آراء

ترامب رئيساً مجدداً.. ماذا يعني هذا اليمن؟

مصطفى ناجي الجبزي يكتب: ترامب رئيساً مجدداً.. ماذا يعني هذا اليمن؟


تأخذ الانتخابات الأمريكية حيزاً كبيراً من الاهتمام لمكانة أمريكا وتأثيرها في وعلى العالم. لكن هذه الانتخابات كانت شاغلاً أكبر لأنها مفصلية وتحمل في طياتها بذور تحول جذري في واحدة من أقوى الديمقراطيات.

لا تقتصر التحولات على المجال الداخلي الأمريكي الذي يعد به ترامب في هوامش انتخابية تفصيلية من قرابة ألف صفحة أعدّتها مؤسسة Heritage Foundation. يظهر فيها ترامب أكثر نضجاً أيديولوجياً مما سبق، ولديه رؤية سياسية لما ستكون عليه أمريكا، ويحمل برنامجاً تفصيلياً سيجعل الدولة العميقة في أمريكا دولة ترامبية لسنوات قادمة؛ لأنه يستعد -على عكس من سبقوه- لتغيير ملامح المؤسسات الأمريكية باستصناع الجديدة منها وتوظيف قرابة 24 ألف موظف في مستويات إدارية مختلفة. (القائمة جاهزة، وقد نفذت المؤسسة أعلاه مقابلات في الشهور السابقة).

بل تتعدى هذه التغيرات إلى ما وراء أمريكا من خلال إعادة صياغة لتحالف الأطلسي وتحديد مسار التنافس الأمريكي-الصيني وتقرير مصير الحرب في أوكرانيا، وبالطبع دفع مجرى الصراع في منطقتنا التي تسمى الشرق الأوسط نحو ساقية جديدة تشمل تعزيز تحالفات نفعية باهظة مالياً مع بعض الدول وتحجيم لإيران وإطلاق يد إسرائيل وربما تعزيز موقع تركيا أردوغان.

لكن دون الذهاب إلى قول وتكرار ما يقال، أود التطرق إلى ما الذي قد يطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد الذي سيكون فيه ترامب كامل الصلاحيات دون معارضة نيابية لمدة عامين على الأقل، وبالطبع بسلطات عدلية لم يحظ بها رئيس أمريكي سابق.

علينا أولاً تقديم خلاصة للمشهد اليمني. بلد منقسم من حيث السلطات الفعلية بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية، وهذه الأخيرة حاصل تحالفات متناقضة وبقدرات اقتصادية هشة واعتماد خارجي كلي.

انضمت جماعة الحوثي إلى محور إيران عملياً باسم مناصرة غزة، وأصبحت تهديداً فعلياً للأمن الدولي وللتجارة والملاحة العالميتين، وتلقت إثرها ضربات عسكرية محدودة أمريكية وبريطانية أو إسرائيلية، ولأول مرة تتدخل إسرائيل عسكرياً في اليمن منذ قيامها.

استقر الحال في اليمن بأن تراجع التحالف العربي العسكري عن عملياته العسكرية قبل خمس سنوات مقابل تسريع وتيرة الوصول إلى صفقة سياسية متعثرة مع الحوثي تصب في مصلحة الحوثي -دعائياً على الأقل باعتباره صمد ولم يتعرض لهزيمة وخرج هو الأقوى من بين كل القوى الأخرى اليمنية.

تدعم أمريكا حلاً سياسياً في اليمن، لكن تدخلات الحوثي في الملاحة الدولية وضعت كوابح كبيرة أمام هذا السلام الذي تدير تفاصيله السعودية في المقام الأول.

ولهذا، ترسخ رأي أنه لم يعد هناك أفق لاستعمال الحرب في اليمن وتغيير خارطة القوى، سيما ودول التحالف لا ترغب بعودة الحرب ومستعدة لتقديم تنازلات هي في الأصل تقليص لمكان ودور الحكومة اليمنية.

ترامب بطبعه متقلب المزاج، يسعى إلى الربح المطلق ويريد أمريكا قوية في العالم. خلال ولايته الأولى لم يسارع إلى خوض حرب بل إلى إقامة صفقات عجيبة.

هناك تعويل كبير أن يقود تغيير الإدارة الأمريكية إلى استئناف المعركة في اليمن وحصول الحكومة اليمنية على دعم متعدد الأشكال. لكن ترامب لا يريد خوض حرب لجنوده، ولن يتحمل وحده أعباء معركة عسكرية في اليمن، ولن يقف ضد رغبة السعودية التي لا تريد العودة إلى مربع المعارك حولها خصوصاً في اليمن. لذا فإن استئناف حرب بضوء أخضر أمريكي ومن دون وجود طرف يدفع الكلفة أمر قليل الاحتمال، سيما وقوى الشرعية منقسمة في ظل مراوحة المجلس الانتقالي من أي صيغة جديدة سياسية قد تتكون بانتهاء المعركة مع الحوثي.

إلا أن هناك طرفاً جديداً في الأمر هو إسرائيل. والانتصار المطلق الذي يروج له نتنياهو لن يكون إلا بتحجيم التهديدات المحيطة به، ومنها التهديد الحوثي.

لذا، إن وجد طرف ليتدخل عسكرياً في اليمن لضرب أهداف حوثية، ستكون إسرائيل، وقد تحظى بمباركة ومساعدة ترامب كجزء غير مكلف من تعهداته تجاه الكيان. وقد تذهب إسرائيل، مستفيدة من وضعها المعنوي وفورة الانتصار، إلى إعادة رسم التحالفات في المنطقة وتشكيل محور جديد تديره هي يضم خصوم محور إيران.

عندها ستكون الحكومة اليمنية في ورطة أخلاقية مع شعبها. ربما يلجأ الحوثي إلى تقليص تهديداته في الملاحة الدولية، وبهذا يتجنب أي رد فعل عسكري دولي، ولن يفعل ترامب شيئاً أكثر من تأكيد التصنيف الراهن للجماعة الحوثية أو تشديد التصنيف نوعاً ما. لكن في كلا الحالتين، هذا لا يعني خطراً وجودياً للجماعة الحوثية التي ستذهب إلى تفعيل السلام كسباً للوقت وممالأة للرغبة السعودية، وبهذا تتجنب المسار العسكري دون الوصول إلى سلام.

مع هذا لا أحد يتوقع ردود فعل ترامب العازم فعلاً على تكسيح إيران. وتدخّل الحوثي في مسرح الحرب منذ عام يعني أنه أصبح هدفاً محتملاً في هذا التكسيح. ولدرء خوض مواجهة أمريكية مع إيران، قد يكون نصيب الحوثي من الاستهداف الأمريكي كبيراً. لكن هل هذا يعني أن تكسيح ذراع إيران في اليمن سيكون بتنسيق مع الحكومة اليمنية ويصب في صالحها؟ للإجابة على هذا السؤال، يمكن النظر في نتائج القصف الأمريكي أو الإسرائيلي لأهداف حوثية وما هي منافعها على الحكومة اليمنية.

لم تتغير خارطة القوة في اليمن ولم تكسب الحكومة مواقع جديدة لأنها لم تتقدم برياً ولم تتمكن من استئناف النفط. وهكذا سيكون الحال.

تبدو عودة ترامب سانحة لتغيير معادلات القوة في اليمن. إلا أن الحكومة، أولاً، غير مستعدة لأنها لم تتمكن من تجسير قواتها وتوحيد نواياها وخلق تكتل سياسي وشعبي والحصول على تسليح يضمن تفوقاً نارياً. كما أنها لم تستعد عافيتها اقتصادياً. ولا أدري هل تستطيع في نصف عام أن تحقق هذه الأهداف لاقتناص الفرصة المنظورة.

ثانياً، إذا لم تستطع الحكومة اليمنية بناء علاقة مباشرة وفتح قنوات اتصال مع إدارة ترامب والمحيطين به والمؤثرين في سياسته من أفراد ومؤسسات، وتضع نفسها على خارطة مصالحه، فإنها ستضيع بين انكفاء التحالف العربي وعدم رغبته في عودة الحرب وبين صلف إسرائيل التي يتحول أي تدخل منها في اليمن إلى رصيد شعبي مؤقت في صالح الحوثية ولعنة على الحكومة.

ثالثاً، يمكن للحكومة العمل على مسارين: مسار دبلوماسي تتغير فيه صيغة السلام الذي يُشيّد منذ فترة ويصب في صالح ملشنة اليمن. ومسار عسكري تجعل من الحرب أمراً واقعاً لا يسع الأطراف الإقليمية والدولية إلا الانخراط فيه ولصالح رغبة الحكومة. بمعنى آخر، عليها أن تبادر لتغيير المعادلة.

زر الذهاب إلى الأعلى