يمنيون للدراسات يقيم ندوة اليمن الهوية وتاريخ الدولة - ملخص
مركز يمنيون للدراسات يقيم ندوة اليمن الهوية وتاريخ الدولة - ملخص النقاشات للمشاركين يسلط الضوء على محطات تاريخية من الماضي البعيد إلى القريب
أقام مركز يمنيون للدراسات ندوة "اليمن الهوية وتاريخ الدولة" مساء أمس السبت، عبر منصة ZOOM، وذلك ضمن تدشين الخارطة الثقافية والبرامجية للمركز لهذا العام2022م، والمخصصة لمناقشة الدولة ومفاهيمها في اليمن.
وحسب بيان حصل نشوان نيوز على نسخة منه، تضمنت الندوة توصيات أهمها دعوة الباحثين والمهتمين إلى الاسهام والمشاركة والقيام بعملية البحث في التاريخ السياسي اليمني في مختلف العصور اليمنية، وتوثيق هذه المراحل والخروج بخلاصات يمكن الاستفادة منها في الإجابة عن سؤال الدولة، ورسم ملامح المستقبل.
وجرى التركيز على مسألة الهوية والتي على أساسها تبنى الدولة، بالإضافة إلى التركيز على الدولة ومفاهيمها عند مختلف الاتجاهات السياسية في اليمن، والخروج بمفاهيم توفق بين الجميع، وتضمنت التوصيات دعوة حركات المجتمع الفاعلة إلى مد جسور التلاقي الثقافي مع مختلف القطاعات الثقافية والاجتماعية في جنوب الجزيرة العربية، لإزالة وإذابة الحواجز الطائفية والعنصرية التي يحاول البعض وضعها بين مكونات المجتمع الواحد.
المحور الأول
تضمنت الندوة محورين رئيسيين، كان المحور الأول بعنوان (التاريخ والهوية في اليمن القديم) قدمه البروفيسور عارف أحمد المخلافي أستاذ تاريخ الشرق والجزيرة العربية القديم بجامعتي صنعاء وأم القرى، تطرق فيها إلى الهوية في الدولة اليمنية القديمة، وقال إنها عابرة للأجيال والحقب، ولم تتغير بتغير الظروف والأهواء، ساعدت الجغرافيا المتنوعة بين السهول والجبال والسواحل والصحاري، وكذا البيئة والتنوع المناخي في تشكل الهوية.
وأضاف أن كل ذلك أدى إلى ربط الإنسان بالجغرافيا المتنوعة، فتعدد الإنتاج الزراعي من منطقة إلى أخرى أسهم في تشكل الأسواق والتواصل بين مكونات المجتمع، وهذا بدوره أدى إلى الشعور بالتكامل وضرورة التعايش، مضيفاً أن هذا التعايش نقل الخبرات والخيرات والمحاكاة والتعلم في كل أرجاء اليمن.
وأشار البروفيسور المخلافي إلى التشابه بين أنظمة الحكم في اليمن القديم، "هو نظام موحد في كل ممالك اليمن القديم" ويعود السبب إلى وحدة الهوية والثقافة والإنسان والمجتمع والفكر والديانة.
وأشار إلى وجود تمايز بين تلك الأنظمة في أساليب الإدارة والحكم، كان نظام الحكم وراثياً تشاركياً، يوجد ملك ويطلق نفس اللفظ على أخيه أو ابنه الذي سيحكم من بعده، لم يكن هناك ولياً للعهد، لم يكن هناك رجل أول ورجل ثاني، بل هما في نفس المقام، مما سهل التشارك في الحكم وانتقاله بشكل سلس، وهذا نظام تفردت وتشاركت فيه الممالك اليمنية القديمة.
كما تميزت أنظمة الحكم بالشورى، فهناك مجالس للشورى يطلق؛ عليها الملا، المسود، المثامنة، المعاشرة ، لكل مملكة مجلس استشاري، ويعود السبب في ذلك إلى روابط الهوية والثقافة والفكر الواحد، فالملك لا يتفرد بالحكم بل لديه مجلس استشاري مركزي، ومجالس استشارية محلية، وهناك نظام مركزي وحكم محلي، الملك يحكم، والقاعدة المكونة للحكم المحلي تسيطر.
وتابع أن هناك نظام يتكامل من حيث الاستشارات وضبط الأمن وتصريف موارد الدولة الاقتصادية وضبطها، والمجلس المحلي يمثل الشعب يتم اختيار أفراده من أصحاب الرأي والقرار ومن القيادات المؤثرة مجتمعياً ، وأطلقت ألقاب ؛كبير، قين، قيل، على أعضاء هذه المجالس والرؤساء، كما أن أنظمة الحكم في الممالك اليمنية قامت على التراتبية والانسجام والدقة المتكاملة، وكل هذا أتى عبر الاندماج المجتمعي.
وأكد أستاذ التاريخ القديم على أن الممالك القديمة في اليمن عرفت أنظمة التشريع وسن القوانين وإعلام المجتمع بها، عن طريق نشرها في أماكن التجمعات السكانية والأسواق، حتى يتم معرفتها من قبل المجتمع، كما كان عليه الحال في مملكة قتبان، وكان لكل ملك موظفاً خاصاً يطلق عليه (مود) وهو نديم أو صديق الملك ومستشاره الخاص.
وبين أن كل مملكة يمنية تميزت بأعمال خاصة بها تميزها عن غيرها؛ فمملكة معين تميزت بتطوير النظام الاقتصادي، فقد استحدثت مستوطنات اقتصادية جديدة خارج حدودها الجغرافية، ووصلت إلى إنشاء مستوطنة في ديدان بالعلا وفي جزيرة (ديلوس) باليونان، بينما تميزت مملكة سبأ في بناء السدود وتوحيد الدولة..
كما أوضح أن مملكة قتبان تميزت بسن القوانين وتنظيم الاقتصاد وإنشاء الأسواق، وتمزيت مملكة حضرموت بتنظيم الموانئ وتحسين مزارع انتاج اللبان والبخور، مضيفاً أن الجانب الاقتصادي عزز جانب الهوية في المجتمع اليمني، وجعلها عابرة للأجيال، فقد مثل طريق البخور الممتد من حضرموت إلى غزة بفلسطين ذروة التشارك بين الممالك ليمنية، وحتى في ظل وجود صراعات لم تقم مملكة بمنع أخرى من المرور التجاري عبر أراضيها، فالاقتصاد ركيزة مشتركة بين الجميع.
وقال الدكتور عارف أن مفردات النقوش كانت واحدة في مختلف الممالك اليمنية، مع اختلاف اللهجات، مصطلحات التجارة والزراعة أيضا واحدة، وكذلك المسميات الإدارية والوظيفة موحدة في مختلف الأنظمة السياسية اليمنية.
وأشار إلى أن ذلك، بمعنى وجود فكر موحد وهوية واحدة للجميع، ولوحظت الهوية اليمينة الواحدة في الفنون والأزياء، والنحت أيضا نفس الأشكال، والحياة الاجتماعية بذاكرتها الجمعية تكونت من أبسط جزئيات الحياة اليومية، وتتوسع إلى الكليات، وتترسخ في العقول وتشكل الهوية الجامعة لكل الناس، كما أن خط المسند بكتابته الواحدة لم تكن مختلفة باختلاف الممالك، النصوص الأدبية والاجتماعية واحدة وثقافة واحدة.
كل ذلك، وفق المتحدث،ـ بالإضافة إلى أن العادات والتقاليد كانت متقاربة ولا اختلاف بينها، فالمسميات السياسية لم تكن سوى تميز للأنظمة السياسية، لكن المجتمع حافظ على واحديته وهويته، برغم حدوث بعض الحروب بين الممالك اليمنية القديمة أدت إلى إضعاف الدولة، الهوية أعادت المجتمع إلى قوته، وأعيد بناء الدولة القوية بعد مرحلة الضعف.
وأضاف: يمثل اللقب الملكي في عصر مملكة سبأ وذي ريدان الجامع لأسماء كل الممالك اليمنية بشكل لا يعني السيطرة بقدر ما يعني الانتماء لكل الأسماء التي فيه، (ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهايم).
ونوه أستاذ التاريخ القديم إلى أن الدين في اليمن القديم عزز الهوية، فقد ظهرت أسماء المعبودات بجوار اسم الله في النقوش، بمعنى أن الدين لم يكن من عوامل الصراع في المجتمع اليمني وإنما من عوامل التعايش بين اليمنيين القدامى.
وفيها سيحدثنا عن المكون المجتمعي والثقافي والحضاري الواحد في هذا الجزء من العالم، والذي عرف الدولة والفيدرالية، والشورى ناهيك عن التجارة، الزراعة، وعن التاريخ السياسي لجنوب الجزيرة العربية.
المحور الثاني
وكان المحور الثاني بعنوان (الدولة اليمنية التي نريد) قدمه الأستاذ نبيل البكيري الكاتب والباحث في الفكر السياسي وقضايا الديمقراطية ودراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تطرق فيه إلى أن الهوية الوطنية مرتبطة بفكرة تأسس الدولة الوطنية، موضحاً أننا لا نستطيع الحديث عن قومية يمينة بمعزل عن القومية العربية.
ونوه إلى أن فكرة الدولة في اليمن فكرة قديمة ارتبطت بوجود اليمنيين وأنشطتهم القديمة من التجارة إلى الزراعة.
وتابع أن فكرة الدولة الحديثة نشأت في ثلاثينيات القرن الماضي عندما صاغ الأحرار مفاهيم العمل الوطني عبر تكتلاتهم المعلنة، والتي تشكلت في القاهرة وفي عدن، حيث وضعوا المفهوم الجديد للوطن وللدولة الوطنية، فقد الحركة الوطنية في تلك المرحلة تسعى لوجود دولة وطنية بمفهومها الحديث.
وأضاف أن ثورة 17 فبراير 1948م أوجدت فكرة الدستور وهي فكرة ليست سهلة اصطدمت بفكرة الإمامة والحق الإلهي في الحكم، لذا قامت الإمامة بتشويه فكرة الدستور وأشاعت أنه اختصار للقرآن، وفكرة الدستور تطورت فيما بعد على أيدي الأحرار وهم في سجن حجة وتوصلوا لفكرة الجمهورية في 1956م وهي صيغة جديدة لنظام الحكم المستقبلي.
وأشار الباحث البكيري إلى أن الدولة موجودة في فكر اليمنيين بمفهومها الشعبي الجماهيري التشاركي، ومفردة شعب ظهرت في النقوش اليمنية القديمة، وكذلك وجدت أنظمة الحكم الفيدرالي والمحلي، وبمجملها أعطت فكرة عن الدولة، منوهاً إلى أن عودة الإمامة اليوم وعودة بذور الانفصال والمشيخات والسلطنات يشير إلى عدم ترسخ مفهوم الدولة في الوقت المعاصر لدى اليمنيين، والسبب يعود إلى فشل النخب الحاكمة في ترسيخ مفاهيم الدولة والجمهورية.
وأكد على أن النظام الأنسب للحالة اليمنية اليوم يتمثل في النقاشات حول مفهوم الجمهورية التي بدأت في منتصف القرن الماضي إلى هذه اللحظة كلها تشير إلى أنه لا بديل عن الجمهورية في اليمن، فالجمهورية تمثل في اليمن تراكم تراث تاريخي، أذ أن الشعب اليمني لا يمكن أن تتفرد في حكمه أسرة أو عائلة، ولم يحدث ذلك منذ العصور القديمة، بمعنى أن الجمهورية خلاصة نضال وطني كبير، بالإضافة إلى الديمقراطية وهي جوهر النظام الجمهوري في اليمن، فلا جمهورية بدون ديمقراطية.
وأضاف البكيري أن فشل النخبة السياسية التي وصلت للحكم في تشكيل الدولة قد انعكس سلباً على الوحدة اليمنية، كما أن فكرة الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية هي فكرة جوهرية، وفشل النخب الحاكمة في المرحلة الماضية لا يعني فشل هذه الفكرة الجوهرية، والحديث اليوم عن أي مصالحة وسلام وطني بين اليمنيين يجب ألا يتجاوز الجمهورية والديمقراطية والوحدة.
اقرأ أيضاً: الجذور الحوثية – الامامية لتجريف الهوية الوطنية
اليمن ليست جاهلية
وكان رئيس مركز يمنيون للدراسات قد رحب في البداية بضيفي الندوة، وبالمشاركين من الأكاديميين والباحثين والمهتمين، وأشار إلى أن المركز خلال الفترة القادمة سيعمل على الإجابة عن سؤال الدولة بالعديد من الندوات والحلقات النقاشية للوصول إلى خلاصات تصب في تأطير وضبط مفهوم الدولة اليمنية، وكيفية الاستفادة من التراث اليمني المتراكم عبر العصور في هذا المجال.
وأوضح بأنه لا خوف على الهوية اليمنية برغم كل ما يحاك ضدها، فهناك شعب يحرسها، ودعا في ختام الندوة إلى مراجعة مفردات تخص مرحلة ما قبل الإسلام والتي تشير إلى الجاهلية، وقال أن اليمن أرض التوحيد والديانات والقوانين والأنظمة الاقتصادية والزراعية لا يجب أن يطلق عليها هذا اللفظ، والذي ربما يخص مرحلة معينة، وربما يدل على مجموعات صغيرة معينة، ولا يعني اليمن وحضارتها الممتدة عبر التاريخ.
قدم الندوة الأديب الشاعر ماجد السامعي، وأدارها فنياً المخرج علي الحسام، وقد تخللت الندوة الكثير من المداخلات والأسئلة التي أثرتها، وأجاب ضيفي الندوة عن الأسئلة والمداخلات المطروحة.