[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
رئيسيةمنوعات

عن مسلسل العالية.. الأشهر في رمضان اليمن 2023

عن مسلسل العالية.. الأشهر في رمضان اليمن 2023 والذي خطف اهتمام الكثير من المتابعين - مصطفى ناجي


أما المشاهدة وبعد

عل امتداد ليالي رمضان ومن اليوتيوب شاهدت حلقات هذا المسلسل بفارق يوم تالٍ عن كل حلقة، وشاهدتً إلى جواره حلقات متفرقة من مسلسلات يمنية. اعترف بداية اني لست صديقا جيدا للتلفاز العربي ولا متابع نهم للمسلسلات بأي لغة. منذ ان غادرت اليمن حيث كنت اشاهد القنوات العربية سيما الإخبارية منها فانا الان اشاهد التلفاز الفرنسي خصوصا الاخبار والبرامج الثقافية والوثائقيات وافلاما واشاهد مقطع مصورة من التلفون بشكل كبير. واتلصص على المسلسلات العربية اشاهد من هنا نبذة ومن هناك نبذة من باب ألا يموت الانسان جهلاً. وربما الغربة دفعتني الى متابعة الدراما اليمنية مؤخراً إلى جانب فضول معرفي صرف. فوجدت في مسلسل العالية ما يناسبني.

وقد اكون وغيري كثر ممن تابعوه وجدوا فيها غايتهم لأنه أكثر التزاماً تجاه الحال الراهن ومنطلقاته تعكس الصراع/ المعركة الحالية. اي ان جانبه الجيوبوليتيكي كان مثيرا للاهتمام إلى حد كبير ما لم يكن غالباً.

سأكتب هنا انطباعاتي الخاصة كمشاهد والتي راكمتها خلال أيام المشاهدة دون تدوين انما ما علق في الذاكرة دون منهجية معينة ولا التزام بنقد ثقافي بقدر ما هو تعبير عن امتنان للقائمين على المسلسل والذي أتمنى ان تتسع صدورهم لما سأكتب.

هذا المسلسل المكوّن من ثلاثين حلقة تقارب الحلقة 40 دقيقة هو عمل درامي ذي نكهة تاريخية يقترب في بنائه السردي إلى العمل التوثيقي من حيث قدرته على الالتصاق بأحداث واقعية تاريخية دون الالتزام الحرفي بالإكراهات التقنية والمنهجية للعمل التوثيقي. انما يقدّم اعادة تركيب لحياة متخيلة دامغة في الذاكرة العامة الشفاهية لليمنيين. يستمد العمل مصداقيته في نقله أسلوب حياة بكل ما فيها من بؤس وتغول واستبداد وصلف ولكن بتطابق حرفي مع ما وصل إلينا شفاهية من الإباء والاجداد عن فترة الإمامة قبيل الثورة في اليمن.

يبدأ المسلسل بشارة غنائية حميمية جداً وأصيلة أعيد بناءها بادوات عزف متنوعة من طرف موسيقي مبدع هو محمد القحوم. شارة فيها من الالحاح والتشبث ما يجعلها لا تفلت من الذاكرة. لكن عيبا صوتياً جعل كلمات الشارة باهتة لا يستطيع الواحد الامساك بها وبهذا ضاعت حيويتها. الى الان لم اتمكن من الامساك بكلمات الشارة.

وقد لا يكون هذا هو العيب الصوتي الوحيد، شخصيا اظن أنى أمسكت بعيب صوتي اخر كان في احد المشاهد حيث يضرب احدهم الأرض بمعول ويردد اهزوجة الا ان الصوت منفصل عن الواقع ويشير بوضوح انه نتاج استيديو سيئ العزل.

وفي سياق الصراع الحالي في اليمن وتوظيف وسائل التواصل، تغلب على هذا العمل الدرامي الرسائل النضالية ولا يمكن تصنيفه الا ضمن الدراما الموجهة والملتزمة engaged.

لكنه تكثيف لتصورات اجتماعية للصراع، تصورات انضجتها الممارسات السلطوية العنصرية والتخبط المقاوم فيقع العمل في وصم قادح وظاهر لشريحة اجتماعية بالعموم ضمن خط نضالي ناشئ يعيد رسم ملامحة الهوية الوطنية بأثننة الصراع والتلميح بنفي إسلام هذه الشريحة أو نسبتها الى اليهودية.

فضلا عن ذلك تبرز النسوية داخل العمل بتبويء المرأة ادوار صانعة التحولات وماكينة النضال التي لا تكلّ. هذه الرسالية تنشأ من توليفة متضادة في أدوار المرأة ربة البيت وراعية الحقل وذات حضور جسدي مقتصر على اركان الغرف واحتفاء بالعجز النسائي (هذا مش وقتنا) مع مضاعفة فاعلية القوة الناعمة للأنوثة/للأم ولكن ايضا ماكينة الخطاب المقاوم وحاجز الصد العنيد.

فهي حرمة ومرة ونسوان لكنها بنت فلان ومش انا اللي يستسلم.

برأي، الفكرة المحورية في "العالية" كانت صراعا على الأرض/ الحق. وفي هذا تطابق مع فكرة القومية اليمنية الجديدة التي تبتغي تحطيم الجبروت التاريخي الحقيقي او المتخيل لخصومها القائم على أحقية روحية اجتماعية اساسها تصور دين/مذهبي وعملت لتنال من قداسة الجغرافيا لصالح مركزية السلالة/الدين/المذهب.

يقسّم المسلسل المجتمع الى قطبين. أولاً عالم المدينة وهو عالم مسطّح ليس له وجه ولا ملامح ومركز الفعل فيه هو بيت الحاكم الذي يتربع على قمة الهرم الاجتماعي وما دونه قصص القصر و"مكائد الحريم" على الطريقة السلطانية ثم عساكر بلا وجه ولا طموح ولا أحاسيس باستثناء الجندي العاشق وحبيبته التي تعمل في خدمة سيدة الدار ويلقيان صنوف العذاب.

ثانياً القرية بكل ما فيها من ثراء، وتنوع وسعة وأفق. طبوغرافيا ساحرة وحياة حقيقية، اشخاص بيوت، أسماء، حيوانات وتفاصيل يومية وموسمية، حياة موت، دفن. وتراتبية اجتماعية واقعية. صحيح ان هناك أدوار نمطية مرسومة لكل شريحة وفئة اجتماعية. لكن القرية تجسد الإنتاج، السعي، الروحانية البسيطة، المجتمع المكون من رجل وامرأة - حيث صورتها او صوتها ليسا عورة انما هناك امرأة متعددة الادورا، جدة، ام، عاملة في الارض، وعاشقة وأخرى مكافحة على سمعتها ولقمة عيشها -، والثأر والحسد والتنافس المميت.

والقرية فضلا عن ذلك هي موضوع السلطة وغاية الصراع وميدان رماية المركز. من المفارقة في " العالية" ان القرية كانت السرة، كانت المركز بينما المدينة هي الهامش.

أظن ان هذا العمل الدرامي يمكن تصنيفه ضمن الاعمال الجيدة قليلة الكلفة. ربما لو تفرت أموال كافية لامكن انتاج المدينة او المركز، لامكن انتاج سوق، قصر، محكمة...

الا ان العمل الدرامي كله وطيلة ثلاثين حلقة دار في ستة بيوت وثلاث غرف تقريبا لا أكثر.

حتى القرية ظهرت بعض المفارقات منها مثلا ان الشيخ كان يلجأ إلى ساحة عامة للتشاور واتخاذ القرارات الهامة وهذا اراه مخالفا للواقع. في العادة تكون المجالس او ديوان الشيخ رمزية السلطة وغرفة اتخاذ القرارات.

خلافا للمسلسلات الرمضانية الاخرى التي لم تقنعني في مضمونها وربما كانت أكثر صنعة في التمثيل الا انها في عالم اخر غير عالمنا وبعضها يميل الى التهريج والامتاع من خلال اعتساف المشهد وتشويه الزمان والمكان السردي. ينتصب مستبسل العالية بتماسك كبير في كل جوانبه. وهذا جعله مثيرا للاهتمام والنقد والمتابعة. فهو مسلسل محلي اجتذب النخب اليمنية التي اعتادت الهروب من الانتاج الدرامي المحلي وغرقت في ذوق الانتاج العالمي، وشروطه، وقيوده، وامكانيته.

لذا أكبر نجاح لهذا المسلسل كان الاحتفاظ باهتمام هذه الشريحة طيلة شهر التي رغم يمانيتها الا انها في تكوينها الثقافي غير يمنية. لا ارجو ان يفهم الامر على انه قدح في بنية المثقف اليمني، وسينمائيا ودراميا على وجه التحديد.

يهمني الحديث عن "العالية" وسبق وقلت انه يمتاز بالمنحنى التصاعدي للحبكة الدرامية المتضاعفة على نحو ملفت. هناك قدرة هائلة على ابتكار مسار شره للشرور في بساطة البيئة اليمنية وطيبة اليمنيين.

مقابل مقاومة مقهورة للظلم مبالِغة في الشكوى وعاجزة أحيانا عن التشخيص السليم للمشكلة وابتكار مسار دفاعي فاعل وتواكلية وقَدَرية، هناك من طرف الحاكم واعوانه استبسال لا مثيل في حبك الدسائس وتوظيف العقل والدين والأعراف للوصول الى الغاية السياسية وتملك الأرض حتى بأقذر الوسائل.

اجمالاً، يعاب على العمل منبريته الفاضحة والتلقين المباشر بالمشهد التالي والفكرة التالية والموقف القادم وهذا يحد من تحفيز خيال المُشاهد على العكس لو كانت الرسالة ضمنية. هذه المباشرة هي واحدة من اوجه ضعف البناء السردي الى جانب تعدد مستويات الخطاب وتقويل الشخصيات مقولات تتجاوز موقعهم المكاني او مستواهم التعليمي ناهيك عن تصحيف للكلام العامي تارة او اغراقه في محلية ضيقة.

 

(2)

 

لكن يمكن استدراك فهم هذه المباشراتية والتلقين في الإطار الوظيفي الذي اختطه المسلسل لنفسه بدءاً من العناية بالوصول إلى أوسع شريحة من الناس وتسليمه لرسالة ناجزة. لكن التلقين لا يحرّض المتلقي دائماً على التفاعل الذاتي مع الرسالة.

اختتم العمل بمشهد تربوي في مفهوم الحرية. يلزمني ان اشير الى ان "العالية" تناول أخطر قضية فلسفية في الفكر الإسلامي. وهي موقع الحرية من العدل. هل نبدأ بالعدل أم بالحرية؟

كانت المناقشة طيلة قرون قد استقرت على ضرورة الحاكم العادل ووضعت شروط نشأته لكنها لم تضع شرط الحرية أولاً. الحرية بمعناها الواسع الكفيل بكبح جماح القهر والانتهاكات والضامن للتنوع، والتعدد المذهبي، والديني، والفكري. لذا، بغياب الحرية غاب العدل.

بينما مسلسل "العالية" يضع المشاهد أمام تصور فلسفي مختلف يرى ان الحرية هي التي تجلب العدل وهي أساسه.

هذا المشهد الختامي البالغ الاهمية من الناحية الفكرية كان قطيعة كبيرة مع طبيعة العمل الدرامي.

مسار درامي متصاعد

منذ أول حلقة، مضى المسار الدرامي يتصاعد حتى مقتل ظبية فتناثرت العقدة الدرامية رغم متانتها منذ البداية والتناسق الخطي الذي سارت عليه؛ احداث متتالية محتشدة نحو خلق المأساة الجمعية والفردية: استبداد وتعنت الحاكم، صلف ولاإنسانية الجنود، انسداد الأفق الثوري الحالم، فقدان الأمل في الحب، انقسام حاد داخل المجتمع المحلي في مواجهة صروف الدهر وقسوة الجلاد وجشع الحاكم ونواياه المبطنة بالاستحواذ على الأرض وإخضاع الناس…

مشاهد تحبس الأنفاس ثم تموت البطلة غير المعلنة.

كان اختيار أشواق علي لأداء دور ظبية اختياراً موفقاً. ملامحها قادرة على تجسيد الموقع الاجتماعي الذي رسم لها. ولهذا كانت لحظة انكسارها وموتها مفاجئة وصادمة جداً.

بعدها وجدتني في حيرة كيف يمكن تجميع الخيط السردي والتعويض عن شخصية محورية في الحلقات القادمة.

وفي تلك الحلقة تكثفت العقدة الدرامية نحو امتحان نفسي قاسٍ ووصول العداء إلى مستوى حميمي موغل يعكس أعماق شرور النفس ودوافع السلطة.

في الحقيقة، كان موتها انقطاعاً في الخيط الدرامي لكنه أشعل موجة درامية جديدة متمثلة بالرغبة في الثأر والثورة والتغيير الكلي للأدوار الرئيسة التي أداها فاضل ومانع وقطّام وهلال الخ...

نقطة تحول ناجحة في البناء السردي. وحادثة قصمت العمل الدرامي إلى خانتين متماثلتين في المشروع السردي والدرامي.

تماسك وإخلاص للرسالة

لمستُ تماسكا واخلاصا للرسالة على الرغم من وجود بعض قصور في البناء المنطقي لتراكم الوقائع في المسلسل. إذا تكشّفت امامي بعض نقاط ضعف البناء الدرامي منها على سبيل المثال ان اول جريمة حدثت بفأس (عَطيف) كما لو انه لا وجود لفأس الا ذاك الي جرت به الجريمة. فيما كانت تظهر سيدة تحمل فأسها على امتداد حلقات البحث عن الجاني. هذا اعطاني ايحاء بانها هي الجاني. بل ان (الغريب) كان يحمل فأساً وهذا ضاعف من الالتباس.

عموماً، التركيز على اداة الجريمة كان طفولياً جداً. لكن طغى على هذه الهفوة المنحنى التصاعدي للحبكة الدرامية وهي حبكة متعددة الابعاد ومتضاعفة وكل مرة تنمو وتتراكم وتتشعب. البناء الفني للقصة أبرز قدرة هائلة سردية على ابتكار مسار شره للشرور ينطلق من بساطة البيئة اليمنية.

‏ثم ان أداء معظم الفنانين كان مدهشاً، ‏أحببت كثيرا الفنان احمد عبد الله حسين(الحاكم) هو الأقدر على تجسيد شخصية دون الايماءات مفرطة، يتضح من ادائه انه ثمرة خبرة طويلة، يليه قاسم عمر في دور الشيخ فاضل، ثم عبير محمد في دور زوجة الحاكم. بعض الأدوار كانت متميزة جدا خصوصا دور الشيخ مانع (مروان المخلافي) والذي لا تملك الا ان تبغضه وانت تعرف ان الممثل يؤدي دوراً مؤقتاً وكذلك دور كل من نظرة (رأفة صادق) وحبيبها (محمد الأموي) وهلال (حسام الشراعي) الذين اتوقع لهم مستقبلا دراميا كبيرا إذا قرروا العمل في ادوار جادة وتحكموا أكثر بمخارج أصواتهم وحركات الجسد.

لفت انتباهي ان اليمني رغم الحزن المحيط به الا انه لا يستطيع تجسيد وجه الحزن. شخصياً لم اقتنع بوجوه الحزن التي في وجوه الممثلين عدا وجه شداد (هديل عبد الحكيم) او وجه زوجة قطام (رندا الحمادي). بل ان ظبية كانت ملامحها لا تستطيع تجسيد وجه حزين. الوجوه الشمعية تأتي على حساب لغة الوجه وعضلات الوجه.

لربما كانت شخصية قطام (عمر البوصي) هي الأكثر جدلاً. لن افوّت تهنئته هذا الفنان المبدع واشيد بمهارته في تجسيد شخصية معينة بكل حرفية. وان كنت لم استمتع كثير بالشخصية (كاراكتير) التي منحت له مع تفهمي الكامل لرغبة من انجزوا المسلسل في وضع هذه الشخصية.

لكني اقر ان هذا يعود إلى ذائقتي وتوقعي المفرط في الجدية. مع ادراكي ان الواقع أكبر من خيال الافراد لأنه مصدر الهامهم وان واقعنا يغص بأشياء وسلوكيات وممارسات وشخوص أكبر مما نتخيل.

وعلي ان اشهد ان اولادي - الذين كانت حلقات " العالية" حصة اجبارية كل مساء كتمرين لغوي لهم في غربتنا في فرنسا وربطاً لهم باليمن - أحبوا كثيرا قطّام ولغته وإيماءاته التي اضحكتهم وأثارت فضولهم وأسئلتهم رغم شروره التي لا تنتهي وباتوا يتنادون: شَقَع مَقَع.

ثم ما هي شقع مقع؟

لا أدرى لكنها التوقيع الخاص بالمسلسل. وهي بهذا في موقعها المناسب. ما المتوقع من مشعوّذ ومقذي أن يقول غير أشياء غير مفهومة.

بالمقابل كان هناك عنف رمزي ومادي في المسلسل. نعم طبيعة الاحداث تقتضي العنف والعنف المضاد. إلا ان بعض المشاهد تستحق مراجعة كي يمكن مشاهدة المسلسل لكل الشرائح العمرية خصوصا الأطفال صغار السن او ما دون الثامنة.

اكتب هذا الكلام من منطلق البيئة التي أعيش فيها الآن بينما أدرك جيدا ان الطفل في اليمن يتعرض لتغذية دعائية عنيفة مقصودة وممنهجة في مناطق الحوثي او يتعرض لمشاهد يومية عنيفة جدا في سياق الحرب الى درجة ان صارت الحرب موضوع تسلية للأطفال في اليمن.

ارى ان قمة العمل الدرامي هذا حمل مفاجئين قويتين جداً في بنيته السردية لم أكن اتوقعهما واظنها سنام العمل. المشهد الأول وأكثر مقطع فيه عذوبة فنية، وخيال واقعي سحري ومصداقية بعد ان وصلت قصاصة ورقة شداد الى الحاكم، فوصل القرية في حبكة - جمعت ربما دون قصد - معظم شخوص العمل ووضعتهم أمام مأزق كسر عظام. يتورط المشاهد في ابتكار مخرج من الحرج والورطة. ولا يستطيع. ‏ثم يقفز هلال وينفي صلة شداد بالورقة ويفتديه في موقف بطولي يدفع ثمنه.

والمشهد الثاني كان نهاية "الشيخ مانع" على يد مجنون الحي الذي كان الحاكم في السابق.

روحانية فائضة

تعمدت المؤلفة صبغ عملها الدرامي بروحانية فائضة أكبر مما يحتمله سياق القرية او شخصية شيخ القرية، او حتى حياة اليمنيين الحقيقية: الهروب الى الجبل والدروشة واعتزال الناس والقدرة الخارقة لمقاطع قرآنية متطابقة ومؤثرة في سياق الاحداث. وهذا دور غير معتاد لشيخ قرية يمارس سلطة قهرية ولديه سجن خاص وثقافته التي تعزز سلطته الاجتماعية هي ثقافة العرف المجمع عليه الناس لا الشرع. والا ما هو دور القاضي؟

والامر الاخر ان هناك عدالة فوق بشرية أو كارما تحقق العدالة بطريقتها؛ جنون الحاكم، ومقتل مانع.

أأسف ان هذا العمل الجميل الذي اضفى على ليالينا الرمضانية متعة باذخة وأيضا أعاد الاعتبار للأعمال الدرامية اليمنية الملتزمة بسياقها وبيئتها وقضاياها لم تظهر فيها أسماء سيناريست. واي عمل لا يسنده أكثر من سيناريست ينطوي على أوجه قصور. المؤلف شيء وينتهي دوره عند انجاز العمل الروائي والسيناريست شيء اخر ملتصق بالصنعة السنيمائية.

نقطة حول الزمان والمكان التصويري. يبدو ان التصوير تم في موسم فلاحي واحد. لذا كان الحديث عن القحط يفتقر للمصداقية وربما لو تم التصوير على مدار عام كامل لمنحت المنطقة العاملين على التصوير مناظر ما بعد الحصاد تناسب شكوى الناس من غياب المطر وقلة المحصول. مع هذا، المناطق الخلابة وطبيعة القرية كانت فاتنة جداً.

موقع تصوير العمل الدرامي كان في تعز. وهذه فاتحة جيدة لأن تخرج تعز من بوتقة الحرب والحصار وتقدم للمشاهد اليمني والعربي عملاً بهذا الجمال والاتقان ويقدم جغرافيا يمنية جديدة وطبيعة خلابة تجسد التنوع والثراء الكامن. وأيضا ان يحرص العمل على مستوى لغوي منسجم وان بلهجة غالبة هي (لهجة تمتد من سفوح جبال صَبِر إلى وديان الدليل وسُمارة مرورا بالعدين) فهذا دليل اتساق. ربما تكون منطقة تصوير المسلسل، بل وتعز بكلها، قبلة اعمال درامية وسينمائية قادمة.

الأماكن كانت غفلية او عمومية ولا يوجد فيها اسم عَلَم. حتى العالية كان اسم دلالة اكثر من اسم تعيين موقع. ومثلها المركز والجبل الاسود والمدينة، اسم علم واحد ووحيد قفز من كل هذا الغبار، انه عدن. بصوت شداد "وصلتني رسالة من عدن".

هناك الكثير مما يمكن قوله بشأن المسلسل الذي لولا جودته وبراعته لما اثار اهتمامي واهتمام الناس.

لا ارجو لسطوري أعلاه ان تكون كابحاً او رادعاً لأعمال قادمة سأتابعها باهتمام واكتب عنها بحب خالص. وانا هنا أسجل رضاي عن العمل بكل تأكيد. لكني لن أغفل عن شكر المخرج الذي ادار هذا العمل كمكينة ضخمة واخرجه بصورة تليق باليمن واليمنيين وبالعمل الفني.

 

  • صفحة الكاتب

اقرأ أيضاً على نشوان نيوز: حصري – شاهد غاغة 7 الحلقة 25 و26 كاملة على يوتيوب

زر الذهاب إلى الأعلى