فيصل الشبيبي.. لا لن نفرط باليمن
أقلام في مسيرة النضال الحلقة 25: فيصل الشبيبي.. إرث النضال لا لن نفرط باليمن - ثابت الأحمدي
من صفات الأنهار العظيمة تعدد منابعها وتجدد فيضانها بين الحين والحين، ومن صفات الثقافة اليمنية عبر تاريخها أنها ثقافة متجددة من الداخل، ثقافة مقاومة للإمامة عبر كل جيل من الأجيال منذ تورد السفاح الأول يحيى حسين الرسي إلى اليمن وإلى اليوم، والذي كان يريد أن يجعل من اليمن قاعدة انطلاق لإمبراطوريته المتوهمة، لغزو بقية الأقطار الإسلامية، فأوقفه اليمنيون عند حده، وحشروه في زاوية ضيقة من جبال اليمن؛ لذا حقد عليهم هو وسلالته منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، فبرزت عائلات نضالية، مواجهة هذا الكهنوت، تارة بالعلم، على صعيد الجبهة الثقافية، وتارة بالنضال والكفاح العسكري المباشر.
من هذه الأسر المتميزة والمرموقة آل الشبيبي من آنس. وآل الشبيبي عائلة قضاء وعلم وسياسة وجندية، ترجم الشوكاني في البدر الطالع للحسن بن أحمد الشبيبي الآنسي الذماري، المولود بقرية ذي حود سنة 1107ه-، قائلا: انتهت إليه رئاسة العلم بمدينة ذمار. وهذا هو الجد السابع لرفيقنا في هذه الرحلة الإعلامي النجم فيصل الشبيبي.
فيصل يحيى محمد الشبيبي، من مواليد 15 سبتمبر 1976م في مديرية المنار بمحافظة ذمار، درس الابتدائية والإعدادية في مدرسة النجاح بمسقط رأسه، والثانوية بمدينة ذمار، وأثناء دراسة المرحلة الثانوية، وكونه صاحب خط جميل، فقد طمع عمه القاضي إسماعيل الشبيبي الذي كان يعمل في محكمة استئناف ذمار حينها، في مساعدته على كتابة مئات الأحكام القضائية، وتم التعاقد معه ككاتبٍ في المحكمة بعد الثانوية مباشرة. الخط موهبة، وكان مجرد إجادة الخط قديما مؤهلا في حد ذاته للالتحاق بأي دائرة من دوائر الدولة، ولعل الإعلامي فيصل آخر هؤلاء الكتبة الذي استفاد من موهبة الخط، وربطته بالدولة.
التحق ذلك الشاب المتميز والنبيه آنذاك بكلية الشريعة والقانون، جامعة صنعاء، سنة 1996م، نصف قاضٍ، ونصف محامٍ، ونصف فقيه، مكتنز بموروث عائلي كبير في القضاء والفقه والقانون، كونه من عائلة علمية قضائية عسكرية أيضا، فوالده المقدم/ يحيى محمد الشبيبي، أحد ضباط الجيش اليمني الشرفاء، وأحد المدافعين عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، المشاركين في الدفاع عن صنعاء خلال فترة حصار السبعين يوما، الفصل الأخير من فصول المحاولة الإمامية الفاشلة. كما عمل والده أيضا مسؤول التسليح، ومسؤول شؤون الأفراد، بقيادة لواء ذمار والبيضاء مطلع الثمانينات، وكان من أنزه وأشرف الضباط بشهادة زملائه وجنوده. لا غرابة.. النبلاء لا يلوثون تاريخ أمجادهم الناصع بالبياض.
من هذا اللوحة الفسيفسائية الباذخة تشكلت ثقافة الإعلامي فيصل في بواكيرها الأولى: القضاء، الفقه، الجندية في البيئة الذمارية المعروفة بنباهة رجالها والتي تصيغ شخصية الفرد، إضافة إلى التخصص العلمي الجامعي.
درس في كلية الشريعة والقانون سنتين اثنتين فقط، ليحصل بعد ذلك على منحة دراسية إلى العراق، ضمن منح التبادل الثقافي، وهناك التحق بجامعة بغداد، كلية الإعلام، وحصل على شهادة البكالوريوس في العام 2001م، وكان من الطلبة المتميزين في تحصيلهم العلمي، خاصة وقد أضاف إلى جانب الدراسة النظرية أيضا الممارسة العملية، فقد عمل أثناء دراسته الجامعية آنذاك مراسلا لصحيفتي: الميثاق و26 سبتمبر لمدة عامين، ومن الطبيعي أن عمله في المراسلات الصحفية تقتضي متابعته لكل جديد في الشؤون العراقية، فكانَ من المتابعين للصحف والمجلات العراقية، وللمشهد العراقي بشكل عام في فترة سياسية عصيبة. اهتم بالسياسة، كما اهتم بالثقافة والأدب والرياضة، ويتذكر اليوم أن من بين أعماله التي سجلها آنذاك عدد من الحوارات الصحفية، من بينها حوار مع الشاعر العراقي الكبيرعبد الرزاق عبد الواحد، وآخر مع الكابتن أحمد راضي، وحوارات أخرى كثيرة.
والواقع أنّ كثيرًا من الشباب المبدعين بدأوا مشوراهم الجاد والحقيقي من فترة الدراسة الجامعية، وخاصة الإعلاميين والصحفيين الذين تقدح فيهم الجامعة شرارة الموهبة الكامنة فقط. فالصحافة أو الإعلام فن وموهبة معا، تبدأ محاكاته لأول مرة منذ الثانوية العامة، وربما قبل ذلك.
عاد من العراق في العام 2001م، عودة النورس المهاجر، يحمل شهادة البكالوريوس بثقة واعتداد بكفاءته النظرية والعملية معا. ليلتحق للتو بإذاعة صنعاء في آخر العام نفسه، وإذاعة صنعاء مدرسة إعلامية شامخة من وقت مبكر، جمعت نخبة من أمهر الأدباء والمثقفين والإعلاميين، وكان لها حضورها الباذخ في أوساط الجمهور الذي ارتبط بها وجدانيا حتى انقلاب المليشيات على الدولة في سبتمبر 2014م.
التحق بالإذاعة معلما ومتعلما في آنٍ واحدٍ، معلما في مهنته الجديدة، بكفاءة واقتدار، ومتعلما من الأساتذة الأوائل في الإذاعة من جيل الرواد ذوي الخبرة العميقة، فعمل محررًا ومراسلًا ميدانيًا في الإدارة العامة للأخبار، ومُعدًا ومقدمًا لعدد من البرامج، من بينها برنامج: "فلسطين في الوجدان"، وبرنامج: "حدث وأحاديث"، وبرنامج: "الحقيبة الإخبارية"، وعلى هامش عمله الرسمي هذا عمل أيضا مراسلاً لعدد من الإذاعات ووسائل الإعلام العربية والدولية. لقد كان شعلة من النشاط والإبداع والتميز، مخلصا لعمله ومهنته التي عشقها منذ الصغر، ولا يزال متعشقا لها حتى اليوم، وقد أصبح من المعلمين الكبار، ذوي الخبرة العالية.
ثمة موهبة أخرى مخبوءة لم يسفر عنها الزميل العزيز فيصل، أو يتكلم عنها، وقد لا يعرفها الكثير، وهي موهبة الشعر. الكثيرون ربما لا يعرفون أن الإعلامي المتألق فيصل الشبيبي أديب وشاعر، وهي صفة لدى بعض الإعلاميين الكبار أيضا: عادل الأحمدي، جميل عزالدين، فيصل العواضي، وآخرون. في اليمن الصحافة والإعلام يغطيان على المواهب الأخرى غالبا.
يكتب الشاعر فيصل الشعر الفصيح والغنائي، وله ديوانان شعريان تحت الطبع، الأول بعنوان: "تساؤلات"، والثاني بعنوان: "تأملات"، إلا أنّ انشغاله بالعمل الصّحفي حالَ بينه وبين كتابة المزيد من القصائد، باستثناء محاولات صغيرة؛ لا سيما تلك التي يختم بها تقاريره الإخبارية والتي تميَّز بها عن غيره.
تأثر بكتابةِ الشعر منذ طفولته بالعديد من أفراد أسرته، كعمّه القاضي عبد الكريم الشبيبي، وكذلك الشاعر الوطني والغنائي المعروف محمد الشبيبي "أبو حِمْيَر"؛ حيث بدأ كتابة الشعر أثناء دراسته في الجامعة متغنيًا باليمن، ومن ذلك:
ماذا أقولُ وياؤُها يُحيي المُنى * ويزيدُ أنغامًا على أنغامي
ماذا أقولُ وميمُها نورٌ كما * إنّي أرى في النونِ مِسكَ ختامي.
وأيضًا
يا أيّها التاريخُ رصّع في سماك بأحرفٍ من نور ملحمة اليمن.
سجّل بأن الشعبَ قرّرَ أن يُطهّر كل شبر من دهاقنة الفتن.
الحاملين لفكر أفاكٍ، تجاوزه الزمن.
شعبٌ توحِّدهُ الصعابْ..
حريةً يهوى وشورى، والعدالةَ والكرامة، غير ذاك فلا ولن.
والله ما حكم البلاد تخلفٌ، أو بدعةٌ أو كاهنٌ أو مرتهنْ.
لن نرتضي قهرًا، ولا نرضى المذلة والوهنْ
يا أيها الطاغوت هذا الشعبُ أعلنها علن.
لا لن نصفّق للضلالةِ والغوايةِ والخرافة لن نفرط باليمن.
لا لن نُفرَّط باليمن..
في يناير من العام 2012 التحق بقناة "اليمن اليوم"، وعُين نائبًا لرئيس دائرة الأخبار، وكان إضافة إلى ذلك أحد أبرز مراسليها الميدانيين، ولا يزالُ الكثيرون يتذكرون تغطيته الإعلامية بجدارة وتميز لجريمة استهداف جنود الأمن المركزي في 21 مايو 2012م، في ميدان السبعين، بمادة إعلامية استثنائية، مثلت له حضورا جماهيريا أكبر، إضافة إلى تغطيته فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل منذ انطلاقه في 18 مارس 2013م بأكثر من ثمانين تقريرًا، وكذلك الاجتماعات واللقاءات الهامة لقيادة المؤتمر الشعبي العام - اللجنة العامة - والمهرجانات، حيث كان يحظى باحترام وتقدير خاص من الرئيس الرحل علي عبد الله صالح، والأمين العام للمؤتمر عارف الزوكا وقيادات المؤتمر. انتسب مبكرًا إلى المؤتمر الشعبي العام وهو في الصف الثالت الإعدادي، مطلع يناير عام 1991م، ووصل الى عضو لجنة دائمة رئيسية عقب تعيينه مديرًا عامًا لقناة اليمن إليوم عام 2016م.
في مارس 2016 تم تعيينه نائبًا للمدير العام التنفيذي لقناة اليمن اليوم، حتى أكتوبر من العام نفسه؛ حيث تم تعيينه مديرًا عامًا تنفيذيًا للقناة من قبل الرئيس صالح، واستمر في هذا الموقع لمدة ست سنوات.
كتب الإعلامي فيصل الشبيبي أكثر من مئة مقال في صحيفتي: الثورة والجمهورية الرسميتين، وموقع المؤتمر نت، ونشوان نيوز، وعدد من المواقع المحلية منذ العام 2007 حتى 2012م، معظمها عن حركة التمرد الحوثية ومشروعها التدميري، وارتباط ذلك المشروع بالأجندة الإيرانية، من أبرزها مقال بعنوان: مفاعل حيدان النووي.. إرهابيون بالفطرة والمُعتقد".
شارك في عدةِ دوراتٍ تدريبيّةٍ في معهد التدريب الإعلامي التابع لوزارة الإعلام بصنعاء، في اللغة وفن الإلقاء، والتحرير الإخباري، كما شارك في مؤتمرات وندوات ولقاءات سياسية وتنظيمية داخلية وخارجية من بينها "مشاورات الكويت عام 2016م"، ضمن الوفد الإداري والإعلامي عن المؤتمر الشعبي العام، وكذلك في الصين عام 2014م، وغيرها، كما شارك في مشاورات الرياض اليمنية اليمنية 2022م.
تم اعتقاله من قبل ميليشيا الحوثي إلى جانب أكثر من أربعين موظفا من موظفي وصحفيي قناة "اليمن اليوم" عقب انتفاضة الثاني من ديسمبر عام 2017م؛ حيث كان قارئ بيانات الانتفاضة الثلاثة، ورفض مغادرة القناة، رغم طلب عدد من زملائه ذلك حتى لا يتعرض لأي أذى؛ كونه قارئ البيانات.
وعقب الإفراج عنهم بعد ضغوطات محلية وعربية ودولية، تم وضعه قيد الإقامة الجبرية لمدة ثلاثة أشهر ونصف، وتم مساومته من قبل ميليشيا الحوثي بتولي مناصب عليا في وزارة الإعلام، أو استمراره في إدارة قناة "اليمن اليوم"، مقابل تقديمه برنامجا أسبوعيا في القناة المختطفة بصنعاء؛ لكنه رفض كل تلك الإغراءات، وظل على موقفه الرافض لفكرهم العنصري الطائفي، حتى تمكن من مغادرة اليمن بطريقة صعبة جدًا في أبريل 2018م. بعدها توجه إلى القاهرة وقاد قناة "اليمن اليوم" كمدير عام تنفيذي لها لمدة أربع سنوات ونصف، إلى جانب عمله في إعداد وتقديم التغطيات الخاصة في 22 مايو، وذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام، وأعياد الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر و 30 نوفمبر، وذكرى انتفاضة الثاني من ديسمبر، ثم غادر القناة، وانتقل إلى قناة "الجمهورية" في المخا، مُعدًا ومقدمًا للبرامج.
عُرف أثناء إدارته للقناة، بانفتاحه على جميع الأطراف والقوى السياسية بمختلف توجهاتها، حيث كانت القناة منبرًا لكافة القوى الوطنية المناهضة للفكر الحوثي، فكان - ولا يزال - من الأصوات العاقلة، المعتد