[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

بمناسبة فيلم "حياة الماعز": هذه قصتي مع الكفيل!

سليمان النواب يكتب بمناسبة فيلم "حياة الماعز": هذه قصتي مع الكفيل!


في عام 1996م، أصيب أبي بمرض السرطان، وكنا حينها صغاراً، لا نعرف ما هو السرطان ولا لماذا يقيم أبي في المستشفى ولم يعد إلينا.

اغترب أبي وهو طفل صغير في السعودية، تقريباً في عام 1971 أو قبل هذا التاريخ، أي قبل حرب الخليج بسنوات. عاش أبي يتيماً إلا من أم وأخت وحيدة. وترملت جدتي على ولد وبنت. كان أبي مثل المغتربين الذين بقوا في السعودية على نظام الكفيل، وكان أبي يعمل في مكتب شحن. وكان اسم كفيل أبي "حمد سليمان المهباش"، هكذا عرفنا وحفظنا اسم كفيل أبي من خلال الكروت الشخصية للكفيل.

تمر السنوات وأبي يعمل عند كفيله. كان كفيل أبي إنساناً عظيماً جداً، ومن شدة حب أبي لكفيله، قام بتسمية أبنائه، أنا وأخي وأختي، بأسماء أولاد الكفيل حباً ورداً للجميل للكفيل الذي اعتنى بوالدي كواحد من أولاده.

نعود لمرض أبي؛ حيث أقام في المستشفى في صنعاء لمدة خمسة أشهر. وبعد إصرار كفيل أبي على أن يعود إلى المملكة ليتلقى العلاج على حسابه، تمت المعاملة بأسرع وقت وانطلق أبي إلى جدة، حيث تعالج في أفضل المستشفيات على حساب كفيل أبي.

شاءت الأقدار أن يتوفى أبي بعد شهرين من دخوله المملكة للعلاج، رحمه الله. وهنا تبدأ قصتنا الحقيقية مع الكفيل.

طبعاً بعد وفاة أبي، لم يستطع الكفيل الوصول إلينا، ولكنه كان وفياً وعظيماً أكثر من أي وقت مضى. كان وكأنه الأب الذي فقد ابنه، فقد قام الوالد حمد سليمان المهباش بجمع أغراض أبي من العزبة، جميعها، من كتب وملابس وكل صغير وكبير، حتى قصاصة الأظافر، جمعها في شنط كبيرة وأرسلها لنا مع ابن عمتي الذي رافق والدي.

هل انتهت القصة؟ لا، القصة تبدأ هنا.

كان مع أبي صديق عزيز في نفس السكن، وهو من قرية مجاورة لقريتنا، وكانا كالإخوة. فلما توفى أبي، كان العم غيلان عبده هو نقطة الوصل بيننا وبين كفيل أبي.

بعد وفاة أبي بأربعة أشهر، كانت إجازة العم غيلان عبده، وعاد إلى البلاد. وكان يزورنا باستمرار عندما يأتي إلى البلاد وأبي غائب. كان أبي يرسل لنا معه ملابس وهدايا من السعودية. المهم أن العم غيلان أرسل لنا أحد أبنائه ليخبرنا بوجود رسالة من السعودية. ذهبت أنا وأمي وأخي إلى منزل العم غيلان. لا أنسى خطواتي التي تعثرت وأنا أسبق الطير شجناً وفرحاً بما سنحصل عليه. كنت أرى خطوات أمي متثاقلة، أراها بطيئة وكأنني كنت أمشي على بساط من الريح، بينما أمي تمشي وعلى ملامحها حزن وخيبة. ما الذي يعوضنا عن فقدان أبي؟ لا شيء.

وصلنا إلى بيت العم غيلان، استقبلنا وكأننا أولاده. احتضنني حضناً لا أنساه، كأن الملائكة هي التي احتضنتني. مسح على رأسي كثيراً ودعا لوالدي بالرحمة وقال لنا "أنا معكم، لا تخافوا".

بعد ساعة، قال لنا: "معكم 100 ألف، ومعكم ثلاث شنط من كفيل الوالد. شنطة فيها ملابس لكم، وشنطتين فيها مواد غذائية، سنرسلها لكم مع سيارة ابن أختي حيدر علي".

أخذنا الشنطة وكانت ثقيلة جداً، لكن مع الفرحة، شعرت وكأن على ظهري ريش نعام. طالت الطريق وكأنها ألف ميل، لكنها كانت مليئة بالفرحة. وصلنا البيت وفتحنا الشنطة وبدأنا نقلب الملابس، الشماغات، الثياب، والملابس النسائية. كانت فرحة غامرة لا أنساها.

في الشنطتين الأخريين، أرسلوا لنا الرز، السكر، الحلويات، والتمر، وحلويات لأول مرة نذوقها.

المهم أن كفيل الوالد استمر على هذا الحال لأكثر من 13 سنة، يرسل لنا كل أربعة أشهر مبلغاً مالياً كبيراً، ويرسل لنا في رمضان والعيد. وعندما يعود صاحب أبي، يرسل ملابس، رز، سكر، وكل أصناف الحلوى.

توفي العم حمد سليمان المهباش، وبقي على هذا الحال ولده سليمان حتى انقطع التواصل بيننا عام 2005 تقريباً.

الشعب السعودي شعب كريم وعزيز ومضياف، وهذه قصة معنا، ومثلها آلاف القصص مع اليمنيين. خير السعودية وصل إلى كل بيت في أنحاء اليمن.

الفيلم مسيء لكل عربي وليس للأشقاء في المملكة فقط.

وسلامتكم
#حياة_الماعز

من صفحته على فيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى