صنعاء.. رهان الاستعادة الدائمة
لطف أحمد يحيى يكتب افتتاحية مجلة العميد: صنعاء.. رهان الاستعادة الدائمة
لم تخلُ من ذكرها سطور التأريخ وأساطيره كحاضرة لليمن واقدم العواصم العربية وأبرز المدن التي ذكرتها النقوش الحميرية والسبئية منذ القرن الرابع قبل الميلاد، ولها مع الاسلام حكاياتها وأعلامها ومعالمها ومفاخرها التي تعج وتضج بها كتب التاريخ والسير، يختصر بنيانها وانسانها معاني وقيم العراقة والآصالة منذ زمن بعيد.
إنها صنعاء مدينة العلم والحضارة التي أنجبت الصنعاني عبدالرزاق وابن الامير والشوكاني والهمداني والعمراني وبرز من رجالاتها خيرة المجاهدين وقادة الفتوح الاسلامية بل وصارت وجهة للمتعلمين والعلماء حتى قال فيها أحمد بن حنبل "لا بد من صنعاء وإن طال السفر" كوجهة لطلب العلم من الامام عبدالرزاق الصنعاني في عصرهم.
لسنا هنا في مقام المفاخرة بالمدينة مهما استدعت ثقة المفاخرين بها ولكننا في هذه الافتتاحية نستذكر قطعة قلب مسلوبة في فك الإمامة، وطالما عاث بها الاماميون من قبل ومن بعد تأريخًا وبنيانًا وانسانًا وأمسا وحاضرا.
ذلك أنه لم تشهد اليمن أخطر من الامامة الهادوية كجماعة تأكل بعضها بعضًا ونظرية تبتدئ بالدم وتنتهي بالدم لتعبر من إمام الى إمام على اشلاء ودماء اليمنيين لترسيخ وتطبيق الولاية حتى جاء على لسان أحد ائمتها في صراعه مع الآخر بحجة أحقيته بالولاية، وفي لحظة صلح بينهما أنه غير نادم على ضحايا الصراع بينهما وقال: "الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي"، وحتى اللحظة لا يزال دم القبيلي هو النهر النازف الذي يجدف فيه الاماميون عبورا على أشلاء اليمنيين الى ضفاف إمامتهم المتوحشة.
لم تأتِ صنعاء من فراغ ولا وجدت من ذات نفسها بل كانت ثمرة عقول الأجداد وصنعة يديهم ومهارة فنهم وعظمة ماضيهم، وفي حكايتها مع الفرس من قبل الاسلام والمتوردين إليها من أحفادهم الرسيين والطبطبائيين بعد الاسلام قصص وغصص يتملأ بها الزمان والمكان، فأما اليد التي بنت صنعاء فقد سعوا الى تجريف هويتها بالتقليل من شأن صنعتها وترسيخ الطبقية المجتمعية بين اليمنيين حتى يحتقروا مهنة الصنعة والحرفة والمعمار والفن الزراعي الذي شيد السدود والمدرجات وبنى الحضارة، لا لشيء الا من أجل أن يصرفوها عن مهارتها وفنها في صناعة التأريخ إلى سواعد لا قيمة لها إذ جعلوا من أصحابها عكفة في خدمة الامامة وعبيدًا في سبيل الولاية واستمرار افكارها وتهديم بنيان اليمن وشانها عبر التأريخ.
وأما العقل الذي وجه تلك السواعد لبناء حواضر اليمن وحضاراته عبر التأريخ فقد سعت الامامة من قبل ومن بعد وحتى اللحظة الى تدميره وتخديره، وليس ما يفعله الحوثيون بالعقل اليمني في مناطق سيطرته -كامتداد لنظريتهم الامامية الدموية-، من تجهيل وتدمير ممنهج للعقول، وتغييب للوعي، وتجريف للفطرة السوية، وتحريف للعقيدة الصحيحة و للفكر السليم، ليس كل ذلك عنا ببعيد!!
وعود على بدء تظل صنعاء من أبرز المدن اليمنية التي عانى إنسانها وبنيانها من الفتك والهتك الامامي منذ قدوم الرسي الى اليمن، وعلى ألسنتهم أقروا ذلك في كتبهم بل وذكر المؤرخون في أمهات كتب التاريخ العديد من الجرائم الوحشية التي مورست عبر مراحل التأريخ المتتالية بحق صنعاء وسكانها وعمرانها، ومن تلك المشاهد ما ذكره الكاتب همدان العليي في مقال له بعنوان "الغدر جزء من دين الإمامة الحوثية"، يقول إنه سئل عبدالله بن حمزة في مجموع رسائله عن الأصل الشرعي لقيامه بقتل يمنيين آمنين معاشرين كالأبرهي والنقيب،
فكان مما أجاب به ابن حمزة قوله: "المعلوم في سيرة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين أنه لما تمكن في صنعاء وظهرت يده وبلغه مكر آل يعفر وآل طريف والفجائم، فلم يتمكن منهم إلا بأن دعاهم إلى العطاء، فلما استقر بهم القرار في بحبوحة الدار، أمر بقبضهم، فكبلوا في الحديد، وغللوا إلى الحبس الشديد، فشحن بهم سجون صنعاء، وسجن ظهر، وسجن شبام، وأخذ دوابهم، وسلاحهم، وقاطبة من أموالهم فرقه في المسلمين. هذا وهم في نهاية الأمن والتقربة، فجاز له ذلك لما علم خبثهم وشرارتهم".
ومن جرائم الاماميين في صنعاء ما ذكره أيضا حارث الشوكاني في مقال بعنوان "مشاهد من فصول إرهاب الحوثيين في اليمن (الجزء الثالث)"
حيث ذكر أن المهدي الحسين بن القاسم العياني قد فعل أبشع من تلك الجرائم في مواقع كثيرة، منها حين دخل صَنعاء وقَدْ أباحها لجنوده في شهر صفر 403 هـ غازياً خصمه محمد بن القاسم الزَّيدي الذي طعنه وصَرعه في فج عَطان، وذكر أيضًا الحال ذاته لدى أحمد بن سليمان الذي يعلن مُفاخرا:
وخرَّبت أسْواقاً لهم وصِياصياً
وأغنيت مِن أموالهم جُلَّ أعْواني
وأن السفاح عبد الله بن حمزة سبا من نِساء صَنعاء في إحدى غزواته ستمائة امرأة، واقتسمهن أخوه وقائد جُيوشه يحيى بن حمزة مع قادة جيشِه ومقربيه في قاع طيْسان!.
وفي عهد بيت حميد الدين تكررت تلك المشاهد حيث حاصر محمد حميدالدين صنعاء عام1891م لمدة ثلاثة اشهر، وفي عام1918م حاصرها يحيى محمد حميدالدين حتى اكل أهلوها الكلاب والقطط من شدة الجوع، وفي عام 1948م حاصرها أحمد حميد الدين وأباحها للقبائل لمدة ثلاثة أيام انتهكوا فيها وهتكوا ودمروا بشكل منقطع النظير وقد حاول الاماميون من بعدهم في حصار السبعين يوما اعادة ذلك النموذج إلا انهم فشلوا امام بطولات الجمهوريين وتضحياتهم.
واذا كان من رهانٍ لاستعادة صنعاء حاليا كقطعة قلب وعاصمة روح ووطن سلبتها الامامة الجديدة وانقلب عليها الحوثيون بدعم ايراني وأعادوا كل النسخ الإجرامية للإماميين السابقين فيها فإن ذلك الرهان سيتمثل في الالتفاف الجمعي لكافة المكونات الوطنية حول قيادتهم وتوحيد الصف الجمهوري واستغلال عملية "حرية اليمن السعيد" التي أعلن عنها تحالف اعادة الشرعية في اليمن وباركتها القيادة الوطنية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الوزراء وذلك بالتحرك العسكري في كافة المحاور والجبهات وفق الخطط العسكرية المرسومة لذلك وصولا الى الفرحة الكبرى باستعادة صنعاء إن شاء الله.
ولضمان ديمومة الاستعادة يجب أن يصل إلى إدراك الكثيرين ضرورة تحصين هذا الجيل والاجيال القادمة مما تعرضوا ويتعرضون له من ممارسات امامية حوثية ايرانية طائفية لتدمير للعقلية اليمنية دون غطاء التقية والخوف خلال سبع سنوات حرب، وذلك بوضع الخطط والبرامج وتسخير كافة الامكانات والجهود لاستعادة العقل اليمني كي ينتهي بنا طول السفر الى صنعاء بالانتصار والاستعادة الدائمة.
_
- عن مجلة العميد (افتتاحية رئيس التحرير)