صحف

لماذا غضب اليمنيون من مسلسل الشافعي؟

حسين الوادعي يكتب: لماذا غضب اليمنيون من مسلسل الشافعي؟


غضب يمنيون كثر من مسلسل "الشافعي" الرمضاني الذي بدأ عرضه راهناً. المسلسل الذي يقوم ببطولته النجم المصري خالد النبوي يحكي سيرة الإمام الشافعي وصراعه مع الحكام في عصره وفتاواه واجتهاداته. ‏لكن المسلسل حمل أيضا نغمة عالية من الموروث الشيعي وهو أمر متوقع لكل من قرأ سيرة الشافعي.

تصاعد الغضب اليمني ضد المسلسل بعد نشر نجم المسلسل بيتي الشعر الشهيرين للإمام الشافعي اللذين يمجد فيهما آل البيت ويحول حبهم إلى جزء من العقيدة الإسلامية:

يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبّكُمُ
فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ

يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ
مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ

عبر يمنيون عن غضبهم بآلاف التعليقات على صفحتي نجم المسلسل في "فيسبوك" و"تويتر"، ودعوا النجم إلى الاطلاع على واقع الميليشيات التي تحمل راية مشروع "آل البيت" السياسي بصيغته العنصرية الأسوأ في اليمن.

شارك في التعليقات مواطنون عاديون وشباب ومثقفون ودبلوماسيون من دون أي رد من نجم المسلسل الذي يبدو أنه لا يدرك حقيقة مغزى البيتين أو أبعادهما العقائدية والسياسية.

سبب غضب اليمنيين تحديداً، هو أنهم يعيشون تحت وطأة ما يعرف بمشروع "آل البيت" السياسي في أحد تجلياته القبيحة بسيطرة الميليشيات الحوثية على السلطة، ويتجرعون مرارة الإذلال يومياً تحت لافتة حب آل البيت وحقهم الحصري في الحكم. بل بالغت الحوثية في إذلال الأغلبية بتقسيم اليمنيين إلى طبقة عليا (آل البيت من الهاشميين) وطبقة تابعة هم اليمنيون (الأنصار) الذين ينحصر دورهم في دفع الضرائب والجبايات والموت دفاعا عن حكم أل البيت وبعد أن جعلوا محبة آل البيت شرطاً لا غنى عنه لصحة إسلام اليمنيين!

‏‏لا يتعامل اليمنيون اليوم مع فكرة آل البيت كفكرة دينية رومانسية، فهم يعيشون تحت ثقل المشروع السياسي لمن يعتبرون أنفسهم حملة راية آل البيت كل يوم، وفي كل تفصيل من تفاصيل حياتهم اليومية. ‏اما الميليشيا الطائفية التي تحكم معظم اليمن اليوم فهي ترفع شعار حب آل البيت لتبرير استيلائها بالقوة على السلطة وإلغاء كل الحريات السياسية والمدنية وتبرير عمليات النهب الممنهج باسم الزكاة والضرائب الخمس وفق الموروث الشيعي والتضييق على الأقليات والفئات المهمشة وحرمان النساء من حقوقهن وتجنيد الأطفال.

تصاعد الغضب اليمني ضد المسلسل بعد نشر نجم المسلسل بيت الشعر الشهير للإمام الشافعي الذي يمجد فيهما آل البيت ويحول حبهم إلى جزء من العقيدة الإسلامية.

‏بيت الشعر الذي أورده نجم مسلسل في رومانسية ساذجة من دون أن يعرف أبعاده، يستخدمه الحوثي كل يوم لفرض نظام فصل عنصري قمعي. لاحقاً رد البعض على البيت المنسوب للشافعي ببيت مشهور للشاعر والمؤرخ اليمني نشوان بن سعيد الحميري يفند فيه أسطورة آل البيت، ويقول فيه انه لو كان حب أقارب النبي لازماً لكنا ملزمين بحب أبي لهب:

آل النبي هُمُ أتباعُ ملتِه
من الأَعاجم والسودانِ والعَربِ

لو لَم يكُن آله إلاّ أقاربه
صَلّى المصلّي على الطّاغي أبي لهبِ

الإشكاليّة أن موقف اليمنيين مع المشروع السياسي لآل البيت أعمق وأشد إيلاما من الملاسنات الشعرية بين اليمنيين والقرشيين.

يبدأ المشهد الأول لمسلسل الشافعي بمشهد اعتقاله من قبل جنود الخليفة الرشيد بعد تورطه في مؤامرة انقلاب لصالح العلويين في نجران اليمنية. ستنتهي محاكمته مع تسعة أشخاص آخرين كانوا ضالعين في مشروع التمرد بإعدام الجميع ونجاة الشافعي.

لكن هذه البداية الدرامية المؤثرة جددت جرحا جديدا قديما عند اليمنيين. فبسبب بعد اليمن عن مركز الخلافة ووعورة تضاريسها ظلت مسرحا لمغامرات الطامحين في الخلافة من كل التيارات ومن الهاشميين بالذات. أحد هذه المغامرات أنتجت دولة الأئمة في اليمن التي حكمت أغلب شمال اليمن طوال ألف سنة حتى سقوطها عام 1962 على يد الضباط الأحرار. كانت دولة الأئمة اليمنية من أشد الدول عزلة وتخلفا وقمعا وتجبرا على المواطنين، ثم حاول الحوثيون من جديد إعادة نظام الإمامة بكل رجعيته منذ عام 2014.

ولم يدر بخلد كتاب المسلسل أن ابتداءه بمشهد عن التعصب السياسي للشافعي مع العلويين وإدارته لمحاولة تمرد شيعي لتأسيس دولة هاشمية على إحدى مناطق اليمن، ستقدمه في صورة أحد المتآمرين الذين حاولوا زرع قبح مشروع آل البيت السياسي على التربة اليمنية.

يستفتي أحد الأشخاص في مشهد آخر من المسلسل الشافعي في مسألة فيفتيه ويقول له: "هذا قول جدي رسول الله"!

عبارة "جدي رسول الله" عندما يستخدمها أشخاص تفصلهم مئات السنين عن الرسول، صارت تسبب حساسية واسعة لليمنيين، بخاصة بعدما صاروا يسمعون العبارة بشكل شبه يومي من قادة العنصرية الحوثية المسيطرين على السلطة اليوم. فزعيمهم يقدمونه باعتباره حفيد رسول الله، ويؤكدون تميزهم وتصدرهم لتطبيق الإسلام باعتباره دين جدهم رسول الله.

كل هذه التداعيات التي قد تمر على المشاهد العربي مرور الكرام، مرت على المشاهد اليمني صفعات وطعنات على جروح دامية.

منذ سيطرة الحوثيين على السلطة وفرض مشروعهم الطائفي قدم الكتاب والمثقفون والشباب اليمني الناشط على السوشيل ميديا مراجعات جريئة وغير مسبوقة لما سموه "خرافة آل البيت"، وأعادوا تقييم شخصيات آل البيت الكبرى (علي والحسن والحسين وفاطمة) في ضوء التاريخ.

امتدت المراجعات الى شخصية الشافعي باعتباره من أهم الشخصيات المؤسسة للتشيع السني ولخرافة قدسية آل البيت. أول المراجعات كانت الكشف عن دور تشييع الشافعي للعلويين في إدخاله "الصلاة الابراهيمية" على التشهد الأخير في الصلاة ونصه كما يلي:

" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".

الشافعي مؤسس الفقه الإسلامي، هو من أدخل هذه العبارات تعصباً لنسبه القرشي. برغم أن تخصيص الصلاة على أسرتين بحد ذاتهما (الابراهيميين والهاشميين) في العبادة الاسلامية الأهم، هو نوع من تقديس الأشخاص والوثنية الصارخة المتعارضة مع النزعة التوحيدية للإسلام، إلا أن دافعه لم يكن دينياً، بل سياسياً.

في صراع الشافعي ضد العباسيين الذين كان معظم حكامهم من أبناء الفارسيات، أصر الشافعي على تأكيد نقاء العرق العربي القرشي الهاشمي للعلويين وجعله ركناً من أركان صحة الصلاة وبالتالي ركناً من أركان صحة الإسلام!

هذه بعض جذور أطول العنصريات عمراً في التاريخ. عنصرية وجد اليمنيون أنفسهم وحيدين في مواجهتها، ومعزولين وسط أمواج تشيع سني وتشيع اثني عشري، ما أدى إلى تشتت الأصوات الغاضبة ضد مشاريع الدين السياسي والاضطرابات والانقسامات الاجتماعية.

يمكن القول أن غضب اليمنيين ضد الشافعي جزء بسيط من غضب أعم ضد الخرافة الكبرى في الإسلام.

* موقع درج

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: الزيود والشوافع.. خطورة التسمية وضرورة الفهم

زر الذهاب إلى الأعلى