[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

هل فعلاً لجأت حماس إلى إيران بسبب خذلان العرب؟

حسين الوادعي يكتب: هل فعلاً لجأت حماس إلى إيران بسبب خذلان العرب؟


انتشرت في اليومين الماضيين مواد إعلامية متعددة كلها تدور حول موضوع واحد: تبرير تحالف حماس مع إيران المتورطة في إسقاط الدول وزعزعة الأنظمة في اليمن والعراق ولبنان.
والجواب المعمم، في حملة إعلامية منظمة، هو: "لجأت حماس إلى إيران بسبب خذلان العرب لفلسطين".

لنحلل معاً لماذا هذا التبرير مخادع ومخالف للحقائق.

أولاً: التخلي عن حماس ليس تخلياً عن فلسطين:

صحيح أن دولاً عربية محورية (السعودية والإمارات) اتخذت موقفاً سلبياً من حماس في إطار حربها السياسية ضد "الإخوان" بعد الربيع العربي، لكن حماس ليست فلسطين. ظلت الدول العربية ملتزمة بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية (الممثل الشرعي للفلسطينيين عربياً ودولياً).

واستمر الدعم المالي العربي للسلطة (ما بين 500 مليون إلى مليار دولار سنوياً)، والدعم السياسي (التمسك بالحق الفلسطيني في الدولة على حدود 1967).

إلى جانب ذلك، لم يتوقف الدعم الدولي والاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية سياسياً (إقرار الدول الكبرى بحل الدولتين) وإنسانياً (دعم الأونروا) وقانونياً (إدانة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي ما بعد 1967).

ثانياً: إيران لم تكن الخيار الوحيد:

صحيح أن آمال الفلسطينيين كانت أكثر من الدعم العربي والدولي، وأن التعنت الإسرائيلي بلغ مداه في عرقلة حل الدولتين بعد سيطرة المتطرفين على الحكومة، إلا أن إيران لم تكن الخيار الوحيد أمام حماس.

ظلت قطر وتركيا داعمتين كبيرتين لحماس على أساس التقارب الأيديولوجي. كما أن مصر لم ترفع يدها تماماً عن حماس رغم حربها على الإخوان وظلت تلعب دوراً دبلوماسياً محورياً في تهدئة الأوضاع في غزة وفي إنقاذ حماس من رد عسكري إسرائيلي عنيف كما حدث في 2021.

ثالثاً: التحول نحو إيران يعود للتغيرات السياسية داخل الحركة أكثر مما يعود لموقف الأنظمة من حماس:

لم يكن الانجراف الحمساوي نحو الحضن الإيراني رد فعل على خذلان عربي أو دولي. العامل الداخلي لعب الدور الأكبر في هذا التحول خاصة بعد صعود السنوار والجناح الأمني العسكري (السنوار، الضيف، الحية) وإزاحته للجناح السياسي (هنية، مشعل).

ورغم أن الدعم المالي والسياسي لم يتوقف كانت حماس الجديدة تحتاج لدعم آخر هو السلاح. كانت تريد السلاح لتأبيد قبضتها على غزة وحكمها حكماً نهائياً، وسحب البساط من يد السلطة الوطنية وتقديم نفسها ممثلاً شرعياً وحيداً للقضية بقوة الأمر الواقع. إلى جانب قهر السكان المحليين، كان السلاح مهماً لحماس السنوار-الضيف لإدارة علاقتها مع إسرائيل على قاعدة "دبلوماسية الصواريخ والاختطاف".

كانت القيادة الجديدة لحماس تدرك أن السلاح الإيراني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحرر الأراضي المحتلة، لكنه قادر على الضغط على إسرائيل لإطلاق أسرى الحركة وتخفيف القبضة العسكرية على القطاع والاعتراف بحماس كطرف وحيد للتفاوض. لكن حماس-السنوار كانت تحلم، على المدى الطويل، بتعميم نموذج "وحدة الساحات" فلسطينياً بحيث يتحرك فلسطينيو غزة والضفة والداخل بأوامر الحركة واستراتيجياتها.

كان حلم اختطاف تمثيل فلسطين من كل الفصائل يتضخم داخل حماس السنوار-الضيف، ومع تضخم الحلم يتدفق السلاح الإيراني، ومع تدفق السلاح تتحول إيران من داعم إلى كفيل ومن مساند إلى موجه.

رابعاً: العلاقة مع إيران تجاوزت التحالف إلى التبعية:

برعت إيران في تحويل كل الفصائل المسلحة التي تدعمها إلى جيوش بالوكالة لتنفيذ أجنداتها. وهذا ما حصل مع حماس.
كانت صواريخ حماس تنطلق من غزة تجاه إسرائيل عندما يكون هناك توتر إعلامي وعسكري بين إسرائيل وإيران. حدث هذا بعد أحداث "حي الشيخ جراح" في 2021، وفي 2022، وفي 7 أكتوبر.

كانت إيران تبقي المعركة بعيدة عن حدودها عبر السلاح الحمساوي، لكن كان الفلسطينيون والقضية يدفعون ثمناً أغلى من السلاح المتواضع ولدعم المشروط برهن القضية التاريخية للعرب لمحور إقليمي متخفف من كل الحمولات الأخلاقية للقضية.

خامساً: للتحالف أخلاقياته وحساباته:

حتى ولو سلمنا بفرضية "خذلان العرب للقضية"، تظل للتحالفات السياسية أخلاقياتها وحساباتها. تستطيع التحالف مع الشيطان لو أردت، لكن كن مستعداً بعد ذلك ليصبح الشيطان جزءاً من مصيرك.

أما سبب هذه الحملة الإعلامية المنظمة والممولة قطرياً وإيرانياً لتبرير التحالف مع الشيطان فهو أن حماس خسرت كل شيء بسبب تحالفها الإيراني. خسرت غزة، وخسرت القضية، وخسرت احترام ودعم الناس لها، وخسرت أبرز قياداتها داخل طهران نفسها. تحالف خاسر لم يستفد منه فاوست حتى وهم الخلود.

إضافة إلى أن "العملاق الإيراني" بدا أرنباً من ورق، مخترقاً أمنياً، وبدائياً في تقنياته، ومعزولاً عن شعبه، وعاجزاً حتى عن حماية سيادته.

فكان الحل استبدال أسطورة "محور الممانعة" بأسطورة "وحدة السنة والشيعة" تحت دماء هنية وعمامة خامنئي والآلة الدعائية لتميم.

زر الذهاب إلى الأعلى