إستٌ في الماء وأنف في السماء
الدكتور ياسين سعيد نعمان يكتب: "إستٌ في الماء وأنف في السماء"
وقف أستاذ الأدب العربي في ثانوية خور مكسر بعدن عام 1965 يشرح لنا درساً في البلاغة عن التشبيه، والكناية، والتورية، والاستعارة والاستعارة المكنيّة..
فأورد لنا في التشبيه مثالين،
الاول:
"كأننا والماء من حولنا /
قوم جلوس حولهم ماء "
والثاني:
"كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه"
ثم شرح الفرق بين التشبيهين بأن الأول يشبّه الشيءَ بذاته، وهو لا يعكس أي معنى من معاني البلاغة ؛ في حين أن الثاني تشبيه يتضمن معظم عناصر البلاغة مثل الاستعارة والكناية، والتورية.. وهو ما يجعل الشعر العربي ذا قيمة في حياة العرب حينما يتعلق الأمر بإكساب المادة قيمة وجدانية، "مثار النقع" وهو ما يتخلف من سنابك الخيل عند عدوها، "أسيافنا ليل تهاوت كواكبه"، يصف حالة الفزع التي تملكت القوم عند الغارة.
ثم انتقل إلى الأمثلة التي يتداولها العرب وكانت تجسد انماطاً من سلوكهم.
" إستٌ في الماء، وأنف في السماء".
وتوقف حائراً، وقال: كيف أشرحها لكم. هذه من أهم ما ذهب إليه العرب في تلخيص مكثف لجانب من سلوكهم. ويقصد بها: كأن يصاب المرء بعثرة تشتد معها حاجته لمساعدة غيره، وحينما تزول الحاجة يعود إلى سلوكه القديم في التعالي حتى على من ساعد في سد عثرته.
ثم قال: هذا السلوك هو جزء من ثقافة العرب انتقلت عندهم من جيل إلى جيل.. ولكي أؤكد لكم ذلك، هذا اليوم الصباح أعطيت للمراسل الذي يعمل في إدارة المدرسة خمسة شلن كان طلبها مني قبل فترة. أريد واحد منكم يروح يسأله عن المساعدة، ويشوف كيف با يكون جوابه.
تبرع زميلنا صالح عبد الله حسين وراح يسأل المراسل:
-هاه اليوم الاستاذ عبد الوهاب ( بوّنَك) يعني أعطاك فلوس.
عاد إلينا صالح، وكان الرد الذي حمله:
-إيوه أعطانا، إيش من حق أبوه !!
ثم قال الاستاذ:
هذا هو التفسير العملي لهذا المَثل الذي قال به العرب منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة ولا يزال يجسد جانباً من سلوكهم حتى اليوم: "إست في الماء وأنف في السماء".
اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: “المدونة” تفضح الفخ العنصري الذي تخطط له مليشيا الحوثي