عن الفنان المعروف جورج وسوف.. النجاح بقرارات خاطئة - جمال حسن
عندما نقول جورج وسوف محسوب خطأ على الطرب، هذا لأنه دخل هذا عالم الطرب من بوابة أفوله.
أنا عمليا ضد التهويل، والهالة حول أصوات، ولو كانت جميلة، أو جيدة.
لكن مشكلة جورج، مرتبطة باحترافيته كفنان، تعسفه على صوته، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى، أنه جاء الغناء مصنوعا بهالة الطفل المعجزة، ولم ينجح في خلع هذا الثوب الذي ظل صبيانيا حتى في تمرده ولا مبالاته الصريحة. وكانت الهالة هي التي أطلقها شريحة من المتحمسين بعودة ما يعتبروه أصيل، وقد اضمحل. لكنهم نجحوا في تكريسها إلى أمر واقع رغم ما فيها من علات.
عرف بأداء أغاني السيدة ام كلثوم في سن مبكرة، وأداء المواويل الشامية. وكانت ضربته اغنية ياللي تعبنا سنين في هواك. أغنية على مقام الهزام، تذكرنا جملتها الموسيقية بموسيقى مقطع "بحياتك يا ولدي امرأة". الملحن شاكر الموجي اخذ احدى بصمات عمه محمد الموجي، لم يقتبس لكنه قلد. اتسمت بوصلة صغيرة من عطر الماضي، ومن المآثر في مخزون الذاكرة الوحدانية. بصورة عامة جمل لحنية قصيرة جميلة. وهكذا سارت تجربته حتى اول التسعينيات.
كان ايضا وسوف، يظهر بملامح صبيانية، وطبقة صوت حادة، تلائم طبقة الميزو سوبرانو النسائية.
لا علاقة للطبقة بجودته، لكن اداءه لأغاني ام كلثوم اتسم بالانفعال المبالغ. لعل تدهور صوته، كان نتيجة عدم اعتناء بصوته في فترة تكوينه الطفولي، ارهاقه. ودائما ما كان يستعرض في التفافات زخرفية. وهذا سيتحول لاحقا الى عادة تشبه النشيج. المناجاة الباحثة عن الضياع.
لكن وسوف أيضا في فترة التدهور حاول ان يغطي على عيوب صوته بالانفعال المبالغ، بالزخرف. يمكن ان نسميها بلهجة عامية" العصورة" عصورة الصوت.
مثلا في تسجيلاته القديمة، كان تعامله مع الألحان اكثر بساطة في روحي يا نسمة، ولو نويت، وحلف القمر واخريات. كان صوته مازال مشعا وان ملامح تدهوره ظهرت اول التسعينيات، ليسقط في قاع الطبقات من الحدة الى الغلظة. وهذا لم ينزع عنه حس التباهي الشامي، تلك الثقة المشغولة بالهالة، التي جسدتها حركته على المسرح، وفي اطلاق الأحكام بوصفه مرجعية، وهذه آفة التواجد بين الأصوات الصغيرة، والتي فرت الى البوب كمنقذ لها، بالرتم وايقاع العصر.
لقد تخلق بعده كثير من الاشباه، وائل جسار واخرين، لكنهم أقل منه أيضا. من الأفضل الاستماع الى الأصل مقارنة بالتقليد. ووسوف يمتاز بشخصية صقلت وتفردت نكهتها عن سواه، بكونها أيضا سمة تكوينه، بمعنى أنه ظل حالة في الغناء لا يمكن تجاهلها وفرضها لتصبح علامة بارزة. لكنها ايضا ظلت معصورة بالحنين لماض لم ينجح في استعادته، فاشتبه بجانب مصطنع.
في كلام الناس وليل العاشقين، اقترب وسوف من البوب الشرقي، لكن كان من المستحيل ايقاف تدهور صوته، واحتفظ بالهالة التي جعلت منه تطريبيا فذا. لا يمكن اغفال جمال صوته، لكن لابد ان نقول انه عاش خديعة كونه وريث أصالة الطرب، وكان بمقدوره ان يؤدي بعذوبة أفضل مع إدارة استعراضه الزخرفي، بدون مبالغات. لكن حتى هذا لم يكن ليجعل منه جورج وسزف الذي نعرفه، فبعض النجاح يحتاج قرارات خاطئة، وقلما توجد هالة دون ان تتزين بالإدعاء.
* من صفحة الكاتب