فرية التعايش بين مسمى الزيدية والشافعية!
د. ثابت الأحمدي يكتب عن فرية التعايش بين مسمى الزيدية والشافعية في اليمن!
ذكر الجاحظُ في الحيوان أن الحية لا يستطيع أي كائن مساكنتها في جحرها إلا الوزغة فقط، فإنها تستطيع أن تسكنَ مع الحية في جحر واحد. والوزغة من الخبائث كما هو معروف. هذا أولا..
ثانيا: من المعروف في علم النفس أن تكرار الحديث عن مسألة ما يرسخ جزءا منها في العقل الباطن، حتى وإن كان خاطئا، فيصبح ما ليس مستساغا، مع الأيام مستساغا. وتصبح المخالفة عادة مقبولة، ولهذا نهى الله عز وجل في كتابه الكريم عن الجهر بالسوء، حتى لا يعلق جزء منه بالعقل الباطن "اللاشعور"، فقال: (لا يحبُّ الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم).
ومن المقدمة إلى التفاصيل..
الإمامة الهادوية في اليمن واحدةٌ من أسوأ العُصبويات الدينية والسياسية في تاريخ العصبويات قاطبة عبر التاريخ، ولا نكاد نجد جماعة أسوأ منها أبدا. تاريخها سلسلة من التعالي العنصري "الإبليسي"، وحياتها فصول من الإجرام والتدمير الممنهج عن سابق ترصد وإصرار. جماعة في مجتمع، متحيزة، متحوصلة على ذاتها العرقية، ولا تقبل القسمة إلا على نفسها فقط. وهيهات أن تقبل بأي إنسان أو جماعة شريكا أو متشاركا إلا أن يكون تابعًا فقط. وتاريخها مرصود حقبة حقبة وفصلا فصلا منذ تأسست ككيان متمايز في القرن الثالث الهجري وحتى اللحظة.
نعم.. كيانٌ متمايز، لا متميز، عظامي، لا عصامي. متشبث بموهوم الاصطفاء، لا بحقيقة الإنجاز. ولهذا فهي في صراعٍ دائم مع ما حولها، حتى مع الجماد، المتمثل في الموروث الحضاري اليمني الذي دمروه عمدا منذ وقت مبكر وإلى اليوم، وقد نظروا إليه كضرّة صامتة..!
هذه الجماعة هي "الأفعى" التي لم يستطع اليمنيون مساكنتها، مصرين على بقائهم جالية في أرض اليمن، حسب إشارة الشاعر عبدالله حمران.
تاريخ هذه الجماعة هو الحرب، فبين كل حرب وحرب، حربٌ أخرى. سيف يُشرع، وسيف يهوي، وبين سيف البداية وسيف النهاية آلاف السيوف المشرعة التي لم تُغمد حتى اللحظة، وأراهنُ ــ بكل تحدٍ ــ لمن يأتي بسنة واحدة فقط منذ أكثر من ألف سنة خلت من حروبٍ داخلية أو أهلية لهذه الجماعة، إلى حد أنها إذا لم تجد من تقاتل، تلتفت وتقاتل نفسها، ولطالما قرأنا أن فلانا خرج على أبيه الإمام، وأن فلانا انقلب على عمه، وأن أحدهم قتل أخاه أو نفى أباه.. إلخ. فتشوا في تاريخهم كله، ولن تحتاجوا لمزيد من العناء لاكتشاف ذلك.
هذه هي أفعى اليمن التي لا تُساكن أحدا، ولا يستطيع أحدٌ مساكنتها..! أفعى اليمن وصلُّها وتنّينُها التي تلوّى اليمنيون من سمومها وتلظوا بنهش أنيابها، فهل سيقطعون رأس الحية في آخر فصل لها؟ أم سيكتفون بقطع الذَّنَب فقط، كما فعل آباؤنا ثوار 1962م؟!
لا تقطعن ذنَبَ الأفعى وترسلها
إن كنت شهما فألحق رأسها الذَّنَبا
ومع هذا يحاول أحبارهم ورهبانُهم من الكهنة الإماميين أن يمرروا علينا فرية "التعايش الزيدي الشافعي"..! وقد انطلت الخدعة على البسطاء من العامة فعلا..! ولكن أي تعايش؟! تعايش الجلاد والضحية.. الذئب والخروف.. الأفعى والعصفور..!
تاريخ كله نزفٌ من الدماء.. سلسلة من المعارك.. أكاد أجزم أنه لا توجد بقعة من بقاع الكرة الأرضية تروّت وديانُها وجبالها بالدماء كما هي تلك البقعة القصيّة من جنوب الجزيرة العربية. تحت كل حجر وشجر، وفوق كل رابية وسفح وعلى كل جبل وتلٍّ ما لا يُعد من جماجم اليمنيين التي استنزفتها هذه الجماعة في حروبهم لتثبيت أركان سلطتهم الكهنوتية..!
وأكاد أجزم أنه إذا كانت الجزائر بلد المليون شهيد كما يُقال ضد الاحتلال الفرنسي، فاليمنُ بلد العشرة مليون شهيد ضد الاحتلال الرسي السلالي البغيض، من الداخل، في عملية هدر بشري وإنساني لا مثيل لها عبر التاريخ، مرتكبين من المجازر البشعة ما لم تفعله القاعدة أو داعش أو بوكو حرام أو حتى الخمير الحمر في كمبوديا على تطرفهم..! وقد حولوا بلد الحضارة والتاريخ والفنون والعمارة والسدود والزراعة والتجارة إلى مسرح صراع محتدم، وإلى أطول معركة تاريخية ابتدأت بالمجرم الرسي، ولا تزال متواصلة إلى اليوم، مع حفيده المعتوه الحوثي، لم تنقطع يوما واحدا. هل سمع العالم عن معركة عمرها يزيد عن ألف عام؟ إنها معركة اليمنيين مع السلالة البغيضة..! ومع هذا يطل علينا كاهنٌ ما ليقنعَنا أن ثمة تعايشا بين ما يسمى الزيدية والشافعية؟! مع أن اليمن أكبر من أن تُختزلَ ضمن هذين المذهبين، ولله در أبي الأحرار الزبيري حين قال:
أرضنا حميرية العرق ليست
أرض زيدية و لا شافعية
نحن أبناءُ الملوك، وأحفاد الأنبياء، ووارثو راية التوحيد منذ ما يزيدُ عن خمسة آلاف عام وأكثر..! فماذا يريدُ منا الكهنة أحفاد مزدك، و بابك الخرمي؟!!!
قرونٌ من الزمن نبتت فيها لحومُهم من السحت، وانتفخت بطونُهم من الاستحواذ، مستمرئين النصب والاحتيال، لا لشيء، إلا لأن جدتهم "فاطمة"..!!
مَن فاطمة هذه؟ وما ذا أضافت للإنسانية؟!! خلق من خلق الله لا أكثر..!
أيها اليمانيون.. تأملوا جيدا في وجوه السلاليين.. تفرسوا في ملامحهم، ستجدوا أن سمنكم وعسلكم ولحمكم في وجنات القوم، صورا ناطقة وأدلة شاهدة على إفكهم ودجلهم وكهانتهم. فهل آن الأوانُ أن تضعوا حدا لمهازل التاريخ؟!
نريدُ وطنا آمنا لأبنائنا لا أكثر. نريد حياة كريمة فقط. نريد أن نحيا لا غير. فهل هذا كثيرٌ علينا ونحن أبناء الملوك من سبإ وحمير؟!