتعز «سعيد ومطهر» الذين كلفوه بزيارة صنعاء لإبلاغ الأحرار هنالك، فوصل صنعاء تحت غطاء تعزية البدر وتهنئته بتنصيبه إماماً، ونقل للأحرار فحوى الرسالة المصرية ليجيبوه طالبين شحن الذخائر المخزونة في تعز، فتولى علي محمد سعيد ورفاقه عبدالغني مطهر وأحمد ناجي العديني المهمة.

تفاصيل بعض ترتيبات اللحظات الأخيرة:

وباستجابة أحرار تعز لطلب أحرار صنعاء، بدأ الفصل القصير والأخير من تقريب آخر ساعات المملكة المتوكلية اليمنية وأول لحظات الجمهورية الجديدة، ويفصّله علي محمد سعيد -في بعض المواضع- على النحو التالي:

جرى إعداد شحن الذخائر عبر شركة الطيران بحكم عمله عضواً بمجلس الإدارة، ورُتِّب أيضاً:
- موعد الرحلة.
- المسافرون عليها مرافقين للشحنة وهم: أحمد ناجي العديني باعتباره رجل المهمات الصعبة واتصافه –حسب علي محمد سعيد- بالشجاعة والإقدام، علاوة على أنه تاجر في منأى عن المراقبة.. وكذلك الملازم علي الضبعي أحد أفراد خلية الضباط بتعز المتواصلين مع التجار الأحرار وهو الذي يعرف لمن ستسلم الشحنة.

وقد بادر العديني والضبعي فعلاً إلى السفر يومذاك لولا أن الأخير حينما شاهد قائد الجيش أحمد الآنسي في المطار، نزل من الطائرة ليزيح أي شك محتمل إزاء وجوده على متن الطائرة بغير مهمة رسمية أو إذن وتكليف رسمي.

ونظراً لهذا التغير المفاجئ في الخطة، ولعدم معرفة أحمد العديني إلى من ستسلم الشحنة، أرسل علي برقية شفرة تجارية فحواها «سلم قيمة البضاعة لسيف عبدالرحمن». فورد الجواب مطمئناً على وصول العديني مزيلاً لقلق المجموعة، ومبشراً بضبطه لأعصابه أمام بعض مستفزيه في المطار، وكذا أدائه الأمانة إلى سيف عبدالرحمن.

ولكن العديني سافر إلى صنعاء دون أن يخبر علياً الذي خشي من وقوع العديني في قبضة عساكر الإمام وانكشاف أسماء المجموعة، فحمله قلقه على السفر إلى الحديدة ليبحث عن رفيقه، بل ويفيد ابن محمد سعيد بأن في ذهابه هو من تعز إلى الحديدة بحثاً عن العديني منجاة من خطر السجن بالهرب عبر البحر حال افتضاح نشاطه ومجموعته وارتباطهم بما يدور. لكنه فوجئ بلقاء العديني وحاميم عائدين من صنعاء إلى الحديدة.

في تعز.. وكتابة الوصية ليلة الثورة:

عاد الشيخ علي إلى تعز عاصمة المملكة والمحطة الاستراتيجية الأهم لدى وضع كل خطة عسكرية ساعة الصفر، وتقرر إحكام السيطرة عليها لا سيما وعدد من رجالات وأركان النظام ما يزالون فيها، فكان علي في طليعة المدنيين والعسكريين الذين سيطروا على تعز نهار الخميس 27 سبتمبر. إنما بعد ليل طال الخوف فيه علياً من فشل الثورة، وما يستتبعها من أثر على مصير الآخرين المرتبطين به وهو المرتبط بتفاعلات تحضير اللحظة الأخيرة التاريخية في عهد الإمامة وحياكة شمس أول عهد الجمهورية.

فإبراءً لذمة من معه مما ذهب إليه بنفسه، اندفع يكتب رسالة إلى أعمامه جازم وهايل وعبده سعيد أنعم يحمّل نفسه فيها مسئولية ما صرف من أموال الشركات دون علمهم، ويسألهم المعذرة والمسامحة موصياً إياهم بابنه "محفوظ" الذي يصير به إرث أبيه "محفوظاً".

السيطرة على تعز صباح الثورة:

ما أشرق نهار الخميس 27 سبتمبر إلا وقد أذيعت بيانات الثورة الأولى، ما بعث على نفس علي بن محمد سعيد الاعتزاز والفخر والثقة الكاملة ما لم تكُ الزائدة بالنفس، حد «الهنجمة» كما يصف سلوكه يومذاك، والتوجيه للعسكر بفتح الراديو المعلن نهاية الإمام البدر وبداية الجمهورية والثورة، مخرساً ألسنة مكذبي الخبر. ولم يكتفِ بذلك بل طاف بسيارته وقد هيّأ لها ميكروفوناً ومذيعاً متنقلاً هو سعيد أحمد الجناحي الذي ملأ أرجاء تعز من متن سيارة علي محمد سعيد بهتافات الثورة والجمهورية.

وكانا يجمعان في طريقهما مظاهرة جماهيرية حاشدة بعثرت أفراد الجيش المجتمعين هناك لمبايعة الإمام يومها في الميدان، علماً بعدم تجمع كافة قوات النظام الإمامي من عساكر البراني والعكفة، فأفراد الجيش النظامي تحديداً قد انخرط معظمهم في خط الثورة إذ كانت بينهم المجموعة العسكرية التي يتصدرها الضباط المنسقون مع علي محمد سعيد: علي الضبعي وسعد الأشول وأحمد الكبسي بإيعاز من القاضي عبدالرحمن الإرياني، حسب الذين أقنعوا قائد الجيش بتعز أحمد الآنسي بإصدار أوامره للجنود كافة بالتعاون مع ضباط الثورة فتجاوب معهم.

ويذكر علي محمد سعيد عن ذلك اليوم الذي أحكم فيه المدنيون والعسكريون سيطرتهم على المدينة، أن لم تك هناك مقاومة تذكر إلا من ابنة الإمام أحمد أخت الإمام البدر زوجة عبدالله عبدالكريم في دار النصر إلى أن هددهم محمد مفرح بالمدفعية. وكان بين أدوار علي محمد سعيد ذلك اليوم حصر ما في دار الناصر.

بانوراما من الميلاد إلى الإيقاد (8)

 

من قلب العمل الحكومي إلى صدر العمل الاقتصادي الوطني:

ساعد دوره الوطني على ضم اسمه في أول تشكيل حكومي للثورة بعد إعلان الجمهورية فعين وزيراً للصحة، ومع توسعة مجلس قيادة الثورة وتقرير الموازنة بين القوى العسكرية والمدنية كان ضمن جملة المدنيين أعضاء مجلس القيادة في أكتوبر 1962م، ثم عضواً بمجلس الرئاسة في أبريل 1963م وتقلد منصب الوزير في عدة حكومات، وانضم إلى الوفود الرسمية الزائرة لعدد من البلدان الصديقة والشقيقة وحضر إبرام معاهدات التعاون والصداقة مع الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، وكان ممن وقعوا اتفاقية التنسيق بين الجمهوريتين العربيتين المتحدة واليمنية عام 1964 إلى أن صار مستشاراً لرئيس الجمهورية عبدالله السلال. وكان موضع تعريف الصحف المصرية الصادرة تلك الأيام بأنه «من كبار رجال المال والاقتصاد، وكان يمد الحركات الوطنية بالمعونات المالية». كما كان موضع تكريم الرئيس والزعيم الراحل جمال عبدالناصر اذ قلده وسام النيل عام 1963.

وبقي في عمله الحكومي إلى أن قدّر وعمه هايل سعيد أنعم أهمية حماية الثورة والنظام الجمهوري من خارج مواقع السلطة التي أغراها علي محمد سعيد بالإبقاء عليه أكثر مما أغرته هو على البقاء فيها.

فانصرف آخر عهد المشير السلال إلى إيقاد الثورة الحقيقية: البناء والتنمية في مجال الاقتصاد. إلا أن الهم الوطني لما يفارقه، فتجده عند الملمات وقد أطبقت سماء الجمهورية، مسرعاً إلى تبديدها كما فعل يوم حوصرت صنعاء وهو عائد من موسكو ليلتقي ثانيةً (إذ التقاه قبلاً فور حركة 5 نوفمبر 1967م) برئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني في الحديدة فيضع بين يديه الدعم المطلوب منه ومن باقي التجار والمدنيين.

وبعد طلوع عمه هايل وأركان الشركة من أبناء الحاج هائل: أحمد وعبدالرحمن وعبدالواسع وعبدالجبار من عدن عام 1969م أسهم علي في تثبيت النشاط التجاري لهائل سعيد أنعم وشركاه المعروفين بالسمعة الطيبة على امتداد اليمن.

وبدخول البلاد مرحلة السلام الوطني والبناء الديمقراطي وإنشاء مجلس الشورى بعد أول انتخابات برلمانية عام 1971م يختار عضواً بمجلس الشورى من عام 1971م – 1975م. وينخرط أيام الرئيس إبراهيم الحمدي في الاتحادات العامة كاتحاد الصناعات اليمنية وينتخب رئيساً لها، إلى أن عين عضواً بمجلس الشعب التأسيسي عام 1978م في عهد الرئيس أحمد الغشمي.

ويكون شريكاً أيام الرئيس علي عبدالله صالح في لحظات ميلاد الوحدة اليمنية عام 1990م، وحاضراً أهم لقاءاتها، مبادراً بعرض ما يخطر له من رأي في مجال اختصاصه.. مساهماً في أخطر لحظات البلد باذلاً من المال والجهد والعطاء ما استطاع. بل ومدفوعاً إلى تبني مشاريع استراتيجية كانت تشكل هماً بالنسبة له.

ومواكباً لحراك التغيير الأخير والتسوية السياسية التي حطت بالرئيس عبدربه منصور هادي في سدة السلطة بموجب المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية المبكره عام 2012م.

وبقي الشيخ علي محمد سعيد (عضو مجلس الشورى) على مدى عمره المديد «من الميلاد إلى الإيقاد» موضع تقدير واحترام.

خلاصات:

التكامل والإخلاص: لا يخلو عمل وطني من تكامل أدوار السياسيين والاقتصاديين والعسكريين ومختلف أطياف المجتمع، مما يثبت أيضاً أن من بين هذه الأدوار الموسومة بالاستغلال والانتهازية ما ليس انتهازياً، بل تكون الوطنية والإخلاص للقضية سمة أساسية، على النحو الذي برز به التجار الوطنيون، حتى إن استندوا على مكانتهم السياسية كالشيخ علي محمد سعيد الذي تبوأ مناصب عضوية مجالس قيادة الثورة والرئاسة، ووزارة الصحة والدولة، ورئاسة مجلس إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير.

الوحدة والذوبان المؤسسي: يفصح علي محمد سعيد عن حقيقة الرصيد الوطني لمجموعة هائل سعيد وشركاه وتكوّنه من موارد المجموعة وليس من مورده الشخصي. ومرد ذلك حقيقةً إلى صدق الالتزام والإيمان بضرورة العمل المؤسسي والاهتداء إلى تكامل الجيل الأول بمختلف مشاربهم في المجموعة، والتي نمت جذورها بإيمان وتكامل الأب والأعمام والجد في نشاطهم الخيّر بالقرية. فانطبق فيهم قول الله حَقّ وصَدَق: «فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هُدى».

الاحترام وربط الأجيال: يميز علي محمد سعيد احتفاظه بالعلاقات الإنسانية مع مختلف الأطياف الوطنية على مدى عقود عمره، توطيداً لصلاته بمن واكب معهم الثورة اليمنية الأولى: فبراير 1948م المعروفة بالثورة الدستورية، وأيضاً الثورة اليمنية الثالثة: سبتمبر 1962م المعروفة بالثورة السبتمبرية، فكان العازل والمانع دون تمادي بعض الصغار على بعض الكبار.

النزوع إلى الخير: ألقيت بذرة النزوع إلى الخير في الجد سعيد ونمت في البنين وترعرعت في الأحفاد وأبنائهم يتصدرهم الآن علي محمد سعيد وأحمد هايل (رحمه الله) وإخوته عبدالرحمن وعبدالواسع وعبدالجبار ونبيل ومن بني عمومتهم محمد عبده سعيد وبقية إخوتهم وبني عمومتهم «جازم وعبده سعيد»، وأنجالهم من بعد "محفوظ" و"شوقي" و"وليد" و"طارق" و"أسامة" و"رامي" ومجايليهم من إخوتهم وبني عمومتهم، والشاهد ما بنت أيديهم على امتداد الوطن شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً، من مدارس ومستشفيات ومراكز وجامعات ومؤسسات.. وغيرها من منافع للناس.

- الصورة أيام الشباب، أرشيف منتدى النعمان الثقافي

زر الذهاب إلى الأعلى