تخبط الحوثيين بين الحسن والحسين
عادل الأحمدي يكتب عن تخبط الحوثيين بين الحسن والحسين!
من بين عدد كبير من الملاحظات والتفاصيل الغنية عن الذكر، بمناسبة احتفال الحوثي بما يسميه "يوم الولاية"، لفت انتباهي حديث متداول للقيادي محمد علي الحوثي، يسلط الضوء على واحدة من الخلافات الجذرية بين الزيدية الحوثية وبين أسيادها الجدد في إيران، والذين هم بطبيعة الحال، اثنى عشرية، إلى الحد الذي لا يتوانى فيه بعض منظري الأخيرة الهجوم الحاد على "الزيدية"، وإن كان المذهبان يقومان على ذات الخرافة الباطلة وتفرعاتها العنصرية الهدامة للدولة والدين.
محمد علي الحوثي، الذي يحاول الظهور بشعبوية ويهتم بالخطابات، كان يتحدث في خطاب يدافع عن فرية "الولاية"، وما إلى ذلك من إدعاءات، وعندما وصل إلى الحديث عن وصية علي بن أبي طالب، قال إنه وصى بالحكم لابنه الحسن. لكن بعض المجتهدين الذين تناقلوا الكلمة في منصات التواصل، قاموا بتصحيحها إلى "الحسين"!
المعروف هو أن الحوثي والزيدية سلالة الرسي المنتسب إلى الحسن بن علي، وبالتالي فإن حديث محمد علي الحوثي عن أن وصي عليّ هو "الحسن"، أمر منطقي، فهو جده، حسب مشجر الأنساب المتداول. لكن هذا الاعتقاد يعد نسفاً لنظيراته من الأفكار الشيعية وفي المقدمة منها الشيعة الاثنى عشرية في إيران ولبنان والعراق، والذين يذهب التمجيد بالنسبة إليهم صوب "الحسين"، ويصل البعض من المنظرين الشيعة إلى تفضيله حتى على الرسول، وذلك بالطبع على حساب الحسن، الذي يرون أنه لم يكن أحق بالخلافة. وبلغغت العنصرية داخل الحسينيين ممن ليسوا من أبناء الحسين من بنت كسرى، فهم لا يعترفون بإمامة زيد بن علي كون أمه جارية.
بالنسبة لعموم المسلمين، فإن اختلاف الحوثيين وأسيادهم في إيران حول مسألة "الحسن" أو "الحسين"، لا تغير شيئاً بطبيعة الحال، طالما أن الفكرة ذاتها وهي القائمة على الافتراء وادعاء أن الإسلام إنما جاء ليمنح فلاناً أو علاناً ميزات قائمة على العرق ومنح السلطة "حقاً إلهياً" لهم دون غيرهم. ومن الجدير في هذا السياق، أن الزيدية كمذهب سياسي، ربما كانت الأكثر ضرراً وإرهاباً على مدى القرون المنصرمة، إذ أنها تقوم على فكرة وجود "إمام قائم"، في أي عصر وزمان، وتعطي الحق لمن يرى بنفسه القدرة أن يخرج شاهراً سيفه للحصول عليها، حسنياّ كان أو حسينياً، ومن هذا المنطلق ألحقت الإمامة مجازر ودمار يفوق الوصف على مر العصور. سواء بحربها على اليمنيين أو فيما بين من يسمون أنفسهم بـ"الأئمة".
هذه الجوانب دفعت أحد المتطرفين الاثني عشريين، يمكن مراجعة تسجيلاته في يوتيوب، إلى وصف الزيدية بأنها مذهب إرهابي، مستشهداً بالسفاح عبدالله بن حمزة، والذي قتل مئات الآلاف بسبب رفضهم الاعتراف بـ"الإمامة" أو "الولاية".
لكن كيف هو الأمر بالنسبة للاثنى عشرية؟ بما هي مذهب ينسف الدين ورموزه... إلا أنها مع ذلك، كانت أقل دموية في التاريخ، لكون أدبياتها تنتظر خروج "المهدي الغائب"، (عجل الله فرجه)، وبالتالي لم يكن معتقدها يقتضي خوض الحروب للسيطرة على السلطة، إلا عندما جاء الخميني، لعمل تحول يسمح بوجود إمام مثله، في انتظار الإمام الغائب. هذا التحول خلق تقارباً وتساوياً بين الفكرتين (الزيدية والاثنى عشرية)، في الشق الدموي المتعلق بالسلطة، لكن من الواضح أنهما يحاولان القفز على نقاط جوهرية، مثل اعتقاد الحوثيين الإمامة في الحسن ضداً على الفكرة الاثني العشرية التي تحصرها في الحسين. ولهذا من الطبيعي أن يظهر التخبط في الخطاب الحوثي الطائفي.
ختاماً، وبعيداً عن التفاصيل، يبقى المؤكد أن هذه الفكرة القائمة على فرية أن الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما جاء ليورث الحكم والجاه والميزات المخصصة لنسب أو آخر، إنما هي تنسف مقاصد الدين، وتحوله من دين أمة إلى مشروع عائلة، سواء نسبت ذلك للحسن أو الحسين أو لأي كان. وما يمكن الخلوص إليه من هذا الاختلاف، هو أن الحوثيين من أجل إرضاء أسيادهم في طهران مستعدون لتغيير مشجرات أنسابهم.. والثاني أن هذه المشجرات هي الأخرى خضعت للعديد من التعديلات على مدى التاريخ.