حضرموت وصياغة الحكم في اليمن: خواطر على ضوء مقابلة الرئيس
مصطفى ناجي يكتب عن حضرموت وصياغة الحكم في اليمن: خواطر على ضوء مقابلة الرئيس
شاهدت مقابلة الرئيس العليمي على قناة حضرموت وتكونت لدي بعض الخواطر، وأود نشرها هنا.
أولاً، إذا لم أكن مجانباً للصواب، فهذه المقابلة هي الأولى للرئيس مع قناة يمنية غير القناة الفضائية اليمنية، أي التلفزيون الرسمي، وغير القنوات العربية، خصوصاً العربية والحدث. وقناة حضرموت قناة حكومية تعمل من الداخل اليمني. المقابلة بطابعها الاستجوابي توحي بأن القناة تجمع بين أسلوب التلفزة الرسمية وأساليب القنوات الفضائية التي نشأت خارج رحم الإعلام الرسمي.
المذيعان شابان في مقتبل عمرهما وهما يقابلان رئيس الجمهورية، لا يرغبان أن يكونا في حالة مهادنة ولا يدفعان بالخطاب إلى حصار وحشر. ربما فاتتهما أسئلة مهمة كنت أريد سماعها مثل مستقبل الحياة البرلمانية وطبيعة الرقابة ودور السلطة التشريعية والرقابية في المشهد اليمني الحالي أو تفاصيل تخص المالية العامة، ومنها عدم إعلان ميزانية عامة للبلاد.
أرى أن هذا النمط من الإعلام جيد لكسر الحاجز بين كبار مسؤولي البلاد ووسائل الإعلام المحلية والرسمية. منذ عشر سنوات كبرت الفجوة بين هذين الفاعلين. المقابلة تعلي من شأن وسيلة إعلام ذات طابع محلي مقارنة بوسائل عديدة، ومنها القناة الأولى التي لم توفر لها فرصة أن تكون محاورة واستجوابية.
كانت مقابلة رئيس الوزراء قبل أسابيع جديدة في أداء الإعلام الرسمي، بالطبع مع وجود محاذير لا يمكن تغافلها.
هذه الخطوة ربما تكون فاتحة لتغيير في سياسة الإعلام الرسمي. وربما هي حصيلة متوسطة المدى لما حدث من تغيير في دور ومكانة الإعلام الرسمي منذ 2011.
ثانياً، شدد الرئيس على موضوع اللامركزية، وقد تكون هذه الفكرة هي مفتاح المرحلة القادمة من صياغة الحكم في اليمن عبر بناء نموذج من الأسفل تفرضه وقائع وحقائق ميدانية، ولا يكون في الدسترة إلا تحصيل حاصل.
تمكين المحافظات هو أقلمة بمعنى من المعاني، وهي قفزة للأمام لكبح ما قد تؤول إليه خارطة الطريق السعودية مع الحوثي من تمكين الحوثي من جهة، ومعالجة مخاوف محافظات الشرق من مشروع جنوب تحت هيمنة مركزية من جهة أخرى.
لن تكتمل هذه اللامركزية إلا إذا امتدت إلى محافظات (في الوقت الراهن) غير ريعية الموارد مثل أبين وتعز ولحج، حتى تتمكن السلطة المركزية من الوصول إلى صيغة ملائمة لإدارة وتوزيع الموارد الوطنية.
لا توجد بنى واستثمارات وخطوات عملية لتعزيز اللامركزية في هذه المحافظات، فلا كلية شرطة ولا بحرية في تعز على سبيل المثال.
ثالثاً: كان الرئيس العليمي متأنياً في إجاباته وصريحاً في بعض النقاط، موضحاً محدودية الموارد قياساً بالتحديات. لكنه لم يقدم إيضاحاً كافياً حول أمرين: أولاً، التراجع عن قرارات البنك الأخيرة. ثانياً، ماذا لو فشل المسار السياسي مع الحوثي؟ ما هي الاستعدادات لمواجهة الأمر؟
التركيز على السلام وخطاب السلام شيء جيد دبلوماسياً وسياسياً. لكن إمكانية انسداد هذا الأفق كبيرة، وتواري الشرعية وراء السلام يعني ضمنياً عجزها عن الدفاع عن مشروع السلام أو عن ثوابتها الوطنية.
رابعاً، أوضح الرئيس العليمي الدينامية التي تحدد عمل المجلس الرئاسي، ويبدو للعيان أن لشخصية العليمي دوراً في خلق توافق يقضم من صلاحياته المنصوص عليها في اتفاق نقل السلطة من أجل تجاوز صعوبات المرحلة.
هذا يطرح سؤالاً جوهرياً حول آفاق هذه الآلية التوافقية في تسيير الشأن العام وإعادة بناء مؤسسات الدولة. بمعنى آخر، إلى أين يمكن لهذا التوافق أن يذهب باليمن واليمنيين، سيما وهو توافق يبنى على وقت طويل يقود أحياناً إلى إبطاء عجلة الإدارة وتعطيل بعض القضايا أو عدم الحسم في جوانب معينة؟
على سبيل المثال: في الجانب الدبلوماسي، هناك سفارات بلا سفير رغم أهميتها للمصالح اليمنية مثل السعودية وألمانيا وإثيوبيا.
خامساً: كان الموضوع الرئيس في هذه المقابلة، التي تندرج في سياق زيارة إلى حضرموت، هو حضرموت، لكنه بطبيعته لا يستطيع الفرار من الشأن اليمني الثقيل.
أفهم من الزيارة والمقابلة محاولة إعادة بناء العلاقة بين الدولة المركزية -الهشة والتي بلا موارد- والسلطة المحلية التي تحاول افتكاك أكبر قدر من السلطة، ثم التنازع عليها محلياً مع مختلف القوى لأن الأمر إنزال لسلطة بلا ضوابط دستورية وقانونية واضحة، ولا يخرج عن دائرة التصارع بين مشاريع عديدة جنوبية جنوبية.
هناك رسائل لهذه الزيارة سواء لمختلف القوى المكونة للشرعية أو للمكونات الحضرمية أو لمختلف المتدخلين الإقليميين والدوليين في الشأن اليمني. وربما لحضرموت تصور مغاير عما يدور في أذهاننا نحن.
غياب البحسني عن الزيارة، تصاعد الاحتجاجات، افتتاح مشاريع، أو جعل التنمية هي مفتاح التعامل مع محافظات الشرق؛ هذه نقاط تلفت الانتباه.
* صفحة الكاتب