[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
أبحاثدراسات وبحوث

التطهير العرقي الحوثي في المؤسسات الرسمية في اليمن

عن التطهير العرقي الحوثي في المؤسسات الرسمية في اليمن - همدان العليي


قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، كانت بعض الأسَر الهاشمية في اليمن تدَّعي بأنَّها غير مُمثّلة في مفاصل الدولة، ومن المعلوم أنَّ أغلب هذه العائلات تتقلَّد مناصب كبيرة وحساسة، فمنهم الوزراء، والمحافظون، والقادة العسكريون والأمنيون، والوكلاء، والمدراء، والقضاة، والصحفيون، وغير ذلك، ولا يوجد مجال أو تخصُّص أو حزب سياسي في اليمن، إلَّا وهُم قيادات فيه، بل إنَّ حظهم في المناصب أكثر بكثير من غيرهم من اليمنيين، كَوْنهم أبناء قيادات في النظام الإمامي الذي سبق الحكم الجمهوري، وقد حظوا بفُرَص تعليمية أفضل من غيرهم، ولهذا تبوأوا مناصب عُليا في كُلِّ مؤسسات الدولة.

لكن مع ذلك، يقول بعض نخبتهم بأنَّهُم يشعرون بـ«الغبن»، بحسب وصف الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل، وزير الصناعة والتجارة السابق في مقال له بصحيفة الثورة الرسمية الأولى في البلاد( ) ليُبرِّر تمرُّد جماعة الحوثي في صعدة خلال تلك المرحلة.

تبوَّأ يحيى المتوكل مناصب مُتعدِّدة في أعلى هرم مؤسسات الدولة، لكنَّهُ مع ذلك يرى بأنَّ السلالة التي ينتمي إليها تشعر بالغبن وبحاجة إلى إشراكها في القرار. وعندما تعود إلى معتقدات السلالة تفهم جيِّدًا بأنَّها تجد نفسها مظلومة في حال لم تكُنْ مسيطرة على الحُكم بالكامل، باعتبار ذلك جزءًا من الدِّين، أو ما يُسَمَّى بنظرية «الولاية».

في أكثر من مناسبة وخطاب، قال زعيم الحوثيين بأنَّهُ وجماعته ليسوا طلاب سُلطة، وأنَّهُم لا يسعون من وراء تمرُّدهم إلى الحصول على مناصب في مؤسسات الدولة، وأكد مِرارًا بأنَّ جماعته لا تريد إلَّا الإصلاح، ولن تشارك في أيَّة حكومة، وفي أحد خطاباته قال: «نحن نذرنا أنفسنا لله في خدمة شعبنا وفي قضايا شعبنا العادلة وفي هموم شعبنا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحيد عنه.. نحن ليست لدينا أطماع، وأنا قُلت للوفد الحكومي إنَّنا لن نكون أبدًا جزءًا من أيَّة تشكيلة وزارية في أيَّة حكومة قادمة.. لا نريد وزاراتكم»( ) لكن ما إن دخلوا إلى العاصمة صنعاء، حتى قاموا بعمليات واسعة لتسريح الموظفين، وتعيين أتباعهم العقائديين، وغالبيتهم من عِرْقية واحدة.

تنقسم جماعة الحوثي إلى جزأين.. الأوَّل: عناصر الجماعة التي تعيش في الأرياف، وعلى رأسها من يعيشون في محافظة صعدة وعمران وحجة وذمار، وهؤلاء هُم الجناح المُسلَّح في الجماعة، ومَن يقومون باقتحام المناطق وتصفية المعارضين لهُم. أمَّا الثاني، فهو الجناح المدني الذي يعيش أغلبه في صنعاء وعواصم المحافظات الكبيرة، وأغلب هؤلاء يعملون في المؤسسات الحكومية (العسكرية والمدنية) والخاصة التجارية ومقرَّات السفارات ومكاتب المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والأحزاب السياسية. وكانت مُهِمَّة هذا الجناح هو توفير الغطاء السياسي والمدني والمعلوماتي للجناح الأوَّل الذي يقود جماعة الحوثي، وبعد السيطرة على المدن، كانت مُهِمَّة الجناح المدني هو أن يرثوا مؤسسات الدولة ويعملوا على إدارتها إلى جانب هيمنة كاملة للعناصر المسلحة.

ما يهم الإشارة إليه هُنا، أنَّ جماعة الحوثي كانت ممثلة في مؤسسات الدولة، أي ضِمْن الجسد الإداري والعسكري للدولة، ولم يكونوا خارجه. وعندما سيطر الحوثيون على العاصمة، قاموا بترقية أتباعهم وتمكينهم من المناصب العُليا، وتوظيف أعداد أخرى في هذه المؤسسات بعد تطهيرها مِمَّن لا ينتمون لها، وأضافوا إلى ذلك قيادات عُليا ومتوسطة وموظفين من الجناح المسلح القادم من صعدة وعمران وغيرها.

ومع ذلك، وفي كُلِّ مرحلة في العام 2014م والربع الأوَّل من 2015م حرص الحوثيون على ربط أيَّة تفاهمات مع الحكومة اليمنية والأحزاب السياسية، بما سُمِّيَ في تلك المرحلة «استيعاب أنصار الله في مؤسسات الدولة» مقابل إخلاء وجودهم العسكري في صنعاء( ).

بعد اقتحام الحوثيين صنعاء بيومين ووضع الرئيس اليمني وحكومته تحت الإقامة الجبرية، أصدر الرئيس قرارًا جمهوريًّا بتعيين القيادي الحوثي صالح علي الصماد مستشارًا لرئيس الجمهورية( ) وبدأت مرحلة تعيين حوثيين من الجناح العسكري القادم من الأرياف إلى جانب ترقية وتعيين الحوثيين الذين كانوا يعملون في المؤسسات المدنية والعسكرية عبر ما سُمِّيَ بـ «اللجنة الثورية العليا».

لم يكتفوا بذلك، بل طالبوا الرئيس هادي أثناء محاصرتهم دار الرئاسة في صنعاء بمنحهم مناصب سيادية في كافة مؤسسات الدولة أبرزها بحسب ما نُشر في موقع «الجزيرة نت»:

- نيابة كُلٍّ من رئيس الدولة ورئيس الوزراء، ووزراء الحكومة والأمانة العامة لمجلس النواب وقطاع الرقابة والمالية في أغلب الوزارات.. أي منصب نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء ورئاسة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونائب مدير مكتب الرئيس ورئيس أو نائب رئيس جهاز الأمن السياسي.

- مناصب وكيل أو نائب وكيل جهاز الأمن القومي ورئيس أو نائب رئيس مجلس الشورى ورئيس لجنة الحدود واللجان الرقابية، وجميع إدارات الرقابة والتفتيش في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات.

- مناصب نائب محافظ البنك المركزي، ونواب في بقية البنوك الحكومية، ونائب الأمين العام لمجلس الوزراء.

- منصب الأمين العام لمجلس النواب، ورؤساء دوائر الشؤون المالية والإدارية، مع إمكانية إضافة مجلس الشورى.

- منصب نائب وزير في أغلب الوزارات، إضافة إلى رؤساء دائرتي المالية والرقابة عن كُلِّ وزارة، ورئاسة هيئة التأمينات والمعاشات والخطوط الجوية اليمنية، والهيئة العامة للصناعات الدوائية( ).

قدَّم الحوثيون قوائم بأسماء المناصب والمواقع التي يجب إصدار قرارات لصالح حوثيين لشغلها، وقد نُشرت هذه القوائم في مواقع التواصل حينها بعدما سلَّمها الرئيس نفسه لبعض المستشارين له، ليضطر الرئيس المُحاصَر في منزله نهاية المطاف لتقديم استقالته في محاولة للهروب من الضغوط الحوثية، إلَّا أنَّ البرلمان اليمني قابلها بالرفض( ).

وبعد حوالي أسبوعين، اضطر وزير الدفاع اليمني حينها محمود الصبيحي لتعيين قيادات عسكرية في الجيش اليمني لكنَّها موالية للحوثيين، كَوْنها تنتمي لذات السلالة، في مواقع حسَّاسة ومُهِمَّة في وزارة الدفاع، ومن أبرز هؤلاء العميد الركن فؤاد عبد الله العماد قائدًا للواء الثالث حماية رئاسية، وعبد الله عبد الملك عباس قائدًا للواء 314 مُدرَّع، والعميد علي محمد الكحلاني رئيسًا لهيئة الإسناد اللوجستي، والعقيد الركن محمد علي هاشم العوَّامي مديرًا لدائرة الإمداد والتموين( ).

استمرت التعيينات تحت ضغوط الحوثيين حتى أفلت الرئيس هادي من حصارهم على منزله في صنعاء ووصل إلى عدن، ثم بدأت عمليات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، لينتقل الحوثيون إلى مرحلة جديدة من مراحل السطو على الوظائف في المؤسسات الحكومية.

تربَّع عبد الملك الحوثي على رأس هرم الدولة، كقائد لحركة الحوثيين، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ثم جاء بعده محمد علي الحوثي كرئيس للجنة الثورية العُليا التابعة للحوثيين، وهي أهم جهة معنية بإدارة المناطق الخاضعة لهُم، بالإضافة إلى كونه عضوًا للمجلس السياسي الأعلى، ورئيس المنظومة العدلية، وهي التي تدير المحكمة العُليا ووزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة والمحاكم الجزائية المُتخصِّصة، أي أنَّ مكانته أهم من وزير العدل ورئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة العُليا والنائب العام أيضًا. أعطي منصب وزير الداخلية لعبد الكريم الحوثي ليكون المعني بقمع أيَّة احتجاجات داخل المدن اليمنية ضد الجماعة. ويحيى الحوثي أعطيت له مُهِمَّة التغيير الثقافي وحوثنة المجتمع عبر المؤسسات التعليمية من خلال تعيينه وزيرًا للتربية والتعليم. أمَّا الهيئة العامة للأوقاف وهي المتحكمة بجميع إيرادات وأراضي ومباني الأوقاف ودخلها مليارات الريالات، فسُلِّمَتْ لعبد المجيد الحوثي، كما منحت علي حسين الحوثي رتبة لواء رغم عدم تجاوزه العشرينات وعيَّنته قائدًا لشرطة النجدة.

تحت لافتة «مواجهة العدوان الخارجي» سيطر الحوثيون بشكل شِبْه كامل على المناصب العُليا والوسطى والدنيا في مؤسسات الدولة، مع مشاركة شكلية لحزب المؤتمر الشعبي العام. في منتصف العام 2016، نشر وزير الثقافة الأسبق والشخصية المعروفة في اليمن خالد الرويشان منشورا أدان فيه عملية السطو على الوظيفة العامة، وقال:

البرامكة الجدد.. تعيينات الحوثيين!

الشعب يموت وهم يصدرون قرارات التوظيف لأشياعهم كل يوم وكل ساعة.

والله لو مستعمر (لو كان الحوثيون مستعمرين) لأشفق على البلد... البلد بلا دخل وهناك عجز عن صرف المرتبات.. وهم يصدرون قرارات التوظيف.

لا أستغرب من الحوثيين قراراتهم.. بل أستغرب من سعي المعينين وتهافتهم على هذه الوظائف.

قانونيا.. لا شرعية لأي تعيين

ما حدث ويحدث أن مَن لا يملك حق التعيين يعطي من لا يستحق..

سيتساءل أحدهم: ولماذا لا يستحق؟

وأجيبه: لا يستحق لأنه سعى لدى مَن لا يملك.

مَن يحترم نفسه لا يقبل ذلك ولا يسعى إليه.. عيييييب!

إذا لم يكن لموقف.. فلأجل أحوال الشعب المقهور.

البرامكة الجدد يطبقون على الوظائف، وينسون أن الشعب يرى ويراقب»( ).

وبعد اغتيالهم للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، يمكن التأكيد على بدء مرحلة جديدة عنوانها السُلطة المطلقة للسلالة وقليل جدا من المواليين لها من خارجها بسبب الاعتقاد الديني أو من تربطهم علاقة المصاهرة بهم، حيث سيطروا على كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والعسكرية والمجتمعية. وقد دشَّن الحوثيون سياسة الإحلال الشاملة، والقائمة على الانتساب العِرْقي وبعض الأتباع الهامشيين لها في يناير/ كانون الثاني 2018م بسلسلة من تعيينات هي الأوسع، شملت إقالة وتعيين داخل المؤسسات المدنية والعسكرية( ).

القيادات الحوثية الجديدة في المؤسسات الحكومية، بدأت أعمالها بفصل اليمنيين الذين تم تهجيرهم من أعمالهم، وقاموا بإحلال عناصر حوثية بدلًا عنهم. وسواء كانوا يعملون في المؤسسات المدنية بما فيهم المعلمين والأكاديميين( ) والقضاة( ) وأعضاء مجلس الشورى، أو من يعملون في المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية ( ).

في يونيو/ حزيران 2018م، أعلن وزير الخدمة المدنية والتأمينات لدى الحوثيين طلال عقلان، إسقاط 25 ألف حالة من كشف رواتب موظفي الدولة في القطاع المدني. وفي الشهر نفسه، قال وكيل قطاع المعلومات لدى وزارة الخدمة المدنية الخاضعة للحوثيين حسن المؤيد إنَّ المرحلة الثانية ستستهدف 50 ألف حالة سيتم إسقاطها، مُبرِّرا هذه الخطوة بأنَّ المُستهدَفين منقطعون عن العمل ومتعاونين مع الحكومة اليمنية والتحالف العربي( ).

ثم أصدرت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في 12 أغسطس/ آب 2018م، تعميمًا برقم (28) للمؤسسات الحكومية توجهها بتوفير أسماء الموظفين المنقطعين والذين أغلبهم تم تهجيرهم من قِبَل الحوثيين تمهيدًا لفصلهم بشكل كامل( ). وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أصدرت الوزارة ذاتها بلاغًا صحفيًّا نشرته وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» بنسختها الحوثية، ومُوجَّها إلى الوزراء ومحافظي المحافظات ورؤساء القطاعات الحكومية الخاضعة لسيطرتهم، تطالبهم فيه بموافاتها بأسماء وبيانات الموظفين المنقطعين والمشاركين مع «العدوان» عن العمل ضِمْن ما يُسَمَّى بـ «مشروع تنظيف كشف الراتب لكافة وحدات الخدمة العامة»( ).

في مقابل ذلك، وعقب فصل وتسريح دفع من الموظفين المدنيين والعسكريين، يتم تعيين وترقية آخرين موالين لها. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019م، منحت الجماعة ترقية لعدد 65 ألف و605 جنديٍّ وصَفِّ ضباط من منتسبي وزارة الداخلية التابعين لها دفعة واحدة( ).

وقد وصف الصحفي والباحث والمُتخصِّص في الشئون الإيرانية عدنان هاشم، ما يقوم به الحوثيون بـ «الإحلال المُنظَّم في الوظائف.. من رئاسة الجمهورية وحتى عامل النظافة وحارس المُنشأة ليضمن لهُم السيطرة المستقبلية عمليًّا على كُلِّ المؤسسات العسكرية والأمنية، وهي تشبه تمامًا طريقة إدارة الجمهورية الإيرانية بمؤسساتها الموازية»( ).

التطهير السياسي العرقي والطائفي:

استمرت عملية الفصل والإحلال بشكل تدريجي وفي كل مرة يتم استخدام مبررات مختلفة. ففي يوليو/تموز 2021، أعلنت وزارة الخدمة المدنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين عن رغبتها في تسريح عشرات الآلاف من موظفي الدولة، حيث طالبت المؤسسات الحكومية بتوفير بيانات عن بالغي أحد الأجلين للتقاعد في خطوة ووجهت برفض شديد من قبل «اتحاد نقابات موظفي الجهاز الإداري للدولة في صنعاء»، والذي رفض توجه الخدمة المدنية الحوثية ووصفوه بـ «الخالي من المسؤولية القانونية والعدالة والإنسانية»، لما له من «تداعيات وأضرار خطيرة وكارثية عبر زيادة واتساع دائرة الفقر والعوز والاحتياج بين أفراد الشعب»( ).

واعتبرت منظمة سام للحقوق والحريات اعتزام الحوثيين القيام بهذه الخطوة يكشف «عن السلوك الانتقامي والإقصائي لجماعة الحوثي ضد الخصوم، وعدم شعورها بالوضع الإنساني الذي ستزيد من تفاقمه مثل هذه الممارسات»، وقالت في بيانها الهام: «ننظر بخطورة بالغة لقرار مجلس النواب التابع لجماعة الحوثي بصنعاء القاضي بتعيين آلاف الحوثيين بدلاً عن الموظفين المُعينين منذ سنوات، الأمر الذي سيعني منح رئيس مجلس حكم جماعة الحوثي الصلاحية في توظيف بدلاء عن هؤلاء الذين لا يتسلمون رواتبهم للعام الخامس على التوالي (...) والهدف الحقيقي من هذه القرارات هو الانتقام من الخصوم واستغلال غياب الرقابة القانونية الحقيقية على أعمال الجهات التنفيذية التابعة لجماعة الحوثي، لتصفية الحسابات السياسية على حساب حقوق الأفراد الأساسية، ومنها الحق في تقلد الوظائف العامة والمستحقات المالية والأمان الوظيفي»( ).

في الجانب العسكري، أقر ما سمي بالمجلس الأعلى للشرطة التابع للجماعة استكمال إجراءات فصل 904 ضابطًا من منتسبي وزارة الداخلية، كما كلف المجلس لجنة أخرى لاستكمال حصر أسماء من تبقى من الضباط والأفراد ليتم فصلهم( ).

وكما هي العادة، تأتي المبررات ذاتها التي يستخدمها الحوثيون في ممارسة التطهير العرقي والسياسي والطائفي والفصل العنصري داخل المؤسسات الحكومية، فقد قال نائب وزير الداخلية الحوثي عبد المجيد المرتضى، إن القرارات التي اتخذوها «تأتي ترجمة لتوجيهات عبد الملك بدر الدين الحوثي، بتطهير مؤسسات الدولة ممن وصفهم بالمندسين والخونة»( ). فكل من لا ينتمي لعرقيتهم ويرفض العمل وفق نظرية «الحق الإلهي بالحكم»، ومن يرفض معتقدهم وجرائمهم، يعتبر خائنا ومندسا وعميلا وداعشيا وتكفيريا وغيرها من الأوصاف التي يستخدمونها مبررا للقتل والتهجير والنهب والفصل العنصري.

جاءت هذه الخطوة في وزارة الداخلية، بعد توجيهات مباشرة من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في كلمة ألقاها على أنصاره بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1443هـ، قال فيها: «في السياق نفسه، فيما يتعلق بمؤسسات الدولة، يجب أن تستمر عملية التطهير لمؤسسات الدولة، وإنقاذ مؤسسات الدولة من كل المدسوسين فيها الذين يعملون لصالح الأعداء ويسعون إلى إعاقة كل جهد حقيقي لخدمة الشعب وللأعمال المهمة في التصدي للعدوان. وفي ذات السياق، نشيد بالموقف الحر والموقف المهم للبرلمان في صنعاء، وموقف الأحرار فيه، وإجرائهم الأخير بتطهيرهم البرلمان من الخونة الذين التحقوا بصف العدوان. هذه خطوة مهمة وخطوة شجاعة ويجب الاستمرار في كل مؤسسات الدولة في تطهير مؤسسات الدولة من كل الخونة والعملاء»( ). وقد علق عضو اللجنة الثورية العليا الحوثية محمد المقالح على توجيهات زعيم الحركة في اليوم التالي بالقول: «سيتم ترجمة الخطاب بإخراج من تبقى من النزهاء باعتبارهم منافقين ومرجفين ومشوشين وأحجار عثرة على طريق الهوية الإيمانية»( ).

وبالرغم من علم الحوثيين بأن كثيرًا من الموظفين الحكوميين غادروا مناطقهم جراء حرمانهم من مرتباتهم منذ سنوات وليبحثوا عن أعمال أخرى، إلا أنهم يتعمدون فصلهم وإحلال عناصرهم بدلا عنهم. على سبيل المثال لا الحصر، أكدت منظمة رعاية الطفولة البريطانية أن أكثر من نصف المعلمين والعاملين في مجال التعليم في اليمن، أو حوالي 190 ألف شخص لجأوا للعمل في مهن أخرى تضمن لهم توفير بعض احتياجاتهم وأسرهم بما في ذلك العمل في الشوارع( )، وقد انتشرت صور كثيرة لمعلمين يعملون في حمل الأحجار والبضائع أو يبيعون على الأرصفة. هذا الوضع البائس دفع كثيرًا منهم إلى مغادرة مناطق سيطرة الحوثيين ليحصلوا على مرتبات في مناطق سيطرة الشرعية أو للبحث عن العمل. لكن الحوثيين وجدوها فرصة لفصلهم وتوظيف أنصارهم بدلا عنهم.

وقد أقدمت الجماعة على فصل نحو 8 آلاف معلم وتربوي دون مبرر قانوني، وهو ما اعتبرته منظمة سام للحقوق والحريات «انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، وسيخلف تبعات اجتماعية وإنسانية غير معلومة النتائج».

وأفادت المنظمة في بيان لها أن «قرار الفصل التعسفي التمييزي شمل خمسة آلاف معلم في العاصمة صنعاء، وثلاثة آلاف آخرين في المحافظات الأخرى، في إطار الخطة التي أقرّها ما يسمى المكتب التربوي التابع لجماعة الحوثي، بهدف إحكام السيطرة على قطاع التعليم. وإن عملية الفصل استهدفت المعلمين الذين هاجروا للبحث عن فرصة عمل بعد قطع رواتبهم، واستبدالهم بعناصر من الجنسين ينتمون ويوالون جماعة الحوثي لتغطية العجز القائم في المدارس كخطوة أولى لتثبيتهم (...) هذا الإجراء جاء بعد نحو أسبوع من حديث زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي عن تطهير مؤسسات الدولة من الموالين للحكومة الشرعية. وقد عمدت جماعة الحوثي خلال السنوات الثلاث الماضية إلى إحداث تغييرات كبيرة في الجهاز الإداري للتربية والتعليم، فاستبعدت الكثير من القيادات التربوية ذات الكفاءة، ممن لا يدينون لها بالولاء، خاصة ممن أُجبروا على ترك منازلهم خشية الاعتقال، وعينت عوضًا عنهم، عناصر تابعة لها، الأمر الذي أدى إلى تدني المستوى التعليمي لدى العدد الأكبر من الطلبة»( ).

وفي مقابل سياسة التطهير العرقي والطائفي والسياسي و «المذابح الوظيفية» التي تعرض لها موظفو الدولة، عمل الحوثيون على غرس أنصارهم في هذه المؤسسات حتى حولوا أنفسهم تباعًا من طرف مشارك في حكم اليمن كبقية المكونات، إلى متفرد به بشكل مطلق.

كان اليمنيون ينشرون بشكل شبه يومي في مواقع التواصل الاجتماعي التعيينات الحوثية التي تمكن هذه العائلات من مفاصل الدولة بعد إقصاء بقية المكونات سواء الحزبية أو الاجتماعية، حتى قيل بأنه لم يعد هناك حوثيًا إلا بات مسؤولًا أو قائدًا أو تاجرًا، أو يدير منظمة مجتمع مدني، أو صاحب قرار في مكتب لمنظمة دولية، حتى صغار السن والأميين أصبحوا مسؤولين في المؤسسات المدنية، ومشرفين في الأحياء والقرى، وقادة عسكريين في الجيش التابع للحوثيين. وكان من اللافت أن ينشر الحوثيون أخبارًا عن فعالياتهم اليومية في مواقعهم الرسمية، ويذكرون أسماء الحضور ليلاحظ الناس بأن كل قيادات المؤسسات المذكورة في هذه الأخبار من هذه السلالة دون غيرها، وهذا ما أثار جدلًا كبيرًا في مواقع التواصل ووسائل الإعلام بشكل عام، باعتبار ذلك دليلا على عنصرية هذه الجماعة وإقصائها لعامة اليمنيين. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشر الحوثيون في موقع وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التابع لهم خبرا بعنوان: «وزير الصحة يتفقد أحوال الأطفال المرضى بمركز اللوكيميا بمستشفى الكويت»، وهو خبر يتحدث زيارة مسؤولين حوثيين في وزارة الصحة لمستشفى الكويت في صنعاء، عقب كارثة الموت الجماعي لأطفال مرضى السرطان، وما كان لافتًا كبقية الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام التابعة للحوثيين، هو انتماء الشخصيات التي عينها الحوثيون لشغل المناصب الحكومية لسلالة واحدة. ففي هذا الخبر وردت أسماء، طه المتوكل وزير الصحة، وعلي جحاف وكيل الوزارة لقطاع الطب العلاجي، ومحمد المنصور وكيل قطاع الرعاية، وعلي المضواحي مستشار الوزارة، ومطهر المروني مدير مكتب الصحة بأمانة العاصمة، وأمين الجنيد مدير مستشفى الكويت الجامعي، وأسامة الشرفي مدير قسم الطوارئ، وعلى المفتي مدير الخدمات( ). كل هؤلاء ينتمون لنفس السلالة وتم ذكرهم في خبر واحد. وعقب هذا الخبر انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي قائمة لأسماء التعيينات الحوثية في وزارة الصحة والتي تؤكد البعد العنصري في تعيينات الحوثيين.

وقد وصل الأمر أن الحوثيين أصدروا قرارا لشاب حدث يدعى هاشم أحمد الحيفي الذي لم يتجاوز 19 عاما بتعيينه مستشارا في مكتب رئاسة الجمهورية لمجرد انتسابه للسلالة المذكورة، وهو ما أثار سخرية اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي حينها، كما منحوا قيادية حوثية تنتمي لنفس السلالة رتبة عميد في وزارة الداخلية بعدما كانت تعمل في جامعة صنعاء مدرسة للغة العربية.

وهذه مجرد نماذج بسيطة تبين حجم العبث الذي مارسته الجماعة في مؤسسات الدولة بدوافع عنصرية( ). وفي الحديدة أصدروا قرار تعيين بندر المهدي مديراً لصندوق النظافة والتحسين في المحافظة، وشقيقه مديراً للورشة المركزية للصندوق، في سابقة لم تحدث في تاريخ اليمن الجمهوري، حيث تم تعيين أخوين بدرجة مدير عام في يوم واحد ومؤسسة واحدة( )، وهذا لأنهم ينتمون للعرقية التي تدعي بأن الله فضلها على بقية اليمنيين وأنها الأولى بحكمهم وامتلاك رقابهم.

تجد الأب وكيل وزارة، والابن قائد معسكر، وأخاه مدير إدارة في مؤسسة ثالثة والأخت رئيسة منظمة، وعمه رئيس محكمة، وخاله رجل أعمال وتاجر، وابن عمه مدير مدرسة.. وهكذا. في مقابل ذلك، بالكاد يحصل بقية اليمنيين على وظائف دنيا ومناصب هامشية ليس لها أي تأثير في الواقع، والغالبية يتجهون للأعمال الحرفية والتجارية الصغيرة أو مقاتلين في الجبهات أو يهاجرون إلى خارج البلاد من أجل كسب الرزق أو اللجوء في الدول المستقرة.

وبحسب ما نشرته وسائل الإعلام في تلك المرحلة، فقد عينت الجماعة ثمانية أشخاص من أسرة المتوكل في محافظة إب (وسط اليمن)، وهم: أشرف المتوكل وكيلا لمحافظة إب، ومروان المتوكل مديرا لمستشفى ناصر، وعمار المتوكل نائبًا لمدير عام مكتب الصحة في المحافظة، ومحمد المتوكل نائبًا لمدير عام التربية والتعليم في المحافظة، وأنور المتوكل مديرًا عامًا مصلحة الهجرة والجوازات في المحافظة، ومحمد المتوكل وكيلا لنيابة البحث الجنائي في المحافظة، وحميد المتوكل مديرا لمديرية الظهار، ومحمد المتوكل مديرا لمكتب التربية والتعليم بمديرية جبلة( ). هذا ما ظهر، لأن بقية أفراد هذه الأسرة سيكونون في مناصب هامة أخرى لكن لم يتم حصرها أو كشفها في وسائل الإعلام. وهكذا مع بقية عائلات السلالة، وبهذا يتحكمون بكل صغيرة وكبيرة في المحافظة.

خلال الفترة التي سيطر فيها الحوثيون على مؤسسات الدولة، أصدروا آلاف القرارات لتعيين أنصارهم في مواقع عليا ووسطى ودنيا. أما المناصب العليا والوسطى فكانت قرارات التعيين تصدر من المجلس السياسي واللجنة الثورية الحوثية، أما النوع الآخر من القرارات فهي تلك التي صدرت لتعيين عناصرها في المواقع الدنيا مثل مدراء العموم ورؤساء الأقسام وبعض المواقع العسكرية والأمنية وعقال الحارات والمشرفين وغيرها من المناصب والمواقع التي يمكن من خلالها فرض الهيمنة على المجتمع بشكل مباشر.

خلال فحص سجلات القرارات الصادرة عن ما يسمى المجلس السياسي واللجنة الثورية، والتي صدرت خلال الأعوام من 2015 وحتى 2019، ومحتوى هذه السجلات لم يقتصر على القرارات المتعلقة بالشق الأمني والعسكري فقط، بل شمل تعيينات وتغييرات وترقيات في كافة مؤسسات الدولة التي سيطرت عليها الجماعة بلا استثناء.

ومن أول وهلة سيتوجه ذهن وانتباه المطلع على نوعية وخصوصية الأسماء والألقاب التي كان لها النصيب الأكبر من التعيينات والمناصب ونوعية هذه المناصب والوظائف سواء القيادية أو الإشرافية أو الرقابية، وهو ما يعطي تلخيص للهدف من هذه التعيينات والترقيات والتحسين في وضع هذه الأسماء ماديا ومعنويا، إضافة إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل بسيطرة واستحواذ السلالة التي تصف نفسها بفئة «السادة» على الحكم والقيادة لفترة طويلة.

المتأمل للقرارات وتواريخ إصدارها وكثافتها بشكل سنوي وشهري وأسبوعي سيجد أن الجماعة لم تشغلها الحرب والتوسع في النفوذ عن الاستحواذ على الحكم وصبغ مؤسسات الدولة بالصبغة السلالية والتحكم بمواقع القرار السياسي والعسكري والإداري والتعليمي والخدمي وصناعته عبر منتمين للجماعة عرقيا وتطبيق طموحها القديم/الجديد والمتمثل بالهيمنة على اليمن عبر إقصاء اليمنيين.

ومن خلال قراءة محتوى القرارات الصادرة خلال الفترة المذكورة، يمكن وضع الملاحظات التالية:

1- كثافة القرارات الصادرة بشان التعيينات والإحلال لشخصيات من المنتمين للعرقية المذكورة دون غيرها خلال فترة قصير جدا. فمثلا فقط في يوليو/تموز 2016 صدر ما يزيد عن 190 قرار ترقية وتعيين في وزارت مختلفة تتقدمها الداخلية والعدل والدفاع والصحة والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والخارجية، وبعض هذه القرارات تشمل أعدادا كبيرة من الأشخاص في القرار الواحد خصوصا تعيين وترقية القضاة وتعيين أشخاص في السلك العسكري برتب عالية مثل قرار رئيس المجلس السياسي الحوثي رقم 32 بتعيين عدد 474 خريجي كلية الطيران والدفاع الجوي برتبة ملازم ثان أغلبهم ينتمون للأسر الهاشمية، وقرار المجلس السياسي رقم 68 لسنة 2017 بتعيين 467 شخص في الداخلية وترقيتهم لملازم ثاني أولهم: أحمد مطهر المروني وآخرهم قاسم علي المداني حيث نجد أن قرابة 70% من الواردة أسماؤهم من ذات السلالة يحملون ألقابا مثل الديلمي والمحطوري والمؤيد وشرف المهدي والموشكي والكثير غيرها، يقابل ذلك ندرة في الأشخاص غير المنتمين للسلالة، وهو ما يؤكد بأن الجماعة في سباق مع الزمن لفرض الهيمنة الكاملة على المؤسسات الحكومية وخلق واقع جديد قائم على هيمنة السلالة الواحدة.

2- شمولية القرارات لتعم كافة الوزارات وتنوعها مثلا تعيين وكيلين بوزارة المالية رقم 83 لسنة 2017م هما عبدالسلام يحيى المحطوري وأكرم الموشكي، وقرار رئيس مجلس الوزراء الحوثي رقم 2 لسنة 2016م بتعيين 16 شخص مدراء إدارات في الشئون القانونية وإدارت أخرى أغلبهم يحملون ألقاب سلالية منهم: الوادعي والمداني والشامي والمتوكل والوزير والوريث والعزي، وتعيين رئيس دائرة المراسيم والتشريفات بالأمانة العامة لرئاسة الجمهورية بدرجة وزير عامل من آل الشامي.

3- شملت الترقيات حتى الأموات المنتمين للجماعة، حيث تم تعيين المتوفي عبد الكريم الخيواني بدرجة وزير ويحال للتقاعد وفقا لقرار رئيس اللجنة الثورية العليا رقم (39) لسنة 2016 الصادر بتاريخ 6 ابريل/نيسان 2016م.

4 - حرصت الجماعة أن تكون كافة قيادة وزارة الدفاع والألوية العسكرية بيد أشخاص منتمين للسلالة وتطعيم بسيط بأشخاص موالين لها من القبائل اليمنية. مثل: القرار الجمهوري رقم (58) للعام 2017 بتعيين وترقية 21 شخصا لرتبة عميد أغلبهم من السلالة ذاتها منهم من آل الخيواني، والمرتضى، والديلمي، والمؤيد، والمتوكل، وجحاف، والمحطوري وغيرهم.

أكثر التعيينات التي استحدثت كان هدفها وضع عناصر من السلالة المذكورة في مؤسستي الدفاع والأمن، حيث تم توزيعها على هياكل ومحافظات ومديريات مختلفة مثلا: قرار المجلس السياسي الحوثي بتعيين 48 شخصية في الداخلية برتبة رائد دون توضيح خلفياتهم العلمية وأغلبهم يحملون ألقاب المهدي وشرف الدين والمرتضى والمتوكل والشامي والعماد والقاسمي وغيرها.

5- لاستغلال القضاء وشرعنة مصادرة ممتلكات المخالفين للجماعة وإحكام السيطرة على هذه المؤسسة الهامة، أصدر رئيس اللجنة الثورية الحوثية قرارًا برقم 123 للعام 2016 بتعيين نائب عام من السلالة هو عبد العزيز ضياء الدين محمد البغدادي، وآخر أصدره رئيس المجلس السياسي الحوثي رقم 81 لسنة 2017 بتعيين أحمد يحيى محمد المتوكل رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى ثم توالت بقية التعيينات في المواقع الأخرى لمن ينتمون للسلالة.

7- الاعتماد على عناصر سلالية في إعادة كتابة المنهج التعليمي ليكون متوافقا مع سياسة ومنهج الجماعة في تكريس نظرية «التمييز العرقي» أو «السلالة المقدسة» دينيا وثقافيا كونه المدخل العاطفي في ترويض العامة على القبول بحكمهم وهيمنتهم والاستسلام والخضوع للتمييز والتعايش مع العنصرية. على سبيل المثال، قرار رئيس اللجنة الثورية الحوثية رقم 22 لسنة 2016 بتعيين محمد لطف السقاف وكيلًا لوزارة التربية لقطاع المناهج والتوجيه، ورضوان العزي مديرًا عامًا للإدارة العامة للخارطة المدرسية، وأحمد عبدالقادر شرف الدين وكيلًا لوزارة التربية لقطاع التدريب والتأهيل، وفؤاد الشامي وكيلًا مساعد للوزارة وإسماعيل علي المؤيد مستشارًا للوزارة بدرجة وكيل (قرار رئيس اللجنة الثورية رقم 191 لسنة 2016).

تعتبر هذه ملاحظات عابرة على عدد قليل جدا من القرارات التي أصدرتها الجماعة خلال الفترة المذكورة آنفا، وتوضح حقيقة السياسة العنصرية التي اتبعتها الجماعة تجاه الوظيفة العامة وتجريفها لصالح السلالة وتمكين أفرادهم وإحلالهم محل الآخرين، وعدم احترامهم لأدني معايير حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية.

وقد قام منتدى معد كرب بإحصاء جزء بسيط من أسماء الشخصيات التي تنتمي للسلالة وباتت تسيطر على أبرز وأهم المناصب في البلاد بعد إقصاء بقية اليمنيين منها في واحدة من أبشع صور العنصرية في عصرنا الحديث حيث أشار المنتدى إلى أن حوالي 1003 شخص ممن ينتسبون لهذه السلالة باتوا يسيطرون على أهم وأبرز المواقع المدنية والعسكرية( ).

ليس هذا وحسب، بل وضعت هذه الجماعة عددا هائلا من «المشرفين» ممن ينتسبون لسلالتها ليكونوا هم الآمرين الناهيين في كل منطقة ومؤسسة. وقد وصل عددهم في أمانة العاصمة فقط إلى 869 مشرفًا( ).

وبناء على هذه المعطيات، يجد كثير من العاملين في المجال الحقوقي والإنساني، بأن عمليات الإقصاء والإحلال الحوثية التي تنفذها هذه الجماعة منذ سنوات، تعتبر شكلا من أشكال الفصل العنصري وفق ما جاء في الاتفاقية الدولية لمواجهة جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها( )، كون من يتم إبعادهم هم المخالفون للجماعة سياسيا والمختلفين عنها عرقيا وهذا ما ينعكس على حياتهم سلبيا ويخلق ظروفا صعبة تحول دون النماء التام لهذه الفئة.

 

نهج إقطاعي معتّق

تأخذ جماعة الحوثي من كل أنظمة الحكم السيئة أسوأ ما فيها، فعلى سبيل المثال، تأخذ من «الأوليغارشية» أو حُكم الأقلية( )، حصر السلطة والمصلحة والمنافع بيد قلة وتتجاهل بقية أفراد المجتمع. لكن الأخطر من ذلك، أن هذه الأقلية السلالية في اليمن، تزيد في سوؤها على الأوليغارشية التقليدية بأنها أقلية سلالية مغلقة ووفق ذلك فهي تقدم نفسها كسلالة مقدسة لها حق إلهي في الاستحواذ والسيطرة.

سلوك الحوثيين –هذا- المتمثل في اقصاء كل من لا ينتسب إلى السلالة، وحصر المناصب والمصالح التجارية والاجتماعية لأتباعها، لم يكن جديدا على اليمنيين، ويعتبر امتدادًا لممارسات الأئمة الذين كانوا ينتهجون نفس النهج خلال القرون الماضية.

أشارت المؤرخة الروسية إيلينا جولوبوفسكايا في كتابها المهم (ثورة 26 سبتمبر في اليمن) إلى هذه المسألة، بالقول: «لقد راعى الإمام أحمد هذا الوضع عام 1960م، في مرسومه القاضي بفتح المدرسة العسكرية من جديد في صنعاء (درّس فيها معلمون من البلدان الصديقة) لتعليم الدفعة الرابعة من كوادر الضباط اليمنيين. وقد اختير المنتسبون إلى هذه المدرسة من بين طلاب المدارس الدينية العُليا (دار العلوم) بصنعاء وصادق الإمام نفسه على كُلِّ مَن تقدَّم للترشيح إليها. واختلف التركيب الاجتماعي لهؤلاء عن المجموعات الثلاث السابقة. وبصرف النظر عن كَوْن أغلبيتهم لم ينتموا إلى الأسَر الإقطاعية أو كبار التجار، إلَّا أنَّهُم جميعًا انتسبوا إلى فئة السادة، وهذا يُبيِّن أنَّ الإمام وطغمة السادة حاولوا قبل الثورة جعل الجيش تحت رقابتهم. وقد كانت فئة المثقفين قبل الثورة حجر الأساس في حركة المعارضة اليمنية ضد النظام الإمامي الاستبدادي وطغمة السادة»( ).

وفي باب «الإمام وحكم طغمة السادة» من نفس الكتاب، تُوضِّح سيطرة فئة «السادة» الهاشميين من قيادة المحافظات، تقول: «ترأَّس كُلَّ لواء محافظ (أمير) امتلك الناحية الشكلية، السلطات الإدارية والقانونية والعسكرية، وإن كان في الحقيقة يرجع باستمرار إلى الإمام للحصول على التوجيهات التي تُحَلُّ بموجبها مشاكل المحافظة. وكان الأمراء الأوَّلون عادةً إخوة الإمام، أو أشخاصًا مُقرَّبين من الأسرة المالكة، وعيَّن الإمام في المحافظات نواب المحافظ، الذين يقومون بأعمال الأمراء أثناء غيابهم، وكان العامل على رأس قيادة القضاء أو الناحية، وكانت وظيفته الأساسية جباية الضرائب وحفظ النظام في منطقته. وكان يُعيَّن العامل من قِبَل الإمام ويخضع من الناحية الشكلية للأمير، غير أنَّهُ في الحقيقة كان على اتصال دائم بالإمام، يتلقَّى منه التوجيهات بواسطة التلغراف. وكان هؤلاء العمال عادة من السادة الزيود.

ومنذ عام ۱۹۱۸م، وحتى قيام الثورة كان الإمام يُشكِّل الحكومة من أقربائه وأنصاره المُقرِّبين، ولقد جاء المؤرخ اليمني الجرافي بمعلومات عن وزارة 1949م، تتلخص في التالي: الأمير الحسن رئيس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير عبد الله وزير الخارجية، الأمير القاسم وزير الإعلام، الأمير إسماعيل وزير التعليم، الأمير يحيى وزير الصحة، الأمير محمد البدر القائد العام للقوات المسلحة. وبهذا الشكل تكوَّنت وزارة عام 1949م، بالأساس من أعضاء أسرة حميد الدين»( ).

وتضيف الكاتبة: «فئة كبار الإقطاعيين (السادة الزيود في الغالب) هُم مُمثّلو القمة الأوتقراطية للنظام والوسيط بين الغالبية العظمى من السكان اليمنيين في الكثير من مسائل الحياة الاجتماعية. وكانت هذه الفئة تستغل عمل الفلاحين الصغار وتستخدم أساليب الاستغلال نصف الإقطاعي. ولم يستول كبار الإقطاعيين على فائض المحصول الذي أنتجه الفلاح فقط، بل وعلى قسم من منتوجه الضروري. وقد حصل هؤلاء الإقطاعيون على الأرباح الواسعة من استغلال أراضيهم. وفي نفس الوقت كان كبار الإقطاعيين تجارًا كبارًا أو مرابين وموظفين. وكانوا يعيشون عادة في المدن حيث يملكون أيضًا مصادر مختلفة للدخل يمكن أن تكون عمليات التصدير والاستيراد والاشتراك في شركات مساهمة في مجالات الخدمات والمرافق غير الإنتاجية.

وغالبًا ما كان الإمام يعين مسؤولي الألوية والقضاة من كبار الإقطاعيين. وكان من ضمن واجباتهم الرقابة على جمع وتحصيل الضرائب لخزينة الدولة. ولم تكُنْ في أيادي الإقطاعيين المراكز الاقتصادية فقط بل وحياة البلاد السياسية وهم حاملو أكثر الأفكار رجعية وجحودًا دينيًّا. وكانوا معارضين لقيام أية إصلاحات في الحياة اليمنية، وجعلهم وضعهم المتميز هذا المدافعين عن قواعد القرون الوسطى طيلة فترة الحكم الأوتوقراطي في اليمن»( ).

الكاتب والباحث والرحالة السوري أحمد وصفي زكريا هو أيضًا بيّن هيمنة فئة من يطلقون على أنفسهم وصف «السادة» على كُلِّ مفاصل الدولة الإدارية والعسكرية والبُعد العنصري في علاقاتهم الاجتماعية في كتابه «رحلتي إلى اليمن» بقوله: «وكُلّ الإمارات والعمالات الرفيعة والمقامات والوظائف الإدارية في اليمن هي للسادة بادئ ذي بدء مهما قلّت معرفتهم وكفاءتهم، وكُلّ صدقات الفطر والهدايا والنذور الدينية في الأعياد والمواسم وغيرها من الأوقات تُجبَى لهُم مهما كثر مالهم وسعد حالهم.

فتأمَّل بعد هذه الوجاهة والسيطرة الروحيتين الفائقتين كم يُؤثِّر هؤلاء السادة في إنهاض الشعب اليماني البائس الذي ركبوا منكبيه منذ أحد عشر قرنًا، لو تهيَّأت لهُم شروط ذلك الإنهاض من علم نافع وشعور قوي أو وطني. والقاعدة عند السادة أن يصاهر بعضهم بعضًا. فالسيد لا يرغب في زواج ابنته إلَّا من سید. ولا يصبو ابن السيد للاقتران إلَّا من (شريفة) وهو لقب بنات السادة، وقد يقترن السيد ببنت غير شريفة ويكون ولده منها سيدًا، ولكن الشريفة إذا اقترنت بغیر سید لا يكون ولدها منه سيدًا»( ).

زر الذهاب إلى الأعلى